نادر عماد حمدي: والدي عاش بطلاً على الشاشة وإنساناً بسيطاً خلف الكاميرا... وهذه حكاياته التي لم تُروَ

كتبت: ياسمين عمرو في الجمعة 26 سبتمبر 2025 01:03 مساءً - حين يُذكر اسم عماد حمدي، تتجسد أمامنا صورة "الأب" في أنبل معانيها، و"الرجل" كما رسمته السينما الكلاسيكية في أجمل تجلياتها، هو واحد من أعمدة الفن المصري في زمنه الذهبي، حمل على عاتقه أدواراً محفورة في وجدان أجيال، من "أم العروسة" إلى "الخطايا" و"إني راحلة"، لكن خلف الشاشة، كان له عالم آخر، مليء بالحب والفن والألم والوفاء، يرويه اليوم ابنه الوحيد نادر عماد حمدي، الذي فتح لنا قلبه واستعاد معنا تلك اللحظات التي عاشها بجوار والده، من زمن الضحك والمجد، إلى سنوات العزلة والحزن.
في هذا الحوار الخاص، نستعيد سيرة نجمٍ لم تنطفئ أضواؤه، لا على الشاشة ولا في ذاكرة محبيه، ونكشف كواليس إنسانيته التي ربما كانت أعمق أثراً من كل أدواره.


عماد حمدي

عماد حمدي وابنه الأكبر المصور الصحفي نادر عماد حمدي


نادر لم يرث الفن من والده، فقد عمل مصوراً صحفياً في إحدى الصحف الشهيرة، وكان من الأبناء البارين بوالدهم، فحب عماد حمدي يتربع داخل قلب نادر.
بدأ حواره معنا بذكريات المشهد الأول في حياة والده عماد حمدي: "جدي درس جزءاً كبيراً من الهندسة وقضى 10 سنوات وحصل على الماجستير والدكتوراه ووالدته فرنسية، وكان والدي يقول لي إن الحياة وقتها مع أسرته كانت الموسيقى والثقافة جزءاً من حياتهم، فوالدته كانت تحب الرسم وعزف الموسيقى، وكان والدي في المدرسة الثانوية في مدارس حكومية وتعليمة باللغة العربية، وكانوا تسعة أشقاء، وقد درّس الفنان عبد الوارث عسر التمثيل لوالدي، ودائماً والدي كان يقبل يديه فقد كان له تأثير كبير عليه، وفي اللغة العربية بالتحديد.
والدي كان منفصلاً عن والدتي، وكان عمري وقتها أربع سنوات، وكانت أغلب أوقاتي معه، وكنت من المحظوظين لأنني دخلت كل بيوت هذا الجيل من الفنانين، فشخصية والدي كانت هي شخصية حسين في فيلم أم العروسة، إنسان طبيعي، وكان هذا من أسباب نجاحه في السينما لأنه كان دائماً يقول إن الممثل حينما يظهر للمتفرج أنه يمثل، فهذا لا يعد تمثيلاً، ولكن الممثل يجب أن يكون طبيعياً وتلقائياً، وهذا ما كان يتميز به أغلب هذا الجيل لذلك نجحوا واستمروا حتى الآن، فكان والدي عاشقاً للسينما وكان يشاهد السينما الأمريكية بالتحديد.
عمل والدي في البدايات، باش كاتب في مستشفى أبو الريش، ولكن كان الفن غالباً عليه، وكان صوته مميزاً جداً، وجاء زميله في المدرسة، وقال له ما رأيك أن تعمل في استوديو مصر، ففرح لأنه بهذا سيكون قريباً من الفن، فهو خريج تجارة، وبالفعل عمل بالحسابات، وكان في استوديو مصر ثلاثة فقط مؤهلات عليا والدي ومحمد رجائي، والذي جاء بعد ذلك رئيساً لمؤسسة السينما، وموسى حقي عميد معهد السينما، واستمر والدي حوالي 12 عاماً موظفاً في الاستوديو، حيث تقلد منصباً آخر في توزيع أفلام استوديو مصر، وكانوا يأتون وقتها بالأفلام الأجنبية ويقومون بعمل الدوبلاج لها باللغة العربية، وقد قام والدي بعمل دوبلاج لفيلم لص بغداد، حيث قدمه والدي بصوته باللغة العربية، وكان يأخذ وقتها مكافأة قدرها 50 جنيهاً، وكان مرتبه كمدير استوديو مصر 25 جنيهاً، وفي عام 1945 كان أحد أفضل اثنين يقومان بعمل الدوبلاج للأفلام، والدي والفنان الراحل محمود المليجي..


كيف جاءته الفرصة الأولى، ليقوم بأول أفلامه بدور بطولة في فيلم السوق السوداء؟

حينما رآه المخرج كامل التلمساني، وقال أريد هذا الشاب ليمثل دور البطولة في الفيلم، وقيل له إنه يعمل بتوزيع الأفلام، ولكن التلمساني تمسك بأبي الذى وافق على أن يخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى، وكان أجره في الفيلم حوالي 200 جنيه، وشجعته على ذلك الفنانة عقيلة راتب خاصة أنها كانت صديقة لوالدتي، وكان كامل التلمساني، وقتها سابقاً عصرَه مثل يوسف شاهين، حينما قدم باب الحديد، فلم يفهم الفيلم أحد لأنه سبق عصره، ولهذا فشل فيلم السوق السوداء مما جعل والدي يقرر أنه لن يقوم بالتمثيل مرة أخرى، ولكن كان والدي محظوظاً لأنه بدأ في دور البطولة من أول فيلم، وثاني الأفلام نجح بشكل كبير، فكان هذا أول فيلم للمخرج صلاح أبو سيف، وكان صلاح أبو سيف يعمل مونتيراً في بداياته، ووقتها كان والدي يقول لي إنه وصل لدرجة إنه كان يصور خمسة أفلام في الشهر الواحد، وكان أغلب التصوير في الاستوديو، وقليل جداً العمل في التصوير الخارجي.


وما ذكرياتك عن أفلامه الرومانسية، وماذا حكى لك عنها؟


جسد أبي فيلم إني راحلة وبين الأطلال، فأتذكر أنه قال لي إن بين الأطلال كان من أفضل الأفلام التي جسدها كأفلام رومانسية، فقد قدم والدي أغلب قصص الأديب نجيب محفوظ، وحكى لي أبي أن المخرج عز الدين ذو الفقار، كان يجلس خلف الكاميرا ويبكي من أحداث الفيلم، وكان عز الدين ذو الفقار أقرب الناس لقلب والدي، أما عن نفسي، فأنا لا أستطيع مشاهدة هذا الفيلم -كلما عرض- لأنني أتأثر به جداً، ورغم علمي أنه عمل فني، وليس حقيقياً، لكني أبكي كثيراً عندما أراه، فلذلك قررت عدم رؤيته عندما يعرض، قدم أبي أفلاماً كثيرة مع فاتن حمامة تصل لـ20 فيلماً، ومع شادية قدم 16 فيلماً، ومع مديحة يسري قدم سبعة أفلام.
ما رأيك بالاطّلاع على ميرفت أمين: "رجاء ودلال كنّ سندي... ونور الشريف جزء مني انكسر"


كيف كانت علاقته بشادية بعد زواج دام ثلاث سنوات فقط؟


يقول نادر: ماما شادية -كما يناديها- هي بالفعل أم ثانية لي، فهي إنسانة جميلة وكل من اقترب منها أحبها، وكان لها فضل كبير عليّ وعلى أولادي ومن دونها لم أستطع استكمال حياتي، فهي -رحمة الله عليها- متصالحة مع نفسها، وهناك عمار كبير بينها وبين الله، ولن تتكرر رحمها الله، وأتذكر أنها تزوجت والدي لفترة قصيرة، دامت لثلاث سنوات، وكانت تعتبرني ابناً لها، وكانا في إحدى المرات يعملان سوياً بعد الانفصال فيلماً مع المخرج يوسف شاهين في أسوان وكان والدي وشادية وصلاح ذو الفقار معاً في أسوان، وكنت وقتها أتحدث هاتفياً مع والدي، ليقول لي مازحاً: تعالى، وعلى الفور سافرت لهم أسوان، ليفاجئ بي ويقدمني لشادية، ويقول لها: تعرفي مين ده؟ وظنت أنني من المعجبين، خاصة أنها لم ترني منذ أن كنت صغيراً، ليقول لها ابني نادر، لأجد شادية على الفور ترحب بي بشكل كبير، فوالدي انفصل عن شادية عام 56، وحينما يكون هناك مشكلة لي مع والدي، هي من تتدخل لحلها، فكان يسمع لها جيداً، فهذا جيل لن يعوض، ليس لديهم غل أو حقد حتى في انفصالهم، ومن وقتها لم تتركني شادية طوال عمري حتى رحلت.


كيف كانت علاقته بالفنانة مديحة يسري؟


كان منزل مديحة يسري بجانب منزلنا، وهي شخصية جميلة جداً ولا أنسى إني راحلة والذي جمعها بأبي سوياً، بالإضافة لستة أفلام أخرى حققت شهرة كبيرة، ولكن على الجانب الإنساني، فكانا صديقين مقربين وحتى إذا لم يكن هناك عمل يجمعهما، فالتزاور بينهما، كان دائماً، وبعد رحيل والدي، كانت تسأل عني دائماً وتتحدث إليّ وتطلب مني الذهاب إليها، وحينما تقوم بعمل عيد ميلادها، كانت تطلب مني القيام بالتصوير، وفي أحد أعياد ميلادها، وكان وقتها متواجداً أبطال فيلم أيوب، وكان بين الضيوف الموجودين عمر الشريف وآخرون منهم نبيلة عبيد وميرفت أمين، ووقتها وجدت عمر الشريف يسألها عني، ويقول مين ده؟ لتقول له ابن عماد حمدي، فجاء واحتضنني وقال لي: ابن الغالي، كان شخصية جميلة وبسيطة، وكان كل النجوم في هذه الفترة ليس لديهم استعلاء أو غرور، فكانوا رغم نجوميتهم بسطاء بدرجة كبيرة.


فيلم الخطايا، وصفعة عماد حمدي على وجه عبد الحليم لا تُنسَى؟

عمل والدي مع عبد الحليم، في عملين الخطايا وأبي فوق الشجرة، وفي المرتين يقوم والدي بضرب عبد الحليم ضمن الأحداث وعبد الحليم، كان يحبه الناس حتى وقتنا هذا، وهو من أصر أن تكون الصفعة واقعية في الخطايا، وأن يقوم والدي بضربه بصورة حقيقية، مع تخوف والدي من ذلك رأفة بعبد الحليم، وحتى لا يغضب منه عشاق حليم، وحينما تقابلا في إحدى المرات، قال عبد الحليم لوالدي: مش هنعمل فيلم تاني، فكان فيلم أبي فوق الشجرة آخر أفلام عبد الحليم... فيلم الخطايا من أجمل أفلام والدي وكان الناس يقابلونه في الشارع بعد فيلم الخطايا ويقولون له حرام عليك عبد الحليم.
يمكنك أيضاً الاطّلاع على الوجه الآخر لعبد الوارث عسر... مؤلفاً سينمائياً

عماد حمدي وحفيده الأكبر عماد والذي يعمل الآن مديراً لإحدى الشركات الكبرى


نور الشريف موقف لا ينسى مع عماد حمدي في فيلم سواق الأتوبيس؟


بعد وفاة السفير عبد الرحمن حمدي عمي -شقيق أبي التوأم- والذي يشبهه بدرجة كبيرة، حزن أبي لدرجة الاكتئاب، خاصة أنه مات أمامنا، وكنا نجلس وقتها نحن الثلاثة وبعدها ولمدة ثلاث سنوات لم يخرج أبي من المنزل، وحينما جاءه عاطف الطيب ليعرض عليه فيلم سواق الأتوبيس، والدي رفض، وقال له إنه متعب، وكان الأطباء خائفين من إجراء أي جراحة له، حتى لا يحدث أي شيء، فكان المخرج عاطف الطيب ومدير التصوير سعيد الشيمي يقومان بعمل تحضير لجميع مشاهد أبي بحيث يظهر جالساً في كل مشهد حتى لا يرهق، وكانوا يقولون له حينما تريد أن تتوقف وتستريح، قل لنا، وكانوا يقومون بنقله من مكان لمكان حتى جاء أحد المساعدين ليتعامل بحدة مع والدي، ليجد الفنان نور الشريف وقتها يغضب من هذا المساعد، وأصر على إبعاده عن العمل، بسبب طريقته التي تعامل بها مع والدي، لذلك كان عماد حمدي يحب نور الشريف كثيراً، ويقول عنه دائماً إنه فنان وإنسان بدرجة كبيرة.


كيف كانت كواليس فيلم أم العروسة؟


فيلم أم العروسة كان من أحب الأفلام لقلب والدي، وكانت شخصية حسين والشخصية التي أداها في الفيلم تشبه شخصيته بشكل كبير، وكان يقول هو أفضل أفلامي لأنه كان طبيعياً وبسيطاً، وكذلك الفنانة تحية كاريوكا، فلم يكن الممثلون وقتها يمثلون، ولكن كانت شخصيات قريبة من المجتمع، وكان وقتها المخرج عاطف سالم يجيد فن التعامل مع الأطفال، فكانت السينما عشقاً له.


هل مثل شقيقه التوأم السفير عبد الرحمن حمدي في السينما؟


عمي عبد الرحمن حمدي، قام بتمثيل مشهد واحد، قبل أن يدخل والدي عالم التمثيل، وكان هذا المشهد مع السيدة أم كلثوم في فيلم عايدة، لذا كثير من النقاد كانوا يعتبرونه بالخطأ أن هذا الفيلم أول أفلام والدي، ولكن هذا ليس حقيقياً لأن الممثل في عايدة هو شقيق والدي التوأم عبد الرحمن حمدي الذي قام بتصوير المشهد، وكان والدي يقول دائماً إنه كان يتمنى العمل مع أم كلثوم، ولكن الفرصة جاءت لشقيقه، وكان عمي يحب الرسم والنحت والتأليف، فجميع عائلة والدي لديهم مواهب فنية متعددة، ولم يقم عمي بالتمثيل مرة أخرى، فقد كان يهوَى دراسة اللغات وعمل في السلك الدبلوماسي كسفير.
إليك أيضاً "الخليج 365" في فيلا رجاء الجداوي مع ابنتها أميرة مختار: زوايا المنزل تحن لوالدتي


عاش عماد حمدي فترة من الاكتئاب بعد رحيل توأمه عبد الرحمن حمدي، كيف كانت أيامه الأخيرة؟


بعد وفاة عمي عبد الرحمن عجل ذلك بنهاية والدي، ورفض الخروج من المنزل لمدة ثلاث سنوات، وكان شقيقه يسكن في منطقة الزمالك، وكان والدي وشقيقه مرتبطين ببعضهما بشدة، فكل شيء يفعلانه سوياً، ولم يدخل والدي شقة شقيقه بعد وفاته ولم يستطع الخروج في المنطقة نفسها أيضاً، فقد كانت تجمعهما الهوايات ذاتها، وحينما مات شقيقه أصيب والدي بصدمة شديدة وضعف نظره نهائياً، وآخر 10 سنوات في حياته بعد انفصاله عن الفنانة نادية الجندي، عاد مرة أخرى، ليعيش معنا ونراعيه أنا ووالدتي رغم انفصالهما، فكانا بمثابة أصدقاء حتى بعد الانفصال وبينهما أصدقاء مشتركون، وبعد رحيل والدتي أيضاً أثر ذلك عليه بشكل كبير، ليفاجأ بعدما كان يقوم دائماً بحل الكلمات المتقاطعة في الصحف اليومية، فأصبح غير قادر على قراءتها وراح نظره مما أدخله في اكتئاب كبير حتى رحيله.


ما هي أهم النصائح لك قبل رحيله؟


أتذكر أنه قبل وفاته بيومين، كنت أجلس معه في المنزل نفسه ووالدي إذا أحس بأي تعب، كان يخفي ذلك ويترك نفسه حتى النهاية ولا يطلب مستشفى أو طبيباً، ففوجئت به يدق على باب الغرفة في الواحدة بعد منتصف الليل لأجده يقول لي: ما تتخضش أنا هموت، ولكني لم آخذ الكلام على محمل الجد، خاصة أنه كان يعاني من الاكتئاب وتأثر بكل ما حدث، فقلت له: ما يمكن أموت قبلك، لأجده يقول: خلي بالك على عيالك ومراتك، بعدها بالفعل بيومين مات، والمدهش قبل وفاته كتب بنفسه نعيه، وكان دائماً يطالبني بألا أكتب نعياً حينما يموت، وكان لا يحب أن يذهب أي عزاء، فقط ذهب عزاء الفنان عبد الوارث عسر، حتى توفي في 28 يناير عام 84 بعد رصيد ومشوار حافل ترك فيه علامات في تاريخ السينما المصرية.


هل فكرتم في تقديم السيرة الذاتية له؟

أرفض تماماً، فأفلامه هي التي تتحدث عنه، حتى بعد رحيله.
ربما رحل الجسد في صمت، لكن الروح بقيت تُحدثنا بصوت السينما، وتهمس في ذاكرة من عرفوه أو أحبوه من بعيد، كان عماد حمدي نجماً لا تلمع نجوميته بالبريق الزائف، بل بتلك البساطة التي كانت تُشبه الناس، وبذلك الصدق الذي جعلنا نصدقه أباً وزوجاً وعاشقاً على الشاشة، لأنه كان كذلك في الحياة.
وفي شهادات ابنه نادر، لم نسمع فقط حكاية فنان، بل سيرة إنسان عاش الحياة كما هي، بفرحها وحزنها، بوهجها وكسورها، وترك خلفه رصيداً من المحبة لا يُقاس بعدد الأفلام، بل بعمق الأثر في القلوب.
فمن جيل لن يتكرر، كان عماد حمدي، وسيظل اسمه حيّاً، كلما مرّ شريط من الزمن الجميل.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا "إنستغرام الخليج 365".
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا "تيك توك الخليج 365".
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر "تويتر" "الخليج 365 فن".

أخبار متعلقة :