كتبت: ياسمين عمرو في الأربعاء 15 أكتوبر 2025 02:03 مساءً - بين الذكرى والحنين، وبين فخر الابنة ووجع الفقد، تفتح الفنانة رانيا محمود ياسين قلبها لموقع "الخليج 365"؛ لتتحدث عن والدها النجم الكبير محمود ياسين، الذي غاب جسداً وبقي روحاً خالدة في كل زاوية من حياتها. وبإحساسٍ من الحب والامتنان، تستعيد رانيا محطات من مسيرته الفنية والإنسانية؛ لتروي كيف يعيش والدها في وجدانها حتى اليوم، وكيف ما زال اسمه يضيء ذاكرة الفن المصري بكل ما تركه من إرث كبير وأخلاق نادرة رغم مرور خمس سنوات على رحيله.
تقول رانيا: "الموت والحياة شيء رباني، كل إنسان يعيش حياته ثم يرحل، لكن أبي دائماً بداخلي في كل تفصيلة من حياتي، بأخلاقه الطيبة ومبادئه وسيرته العطرة المحترمة. كل هذه البصمات موجودة من حولي، في أي تفصيلة جمعتني به في الحياة، أو في جلسة حلوة كنا نجلس فيها معاً نتكلم ونتبادل الآراء، أو في دروس حياتية تعلمتها منه من خلال معايشتي له، حتى دون أن يقولها لي مباشرة. استوعبتها جيداً وما زلت أعيش بها".
وتضيف رانيا بتأثر واضح: "أبي ما زال موجوداً في كل تفاصيل حياتي ودائماً معي. وعندما أقابل بعض الناس الذين تعاملوا معه وكان لهم عوناً ومحباً وحنوناً، أو كان لهم معلماً في الحياة، أشعر بفخر كبير حين يفرحون بلقائي ويقدرونني لأنني ابنة محمود ياسين، ذلك الإنسان الطيب الحنون المحترم المتعاون. بعد خمس سنوات من رحيله، ما زالت جملة محمود ياسين الله يرحمه تسبب لي وجعاً كبيراً، تصدمني بفكرة أنه ليس موجوداً، لكن داخلي يشعر بأنه موجود، ربما لا أراه أو أتكلم معه، لكن كأنه مسافر، لكن لن يعود. حتى اليوم لا يستوعب عقلي فكرة رحيله، وجمهوره كذلك ما زال يحبه لأنه تربى على أفلامه، وعاش معه كل مراحل حياته".
نشأة الفنان محمود ياسين
تقول رانيا: "علاقة أبي بمدينة بورسعيد مدينته كانت علاقة خاصة جداً. كانت مدينة سابقة لعصرها، ولديها من الثقافة والاهتمام الكبير بالفن والمسرح وجميع الفنون. وكان يوجد في بورسعيد ما يسمى بنادي المسرح. أبي كان ترتيبه السادس ضمن عشرة إخوة. عمي فاروق، وهو الأخ الأكبر لأبي، الذي توفي العام الماضي، كان محباً للفن، وكان مذيعاً في إذاعة مونت كارلو، وكان قريباً من أبي. وكان أبي يقول لي إن عمي فاروق كان من المشجعين والداعمين له في حبه للفن.
كان تأثير نادي المسرح كبيراً قبل انتقاله إلى الإقامة في القاهرة، وهو من دعم موهبة التمثيل عند أبي ونماها لديه حتي أصبح ممثلاً، ثم جاء إلى القاهرة ليعمل في المسرح القومي".
كيف أصبح محمود ياسين نجم مصر الأول في السبعينيات؟
تروي رانيا تفاصيل تحول والدها إلى نجم السينما الأول في السبعينيات، قائلة: "المخرج الكبير يوسف شاهين أسند إلى أبي في بداياته دور البطولة في فيلم الاختيار عام 1970، واشترط ألا يشارك في أي عمل آخر في الوقت نفسه مع أي مخرج آخر، وأن يكون متفرغاً تماماً للفيلم. وبالفعل، اعتذر أبي عن فيلم نحن لا نزرع الشوك عندما عرضه عليه المخرج حسين كمال والمنتج رمسيس نجيب، بناءً على طلب شاهين. لكن عندما ذهب أبي لإبلاغ شاهين باعتذاره، قال له الأخير إنه تأخر عليه، وإنه أسند الدور إلى نجم آخر. فكانت صدمة عمره."
"لكن القدر كان يخبئ له ما هو أفضل، إذ اتصل به المخرج حسين كمال وقال له مازحاً: حجيبك بالبوليس يا محمود! وتمسك به رغم اعتذاره، وكانت الفنانة شادية أيضاً متمسكة به بشدة ورشحته بقوة لبطولة الفيلم. وكان هذا العمل نقطة تحول كبيرة في حياته".
"بعدها تعاقد معه المنتج رمسيس نجيب بعقد احتكار؛ لينتج له أفلاماً عدة منها الخيط الرفيع أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، التي رشحته بقوة بعد أن رأت نجاحه في نحن لا نزرع الشوك مع شادية، والذي كان أول فيلم لها بعد عودتها من الخارج وبعد ثماني سنوات من الغياب."
وتختتم رانيا القصة بعبارة قالها المنتج رمسيس نجيب لوالدها: "العروض ستنهال عليك مثل المطر يا محمود، وستكون نجم مصر الأول في السينما" — وقد كان.
بداية إدراك رانيا لمكانة والديها الفنية
تروي رانيا محمود ياسين كيف أدركت منذ طفولتها أنّها ابنة فنانين مشهورين، وتقول: «كان عندي سبع سنوات عندما شاركت في فيلم رحلة الشقاء والحب، ورغم ذلك عشت طفولتي بشكل طبيعي، وشعرت بقيمة والديّ جيداً وأمي أيضاً. ولكن لا أنسى عندما كان عمري 13 عاماً، سافرنا إلى تركيا مع أبي لتصوير مسلسل أمير الشعراء أحمد شوقي. عند وصولنا إلى مطار تركيا، فوجئنا بمجموعة كبيرة من الصحفيين يلتقطون صوراً لنا وينتظرون محمود ياسين النجم المصري. وفي اليوم التالي، كانت صوري أنا ووالدي ووالدتي وأخي عمرو على الصفحة الأولى لأكبر جريدة في تركيا، حينها أدركت مدى شهرة والدي الكبيرة».
وتكشف رانيا عن حرص والدها على اهتمامه بالعائلة رغم انشغاله: «كان يسألني دائماً عن امتحاناتي، ويترجم لي القصص الإنجليزية، ويكتبها لي بالحرف أثناء استراحته بين مشاهد التصوير ويرسلها لي، وكأنه يقول لي: أنا معك رغم انشغاله ونجوميته، كان حريصاً على متابعة درجاتنا في المدرسة ومستوانا الدراسي".
رانيا محمود ياسين: «التمثيل كان يسكنني منذ الطفولة.. ووالدي خاف عليّ كأب»
تتحدث الفنانة رانيا محمود ياسين عن بدايتها وحبها للفن وعلاقتها بوالدها الفنان الراحل محمود ياسين، وعشقه للفن ومعارضته لدخولها معهد التمثيل.
البدايات.. الانبهار الأول بالبلاتوه
تقول رانيا: «عندما كنت أتواجد مع أبي منذ طفولتي في بلاتوه التصوير، كنت أُبهَر بالبلاتوه. كنت أريد أن أكون مع هؤلاء الفنانين، أمثل وأعيش هذا الجو. انبهرت بجو التمثيل منذ طفولتي، ومنذ وقوفي لأول مرة أمام الكاميرا وأنا طفلة، عرفت أن التمثيل هو أنسب مهنة بالنسبة لي، والتي سأشعر فيها بروحي وكياني وشخصيتي، وأستطيع أن أعبّر من خلالها عن شخصيات مختلفة».
وتضيف: «لم أكن أبوح لأبي بهذا الحب الذي يسكن قلبي لفن التمثيل؛ لأننا كجيلٍ خجول لا يستطيع أن يعبّر عما بداخله، ولكنني قلت لأمي أكثر من مرة، وكانت تقول لي: اصبري حتى تنتهي من دراستك بعد الثانوية العامة، ثم بعد الجامعة».
في حوار خاص مع "الخليج 365".. سميرة أحمد تكشف أسرار مشوارها الفني وذكريات الزمن الجميل
رفض الأب ومعارضة دخول معهد التمثيل
وتتذكر رانيا موقف والدها قائلة: «عندما عارض والدي الفنان محمود ياسين دخولي معهد التمثيل، قال لي: ادخلي كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، فأنتِ درستِ في مدارس إنجليزية English، فأكملي دراستك في الآداب، ولن تكوني بعيدة عن الفن، لأنكِ في قسم اللغة الإنجليزية ستدرسين الأدب والدراما والمسرح والنقد، وهي أساسيات لفن التمثيل. لكن لو دخلتِ معهد التمثيل، وفي مرحلة ما من حياتك قررتِ ترك التمثيل، فلن تجدي مهنة أخرى تعملين بها وأنتِ خريجة معهد التمثيل».
وتعلق: «كان رأيه هذا من منطلق خوف الأب على ابنته، وبالرغم من أنني لم أكن مقتنعة، حققت رغبة أبي. ولكن في السنة الأولى لم أكن متقبّلة الكلية».
بداية الطريق مع "قشر البندق"
وتتابع: «اتّفقت أنا وأبي على أن أعمل في الفن بعد انتهائي وتخرّجي في الكلية، وكنت في صراعٍ كبير؛ أريد أن أحقق نفسي وأعمل في المهنة التي أحبها. وبالصدفة، كان أبي يُحضّر لإنتاج فيلم عن الشباب؛ لأنه كان مهموماً بالشباب ويريد أن يقدم شباباً جدُداً في السينما، في فيلم قشر البندق.»
وتقول: «أريد أن أوضح هنا أنه كان سينتج هذا الفيلم سواء مثلتُ فيه أم لم أمثل، فلم يكن الفيلم مُنتَجاً لي خصيصاً؛ لأنه كان قد اتفق معي أن أعمل بعد التخرج. كنت في ذلك الوقت في أول دراستي الجامعية، ولكن أمي أقنعته وقالت له: تُنتج فيلماً للشباب وتكسر قلب ابنتك؟ فحنان الأب غلب عليه، فاقتنع ووافق على أن أشارك في الفيلم» ولا أنسى فضله الكبير في تقديمي لأول مرة كممثله رحمة الله عليه".
وتكمل بابتسامة: «كلنا كنا أبطال الفيلم، وبعد قشر البندق انهالت العروض عليّ من مخرجين ومنتجين، ولكن أبي لم يكن يرشحني لأحد، فقد تركني أعتمد على نفسي، ووافق أن أعمل وأنا أدرس؛ لأنه وجد أنني أنجح في الدراسة وأنجح في التمثيل أيضاً».
الدراسة بين الأدب والفن
وعن تأثير دراستها تقول: «إلى حدٍّ كبير، أفادت دراستي للآداب شخصيتي وثقافتي كممثلة، لأنني درست الدراما والأدب والنقد. لكنها في الوقت نفسه أخّرتني كممثلة في البدايات؛ لأن أي مخرج كان يرشح ويستعين بممثلين شباب في فترة الدراسة من جيلي، كان يستعين بالشباب الذين يدرسون في معهد التمثيل أولاً، ويكون لهم الأولوية، أما أنا فكانوا لا يرشحونني لأنني أدرس في الآداب، مما أخّرني إلى حدٍّ كبير».
محمود ياسين.. الإخلاص في الفن حتى آخر يوم
تتحدث رانيا عن والدها بكل تقدير: «عند تحضيره لأي دور جديد كان يجلس في غرفة مكتبه، وعندما أدخل عليه أجده يذاكر الدور جيداً، إلى هذا الحد كان مخلصاً ومتفانياً في حبه للفن. كنت أجد الاسكريبت الذي يقرؤه مكتوباً عليه كمّية كبيرة من الملاحظات والتفاصيل التي سيعمل عليها في أداء المشهد».
وتضيف بفخر: «هذا النجم، كانت نجوميته متفرّدة، وكان حتى آخر يوم في عمره مختلفاً ومخلصاً ويهتمّ بأدقّ التفاصيل. كان محمود ياسين متفرّداً في أشياء كثيرة، وقد تعلّمتُ منه هذا الاهتمام بالدور، ومذاكرته جيداً، وكتابة الملاحظات في الاسكريبت، وهي عادة أستخدمها أيضاً في أي مشهد أقدّمه".
اعتزازه بالعمل مع كبار نجمات الشاشة
أبي كان يعتز كثيراً في بداياته بأنه عمل مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والسيدة الفنانة الكبيرة شادية، والسيدة الفنانة الكبيرة ماجدة في فيلم "أنف وثلاث عيون". كان أبي يصغرهن سناً، وقد حظي بشرف العمل معهن كما قال لي. وفي "أنف وثلاث عيون"، بالرغم من صغر سنه، أصر على أن يضع في شعره بعض الخصلات البيضاء حتى يظهر كأنه في سن الفنانة ماجدة في الفيلم، وهذا نادراً ما كان يفعله أي فنان صغير السن بأن يقوم بوضع خصلات بيضاء ليكبر سنه، ولكنه فعل ذلك من أجل المصداقية أمام المشاهد.
ما رأيك الاطلاع على نادر عماد حمدي: والدي عاش بطلاً على الشاشة وإنساناً بسيطاً خلف الكاميرا.. وهذه حكاياته التي لم تُروَ
سر استمرار نجوميته
كان والدي متفرداً في موهبته من جميع النواحي: صوت عذب لا تخطئه الأذن، كاريزما قوية، ويمتلك عينين بهما عمق وتعبيرات معبرة. نظرة عينه كانت تتغير حسب الدور الذي يؤديه: لو يقوم بدور شرير نجد عينه شريرة، ولو رجل قوي نجد النظرات قوية، ولو رجل رومانسي نجد عينه كلها حنان وعطف واحتواء. عيون محمود ياسين كانت تتغير مع كل شخصية يقدمها.
أتذكر من أروع المشاهد التي قدمها في السينما المصرية في فيلم "الجلسة سرية" عندما علم بالخيانة التي بين زوجته، التي كانت تقوم بدورها الفنانة يسرا، وصديقه والذي قام بدوره الفنان سمير صبري، هذا المشهد يُدرّس. اعتمد على نظرات عينه بدون كلام. وكذلك في فيلم "الأخرس"، في مشهد يُدرّس أيضاً عندما غضب من والد حبيبته، الفنان صلاح نظمي، فعينه تكلمت قبل أن ينطق، وقال له: "حرام عليك أنت!" فالتحول من رجل أصم لا يتكلم إلى رجل ينطق كان مشهداً يدرّس في السينما.
عيون أبي كانت معبرة وكلها مشاعر، حتى في أفلامه الوطنية، كانت عيناه في دور العسكري المصري وكأنها تحارب مع الجنود.
محمود ياسين وفيلم "انتبهوا أيها السادة"
فاجأ والدي جمهوره بدور الزبال في فيلم "انتبهوا أيها السادة". فقد حكى لي أن المخرج محمد عبد العزيز عرض عليه دور دكتور الجامعة، على أن يؤدي الفنان سعيد صالح دور الزبال. وعندما قرأ أبي الفيلم، قال للمخرج: "أنا عايز أعمل دور الزبال"، ففوجئ المخرج وقال له: "محمود ياسين الدونجوان يؤدي هذا الدور؟" وبالفعل، أقنعه أبي وأدى الدور بنجاح، وكان تحدياً كبيراً له، وقد تقبله الجمهور وصفق له وصدّقوه تماماً.
كان أبي يحب أيضاً فيلم "الشريدة"، وكان يحب الأدوار المختلفة عن شخصيته، يتمرد فيها على تكوينه الشكلي. لم يسجن نفسه في دور الشاب الوسيم الدونجوان الرومانسي، كما كان يحب كثيراً مسلسل "الأبله"، وكان يحب الشخصيات المختلفة عنه. ومن المسلسلات التي أحبها كثيراً دوره في "أخو البنات"، وكذلك في "اللقاء الثاني" مع الفنانة بوسي.
الجانب الإنساني ومواهبه الأخرى
أتذكر مشهد دخوله علينا عندما كان يحضّر لمسلسل "غداً تتفتح الزهور"، دخل أبي علينا وبشريط كاسيت ووضعه في الريكوردر وقال لنا: "أنا هسمعكم صوت مطرب جديد"، وفوجئنا بصوته يغني أغنية "زوبا يا زوبة" وأغنية "رحلة جميلة في القناطر". أعجبنا جداً بصوته وبالأغنيتين، رغم أنه كان قلقاً للغاية من تجربة غنائه للأطفال، وهو النجم الذي يلقي القصائد والأشعار، لكنه نجح أيضاً. هكذا كان أبي: متنوعاً، متفرداً، ويجيد جميع الأدوار.
علاقته بزملائه في الوسط الفني
تؤكد رانيا أن علاقة والدها بالفنان نور الشريف كانت علاقة حب واحترام كبيرين. وتحكي: "كان أبي رئيس لجنة التحكيم في إحدى دورات مهرجان القاهرة السينمائي، وكان هناك فيلم للأستاذ نور الشريف في المهرجان. وبعد أن فاز نور بالجائزة كأفضل ممثل، حكى لي أبي أنه حارب في لجنة التحكيم حتى ينال نور الجائزة لأنه يستحقها، رغم أن رأياً آخر داخل اللجنة كان يفضل أن يأخذها ممثل أجنبي. قال لي: حاربت للنهاية حتى أقنعت اللجنة بأن نور الشريف هو منْ يستحق الجائزة، وقد كان".
لم تكن بينهما غيرة قط، بل كان كل منهما يفرح لنجاح الآخر. أتذكر أن أبي هنأ الأستاذ نور على نجاحه في مسلسل "حضرة المتهم أبي"، كما كان نور يهنئه على بعض أعماله الناجحة. وقد حزن أبي حزناً كبيراً بعد وفاة نور الشريف.
أما الأستاذ أحمد زكي والأستاذ محمود عبد العزيز، فكانا بمثابة إخوته الأصغر. أتذكر أن الأستاذ محمود عبد العزيز – رحمه الله – كان دائم الشكر لأبي ويحبه كثيراً لأنه وقف بجانبه في بداياته. فعندما كانت تُعرض أعمال على أبي ويرى أنها أدوار لا تضيف إليه، كان يرشح محمود عبد العزيز لتلك الأدوار، ويقول للمنتجين: "عندكم شاب رائع اسمه محمود عبد العزيز، أرسلوا له هذا العمل"، وكان محمود عبد العزيز دائم الذكر له بالخير، ويحمل له هذا الجميل طوال حياته.
كانوا جيلاً من الفنانين يحبون بعضهم البعض، ويريدون أن يصلوا بالفن لأحسن صورة، وأن يقدم كل نجم أدواراً مختلفة. بالرغم من أن أبي كان نجم مصر الأول، إلا أنه لم يكن يتعامل من هذا المنطلق مع زملائه، بل كان يحتويهم، يقف معهم، ويشجعهم. هكذا كانت أخلاق محمود ياسين.
سنوات المرض والوداع الأخير
في الفترة الأخيرة وفترة المرض، عاش أبي وهو يتذكر جميع زملائه ويتذكر تاريخه. كان مرضه مجرد تصلب في الشرايين أحدث بعض الاضطرابات في الذاكرة، لكنه لم ينسَ نفسه ولم ينسَ زملاءه. ممكن ينسى موقفاً ما، لكنه كان بالطبع يتذكرنا ويناديني باسم الدلع الذي يناديني به طوال عمري.
أتذكر أنه قبل وفاته بثلاثة أيام كنت قد قابلت الأستاذ حسين فهمي، وقلت لأبي: "يا بابا الأستاذ حسين بيسلم عليك. فقال لي: يا حبيبي يا سحس كما كان يناديه. ولا عمره، حتى آخر لحظة وآخر يوم، نسي أحداً. عندما كان يناديه الممرض في المستشفي وهو نائم في سريره ويقول له: يا أستاذ محمود، كان يرد عليه ويقول: نعم".
كان في أواخر حياته يعي تماماً أنه لا يستطيع أن يعمل مرة أخرى، لكنه لم يكن يقول لنا هذا الكلام. وكان مهتماً بأن يشاهد الأعمال التي تُعرض والمسلسلات. أتذكر أنه شاهد أعمال عمرو الأولى ككاتب سيناريو في "نصيبي وقسمتك"، وكان سعيداً جداً بأن عمرو يكتب موضوعات مختلفة ومتنوعة.
وأتذكر أيضاً عندما عُرض علي مسلسل "فالنتينو" مع الأستاذ عادل إمام، أخذت رأي أبي، وكان في مرحلة مرضه، وقلت له: "يا بابا، أنا عُرض علي مسلسل للأستاذ عادل إمام، وأنا في ذلك الوقت كنت أجهز لافتتاح مسرحية كبيرة على المسرح القومي أخذت مني ثلاثة أشهر بروفات"، فكان رده قاطعاً: "تختاري بالطبع مسلسل عادل إمام، لأن عادل إمام بيجيب النجاح".
بعد ذلك، أدركت كيف كان رأي أبي صائباً للغاية، وأترحم عليه كثيراً. وعندما أرى أولاداً في سن سبع أو ثماني سنوات يسلمون عليّ في أي مكان أذهب إليه وأتعجب وأقول: متى شاهدوني؟ومن أين يعرفونني، يقولون لي: من مسلسل فالنتينو. الفضل يعود لأبي وللأستاذ عادل إمام الذي أعطاني هذه الفرصة الجميلة.
إليك أيضاً نور الشريف في شهادة ابنته سارة بعد عشر سنوات على وفاته: أب لم يرحل وفنان لا يُنسى
علاقة الحما محمود ياسين بمحمد رياض
تؤكد رانيا أن العلاقة بين زوجها الفنان محمد رياض ووالدها كانت أبعد من علاقة حما بزوج ابنته، فتقول: "كان يعتبر محمد مثل ابنه، تماماً كعمرو، وعندما يحتاج شيئاً ويكون عمرو مشغولاً يعتمد علي محمد في ذلك الوقت مثل عمرو تماماً أو يعتمد عليهما أحياناً كثيرة في نفس الوقت، وفي فترة مرضه، كان محمد يقف بجانبه مثل عمرو بنفس الاهتمام والحب والخوف عليه وأيضاً محمد كان يعتبره والده.
الجد الحنون مع الأحفاد
تقول رانيا بحنين: "كان جداً مثالياً مع أحفاده، يجلس معهم ويضحك وينسى وجودنا نحن الأبناء. كان عمر ابني ومحمود ابن عمرو الأقرب إليه لأنهما عاشا معه أكثر وتمتعا به، بينما آدم ابني لم يحظَ بنفس الوقت معه بسبب مرضه. أبي كان جداً له تأثير كبير علي أحفاده ومازالوا غير مستوعبين أنه رحل ويعتبرونه سافر لكنه لن يعود.
وتضيف: "كان يحرص كل صباح على الاطمئنان على أحفاده وهم في طريقهم إلى المدرسة، فيستيقظ باكراً ليقف في الشرفة حتى يراهم".
أعماله الأخيرة
تؤكد رانيا أن والدها كان يحب جداً فيلمه الأخير جدو حبيبي مع بشرى، ومسلسله مع سميرة أحمد أنا وماما في القسم.
التمثيل أمام الأب الفنان
عن شعورها حين تمثّل أمام والدها، تقول رانيا: "كنت أخاف جداً من التمثيل أمامه. نظراته كانت مختلفة، نظرة أب يقلق على ابنته وهي تمثل، كنت أرتبك من تلك النظرة التي لا يفهمها أحد سواي."
سر نجاح زواج محمود ياسين وشهيرة
تختم رانيا حديثها بالإشارة إلى والديها قائلة: "زواج أبي وأمي استمر حتى وفاته لأنه كان قائماً على الحب الحقيقي والعقل والاحترام المتبادل. كان بينهما صداقة قوية قبل أن تكون علاقة زواج، وكل واحد منهما كان يرى في الآخر سنداً ودعماً في الحياة".
سر زواجٍ دام حتى الرحيل
تتحدث رانيا محمود ياسين عن سرّ استمرار زواج والديها الفنان محمود ياسين والفنانة شهيرة، فتقول إنّ علاقتهما كانت قائمة على الحبّ الحقيقي، لكن الأهم كان التفاهم والوعي والإدراك لقيمة الزواج والعائلة.
تؤكد رانيا أنّ والدَيها كانا "من الأزواج العقلاء"، أدركا أنّ الحبّ وحده لا يكفي، وأنّ ما يحافظ على البيت هو الاحترام المتبادل، والقدرة على استيعاب كل طرف لعيوب ومميّزات الآخر. تقول رانيا: «عاشا سوياً حتى آخر يوم في عمر أبي؛ لأنهما كانا يحترمان فكرة البيت والأسرة والحياة المشتركة».
وتتذكر كلمات والدها لوالدتها خلال فترة مرضه، حين قال لها: «أنتِ سيدة عظيمة»، تقديراً لدورها الكبير في رعايته ووقوفها إلى جانبه في كل لحظة؛ إذ رفضت الاستعانة بممرض أو أي شخص آخر، مفضّلة أن تكون هي السند والعون حتى اللحظة الأخيرة.
وتختم رانيا قائلة: «حب أمي وأبي كان حقيقياً، لكن ما جعله يدوم هو التفاهم، والاحترام، والإخلاص حتى آخر العمر».
هكذا تظل سيرة محمود ياسين رمزاً للفن الراقي والإنسانية الحقيقية؛ فنانٌ لم يكن نجماً عابراً، بل مدرسة في الالتزام والاحترام والحب. وفي حديث ابنته رانيا تتجسد صورة الأب والمعلم والإنسان الذي لم يرحل يوماً عن قلوب أحبائه، بل بقي حاضراً في الوجدان، صوته، ملامحه، وأدواره الخالدة، شاهدة على زمنٍ من الفن الجميل الذي لا يشيخ أبداً.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام الخليج 365».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك الخليج 365».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «الخليج 365 فن».
أخبار متعلقة :