شكرا لقرائتكم خبر عن النفط يرتفع بعد قرار أوبك+ حول السياسة الإنتاجية والان مع بالتفاصيل
دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم تتصاعد المخاطر المحيطة بفنزويلا، صاحبة أكبر احتياطيات نفط وغاز في العالم، بشكل ملحوظ. فمع دعوة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو كلًّا من روسيا والصين وإيران للمساعدة في مواجهة عسكرية محتملة مع الولايات المتحدة، تزداد حالة القلق في أسواق النفط والغاز العالمية بشأن احتمال اندلاع صراع جديد.
ويبدو أن الحشد العسكري الأميركي المتزايد حول فنزويلا — والمعلن رسميًا على أنه لمواجهة ما تعتبره إدارة ترامب دورًا محوريًا لفنزويلا في تجارة المخدرات الدولية — يشبه إلى حدّ كبير "أنشطة التدريب العسكري" التي نفذتها روسيا بقيادة فلاديمير بوتين قبل غزوها لأوكرانيا.
ورغم أنه لم يُتخذ بعدُ قرار رسمي في واشنطن، فإن مصادر عسكرية تشير إلى أن العمل العسكري أو حتى غزو فنزويلا قد نال الضوء الأخضر. ويبدو أن الرئيس ترامب يستعد لكل السيناريوهات، في خطوة قد تعيد ترتيب موازين القوى في أميركا اللاتينية والكاريبي، وتؤثر في الوقت نفسه على أسواق النفط العالمية بعمق، مع تداعيات جيوسياسية كبيرة تشمل روسيا والصين وإيران.
تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي خام في العالم، يُقدّر بنحو 303 مليارات برميل حتى عام 2023 — أي ما يعادل نحو 17% من الاحتياطي العالمي — إلا أن إنتاجها الإجمالي من الخام أقل بكثير من المتوقع.
حاليًا، تنتج البلاد نحو 1 إلى 1.1 مليون برميل يوميًا فقط، ما يعكس حالة تراجع حاد في قطاعي الإنتاج والتكرير، نتيجة العقوبات الدولية، وضعف البنية التحتية، ونقص الاستثمارات، فضلًا عن التحديات التقنية المرتبطة باستخراج وتكرير النفط الخام الثقيل.
ورغم الإمكانات الهائلة التي تمتلكها البلاد، فإن الواقع يُظهر "عملاق نفط خام في حالة يأس" — يكافح ليس فقط لإنتاج براميله الثقيلة عالية الكبريت، بل أيضًا لتصديرها إلى الأسواق العالمية.
ويتركّز الإنتاج الفنزويلي الحالي أساسًا في حوض الأطلسي، ومعظم صادراته موجهة إلى الصين وإلى مشروعات مشتركة مرخصة من الولايات المتحدة.
غير أن العقوبات الأميركية المستمرة والاضطرابات الداخلية العميقة أدت إلى أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، تعيق بشكل كبير أي تطوير مستقبلي محتمل.
ورغم أن الإنتاج الفنزويلي لا يُعتبر بالغ الأهمية من حيث الحجم الكلي للبراميل، فإن الأهمية الاستراتيجية للبلاد تنبع من نوعية الإمدادات التي تقدمها للأسواق.
فأي عملية عسكرية أميركية ستتضمن حتمًا تعطيلًا أو تدميرًا لموانئ التصدير ووحدات المعالجة والمنشآت اللوجستية، مما سيؤدي إلى فقدان أكثر بكثير من “مليون برميل إضافي”.
وفي حين أن فنزويلا ليست لاعبًا كبيرًا في سوق الغاز الطبيعي المسال (LNG)، فإن أي عمل عسكري ضدها من شأنه أن يجمّد مشروع ربط غاز “دراجون” مع ترينيداد وتوباغو الذي يغذي مجمع Atlantic LNG، وهو ما سيكون له تأثير نفسي واسع على أسواق الغاز العالمية.
أما بالنسبة لأوروبا، فإن تعرضها للمخاطر يرتبط حاليًا بالأسعار أكثر من الإمدادات المادية: أي بأسعار خام برنت، وهوامش الديزل، وعلاوات المخاطر الجيوسياسية في حوض الأطلسي.
وستتمكن الولايات المتحدة من التكيف من حيث الكميات الإجمالية (من خلال زيادة إنتاج الخام الخفيف الحلو)، لكن المصافي الأميركية ستتأثر بشدة بسبب اختلال مزيج التكرير لديها.
بعد الانهيار الكبير في الإنتاج خلال أواخر العقد الثاني من الألفية، شهد الإنتاج الفنزويلي بعض الانتعاش.
فخلال عامي 2024-2025، ارتفع الإنتاج مجددًا بفضل رُخص انتقائية وزيادة الطلب الصيني، إلا أن البلاد لا تزال تنتج 1-1.1 مليون برميل يوميًا فقط، يصدر منها نحو مليون برميل يوميًا من الخام.
ورغم ضآلة الكميات، فإن نوعية الخام الفنزويلي تجعله عنصرًا حاسمًا في السوق، إذ تُعد فنزويلا أكبر مصدّر للخام الثقيل عالي الكبريت وخليط الأورينوكو الفائق الثقل، وهو بالضبط ما تحتاجه وحدات التكرير المعقدة في الساحل الأميركي لخليج المكسيك وأجزاء من آسيا.
وأي تراجع أو توقف في الإنتاج الفنزويلي سيجبر المصافي على استخدام واردات من زيت الوقود والمخلفات النفطية كبديل، وقد بدأت بعض المصافي الأميركية بالفعل هذا العام في الاعتماد على واردات من الشرق الأوسط وغيرها لتعويض النقص في النفط الفنزويلي والروسي الثقيل.
وفي هذه المرحلة، يُتوقّع نوع من التحرك العسكري، مع تركيز القلق على النهج الذي سيتم اعتماده.
ففي سيناريو الضربة المحدودة أو الحصار البحري، ستتأثر أساسًا محطات التصدير (مثل ميناء خوسيه)، مع أضرار جزئية في وحدات المعالجة والتخزين.
ستقفز أقساط التأمين، وستنسحب الطاقم البحري المتحفظ وشركات التأمين ضد مخاطر الحرب، ما يؤدي إلى ارتفاع فوري في أسعار خام برنت وزيادة فارق سعر الخام الثقيل مقابل الخفيف. كما يُتوقع أن ترتفع هوامش ربح الديزل بدورها.
أما في حال حملة عسكرية ممتدة (لعدة أشهر) تستهدف البنية الصناعية، فسيتركز الضرر الرئيسي على وحدات الترقية والمعالجة مثل Petropiar وPetroMonagas، مع تقييد الخدمات اللوجستية وتراجع الصادرات.
في هذا السيناريو، ستظهر عجوزات هيكلية في الخام الثقيل في حوض الأطلسي، رغم أن تحالف أوبك+ قد يعوض بعض الخسائر الكمية.
غير أن المشكلة الكبرى ستكمن في اختلال نوعية الخام، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الديزل في أوروبا وانخفاض كفاءة إنتاجه في مصافي الساحل الأميركي، ما يبرز احتمال تأثيرات طويلة الأمد للأزمة.
ويثير القلق الأكبر احتمال أن تسعى إدارة ترامب إلى تغيير النظام أو احتلال فنزويلا، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار شاملة، وتجميد الاستثمارات الرأسمالية (Capex)، وانهيار لوجستيات المكثفات والنفثا.
في هذا السيناريو، سيستغرق إعادة تأهيل قطاع النفط ما بين 12 و18 شهرًا، مع الحاجة إلى مليارات الدولارات لإعادة البناء والتحديث.
ويمثل هذا خطرًا كبيرًا للأسواق، حتى لو اعتقد البعض أن هناك تخمة في المعروض النفطي. فـ"مليون برميل فنزويلي" يعني أكثر من مجرد رقم، لأن المصافي لا تتعامل مع جداول بيانات بل مع وحدات تشغيل.
وعلى مستشاري ترامب أن يدركوا أن النفط الثقيل عالي الكبريت يوفر مواد أولية لإنتاج الديزل لا يمكن للنفط الصخري الخفيف أن يحل محلها بشكل مثالي.
كما ينبغي أن يتأملوا في الشهور الماضية، إذ شهد الساحل الأميركي لخليج المكسيك زيادة في واردات زيت الوقود لتعويض النقص في الإمدادات الفنزويلية والروسية.
ولا تقتصر النتائج على الولايات المتحدة فحسب، إذ يجب النظر أيضًا إلى أوروبا.
فكونها تشتري الخام بأسعار عالمية، فإن أي تغير في فنزويلا سينعكس مباشرة على أسعار الصناعة والمستهلكين.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، تعتمد أوروبا بشدة على الديزل والبنزين الأميركيين بعد فرض العقوبات على المنتجات الروسية.
وأي انخفاض في إنتاج المصافي الأميركية سيؤدي إلى ارتفاع فواتير استيراد الوقود وزيادة علاوات الديزل في أوروبا.
وقد تسد الصادرات الشرق أوسطية أو الهندية جزءًا من الفجوة، لكن بتكلفة مرتفعة، كما أن نتائج العقوبات الأميركية والأوروبية الجديدة على روسيا لم تتضح بعد.
وقد بدأ ترامب بالفعل في محاربة تجارة المنتجات النفطية الروسية غير المباشرة.
وكما أشار بعض الخبراء، فإن كل صدمة نوعية في مزيج النفط الخام تُظهر أن توازنات السوق العالمية مهمة، لكن كيمياء الجزيئات والجغرافيا والتأمين هي الأهم خلال الأشهر الثلاثة إلى التسعة الأولى من أي صراع.
ولذلك، سيكون من الذكي للأطراف الأوروبية أن تبدأ في تنويع مصادر المنتجات النفطية، وبناء مخزونات ضخمة من أنواع معينة من الخام، والتخطيط مسبقًا للجوانب اللوجستية والتأمينية.
فكما في حالة أوكرانيا، العلامات واضحة، والتحركات جارية — ويبدو أن السؤال لم يعد "هل ستتحرك الولايات المتحدة ضد فنزويلا؟" بل "متى؟"
ويجب أن تأخذ أي دراسة لهذه التطورات في الاعتبار أيضًا الاستراتيجية العسكرية، إذ قال فون مولتكه: "لا خطة تصمد بعد أول مواجهة مع العدو"، وقال دوايت أيزنهاور: "عند التحضير للمعركة، أجد أن الخطط بلا فائدة، لكن التخطيط لا غنى عنه."
بعبارة أخرى، الاستعداد ضروري، حتى وإن كانت نتائج أي تحرك أميركي محتمل ضد فنزويلا غير واضحة بعد.
فـعملية عسكرية شاملة يمكن أن تفتح الباب أمام تدخلات من أطراف ثالثة غير مرغوب فيها، خاصة روسيا والصين وربما إيران أيضًا.
إسقاط نظام مادورو سيشكل ضربة قاصمة لتخطيط فلاديمير بوتين في المنطقة، وفي الوقت نفسه سيقوّض النفوذ المتنامي للصين في أميركا اللاتينية.
أما إيران، فهي "الورقة الغامضة"، إذ تحتفظ بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع كراكاس.
ومع تزايد التقارير حول نقل طائرات روسية أسلحة وصواريخ متطورة إلى فنزويلا في الأيام الأخيرة، يبدو أن أي مواجهة محتملة ستتجاوز حدود الطاقة لتتحول إلى أزمة إقليمية وعالمية شاملة.
أخبار متعلقة :