شكرا لقرائتكم خبر عن هل تشتعل حرب نفطية جديدة في الوقت الحالي؟ والان مع بالتفاصيل
دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم خلافًا للاعتقاد السائد، أسعار النفط لا يحددها بلد واحد أو شركة واحدة أو حتى كارتل واحد، بل هي نتيجة شد وجذب عالمي بين المنتجين والمتداولين وصانعي السياسات. إنه سوق تحكمه الفيزياء والنفسية البشرية معًا، حيث يمكن لتحرك بضعة أطراف رئيسية أن يحدث صدى واسعًا عبر العالم خلال ساعات.
في الثاني من نوفمبر، أعلنت منظمة أوبك+ زيادة متواضعة في الإنتاج بمقدار 137 ألف برميل يوميًا لشهر ديسمبر، مع تجميد أي زيادات إضافية خلال الربع الأول من عام 2026. هذه الخطوة فاجأت العديد من المحللين الذين توقعوا استمرار سياسة الحذر.
وعلى السطح، قد يبدو رفع الإنتاج في وقت تتعرض فيه الأسعار لضغوط خطوة غير منطقية، لكن القرار لا يتعلق بالأسعار قصيرة الأجل، بل بحصة السوق وبالنفوذ.
كما لخّصت مؤسسة Morningstar بدقة: “الدفاع عن الحصة السوقية أصبح الآن أهم من الدفاع عن الأسعار.”
إنها إشارة واضحة لتحول مألوف في استراتيجية كبار المنتجين. فقد شاهدنا هذا السيناريو من قبل — في عامي 2014 و2020 — عندما فتحت السعودية وروسيا صنابير الإنتاج لإزاحة المنافسين مرتفعي التكلفة، وعلى رأسهم منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة.
أدت تلك الجولات إلى انخفاضات حادة في الأسعار، لكن هدف أوبك+ كان إعادة تأكيد هيمنتها على سوق بات يتأثر أكثر فأكثر بنمو الإنتاج الأمريكي. ورغم أن الاستراتيجية فشلت جزئيًا عام 2014 (انظر: “خطأ أوبك بتريليون دولار”)، فإنها نجحت في إخراج بعض المنتجين الصخريين المفرطين في الاقتراض من السوق.
المنطق الاستراتيجي وراء حرب الأسعار
للوهلة الأولى، يبدو من غير المنطقي أن تدفع أوبك+ الأسعار للهبوط عمدًا. لكن التاريخ يبرهن أن الألم القصير قد يؤدي إلى السيطرة الطويلة.
فعندما تتحمل المنظمة فترة من الأسعار المنخفضة، يمكنها إخراج المنتجين الهامشيين ذوي تكاليف الإنتاج المرتفعة. وبمجرد أن يتراجع هؤلاء، يمكن للكارتل تشديد الإمدادات مجددًا واستعادة نفوذه على الأسعار.
تأتي الزيادة الأخيرة في الإنتاج في وقت تسجل فيه الولايات المتحدة مستويات إنتاج قياسية بلغت 13.7 مليون برميل يوميًا — وهي عودة قوية تعكس مرونة صناعة النفط الصخري الأمريكية، حيث يستطيع المنتجون زيادة الإنتاج بسرعة عند ارتفاع الأسعار وإيقاف الحفارات بنفس السرعة عند انخفاضها.
هذه المرونة جعلت من الولايات المتحدة المنتج المتأرجح الفعلي في العالم، لكنها مرونة مكلفة. فخلافًا لـ أوبك+، التي يمكنها تنسيق قراراتها عبر اتفاقات جماعية، فإن المنتجين الأمريكيين يتصرفون بشكل مستقل. وعندما تستجيب عشرات الشركات لارتفاع الأسعار بزيادة الحفر في وقت واحد، يؤدي ذلك إلى تخمة في المعروض.
بكلمات أخرى، الفعالية التي تمنح النفط الصخري قوته هي ذاتها ما يجعله محدود التأثير على المدى الطويل.
تدرك أوبك+ هذه الديناميكية جيدًا. ومن خلال رفع الإنتاج بشكل متواضع الآن، فهي ترسل إشارة للسوق بأنها لن تتخلى بسهولة عن حصتها لصالح المنتجين الأمريكيين — حتى لو كان ذلك يعني القبول بأسعار تدور حول 75 دولارًا للبرميل بدلًا من 90 دولارًا التي يفضلها العديد من الأعضاء.
ما وراء البراميل: سيكولوجية التسعير
لا تتحكم البراميل الفعلية من النفط وحدها في الأسعار؛ فالعوامل النفسية وتوقعات السوق تلعب دورًا متزايدًا.
في سوق النفط، تتحرك التوقعات أسرع من الإنتاج نفسه.
فإذا توقع المتداولون فائضًا ولو بنصف مليون برميل يوميًا، تبدأ الأسعار بالتصحيح قبل أن تصل تلك البراميل إلى السوق فعليًا.
تدمج أسواق العقود الآجلة عوامل مثل مستويات التخزين وأسعار الصرف، لتخلق شبكة معقدة من حلَقات التغذية الراجعة.
فعندما تشير البيانات الاقتصادية إلى ضعف الطلب العالمي، يسعّر المتداولون ذلك فورًا. وبالعكس، فإن حادثًا مثل حريق في مصفاة بولاية كاليفورنيا أو توترًا في مضيق هرمز يمكن أن يغير الأسعار بين ليلة وضحاها — حتى لو لم تتغير الإمدادات العالمية فعليًا.
لذلك، كثيرًا ما تبدو أسواق النفط منفصلة عن الأساسيات الاقتصادية. فهي لا تعكس فقط توازن العرض والطلب الحالي، بل التوقعات الجماعية لملايين المتداولين بشأن الغد.
الوضع الجديد: النفط الصخري في مواجهة الكارتل
خلال العقد الماضي، غيّر صعود النفط الصخري الأمريكي مشهد الطاقة العالمي جذريًا.
ففي السابق، كانت أوبك قادرة على تحريك الأسعار ببيان واحد؛ أما اليوم، فقد أصبحت سلطتها مقيدة بصناعة أمريكية أكثر سرعة ومرونة من أي جهاز حكومي.
لكن الولايات المتحدة ليست بمنأى عن الضغط.
فصناعة النفط الصخري تعتمد على الانضباط المالي وثقة المستثمرين — وهما عاملان يتآكلان سريعًا إذا هبط النفط دون 70 دولارًا للبرميل.
وهنا تكمن ورقة قوة أوبك+: فهي تعلم أن بإمكانها تحمل فترة من الأسعار المنخفضة أطول مما يستطيع كثير من المنتجين الأمريكيين المستقلين.
إذا استقر خام برنت بين 75 و85 دولارًا، فذلك سعر مقبول لأوبك+ وكافٍ للحفاظ على هوامش تكرير صحية لشركات الطاقة الكبرى.
لكن في حال تكوّن فائض حقيقي في السوق، فإن هبوط الأسعار إلى ما دون 60 دولارًا ليس مستبعدًا — وهو ما سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة المنتجين وصناع السياسات على التحمل.
ما الذي يعنيه ذلك للمستهلكين والمستثمرين؟
بالنسبة للمستهلكين، تظهر هذه الحرب السعرية على شكل تقلبات في أسعار الوقود.
فعادة ما تنخفض أسعار البنزين بعد تراجع النفط بفترة تأخير — لكنها نادراً ما تنخفض بنفس سرعة ارتفاعها.
أما للمستثمرين، ففهم هذه الديناميكيات ضروري للغاية، إذ تُعد أسهم قطاع الطاقة من أكثر الأسهم تقلبًا في السوق، وغالبًا ما تتفاعل مع التوقعات المستقبلية للأسعار أكثر من الأسعار الفورية الحالية.
في عالم يتأرجح بين الضبابية الاقتصادية، ومناورات أوبك+، والإنتاج الأمريكي القياسي، يبقى الثابت الوحيد هو التقلب.
إن أنجح المستثمرين هم أولئك الذين يدركون القوى التي تشكل ميدان المعركة.
فالنفط ما يزال عملة جيوسياسية بقدر ما هو سلعة اقتصادية — وطالما استمر الصراع بين أوبك+ والمنتجين الأمريكيين على النفوذ، سيبقى السوق كما كان دائمًا:
ساحة صراع عالية المخاطر تحكمها الصبر والقوة والسعر.
أخبار متعلقة :