كتبت: ياسمين عمرو في الأربعاء 22 أكتوبر 2025 06:58 صباحاً - هل يمكن لطفلٍ صغير أن يفهم معنى الموت؟ وهل من الصواب أن نخبر طفلاً لم يُكمل الثامنة بعد بالحقيقة كاملة؟ أم علينا أن نحاول حمايته من الألم؟ هذه الأسئلة تتردد في أذهان كثير من الأمهات والآباء عند مواجهة لحظةٍ صعبة كهذه، فالحديث عن الفقد ليس سهلاً حتى بين الكبار، فكيف إذا كان المتلقي طفلاً لم تتكوّن بعد لديه الصورة الكاملة عن الحياة والموت؟
الموت جزء من التجربة الإنسانية، لكنه يظل موضوعاً مسكوتاً عنه في ثقافتنا العربية خصوصاً مع الأطفال، في حين تشير دراسات نفسية حديثة إلى أن الصراحة والوضوح يساعدان الأطفال على تجاوز الحزن بطريقةٍ صحية، شرط أن يُقدَّم الحديث بلغةٍ تراعي عمرهم ونضجهم العاطفي.
في هذا التحقيق، يفتح الدكتور أحمد زيدان أستاذ طب نفس الطفل الباب أمام الأمهات والآباء لعرض كيفية إخبار الطفل بوفاة شخص يحبه، في هذا الموقف الإنساني، مستنداً إلى أربع ركائز أساسية أوصت بها منظمات الطفولة وخبراء علم النفس حول العالم، بشكل لا يخلو من دفء القيم الإنسانية.
الحديث عن الموت ليس إيذاءً... بل شفاء
إن الطريقة التي نُقدّم بها مفهوم الموت للطفل تشكّل أساساً لعلاقته المستقبلية مع الفقد والحنين والضعف الإنساني؛ فحين نعلّمه أن الحزن جزءٌ من الحب، وأن الفقد لا يمحو الذكرى، نمده بأدواتٍ نفسية يستخدمها طوال حياته.
في المقابل، إخفاء الحقيقة أو تجاهل الأسئلة يزرع في داخله قلقاً يصعب اكتشافه لاحقاً، لذا من الأفضل أن يسمع الطفل الحقيقة من قلبٍ يحبّه، لا من همساتٍ مبهمة أو مشاهد تلفزيونية غامضة.
ولأننا في ثقافةٍ تميل إلى الكتمان، فإن كسر هذا الصمت مسؤولية جيلٍ جديد من الأمهات والآباء الذين يؤمنون بأن الوعي العاطفي لا يقل أهمية عن التربية السلوكية أو التعليم المدرسي.
فالتربية ليست فقط تعليم الطفل القراءة والكتابة، بل أيضاً تعليمه كيف يواجه الحياة والموت بسلامٍ داخلي.
كيفية نقل خبر الوفاة للطفل:
أولاً: الصراحة الناعمة دون تلوين للحقيقةيعتقد كثير من الآباء أن استخدام عبارات مثل جَدّك نام نوماً طويلاً، أو سافر إلى السماء يُخفف الصدمة عن الطفل، لكنه في الحقيقة يفتح أبواباً للارتباك والخوف؛ فالطفل يبدأ في عمر الثامنة إدراك فكرة أن ما انتهى لن يعود، لكنه يحتاج إلى كلمات واضحة، بعيدة عن الغموض.
والوضوح هنا لا يعني القسوة، بل الصدق المصحوب بالاحتواء، يمكن للأم أن تقول مثلاً: "جدّك مات"، وهذا يعني أن جسده توقف عن العمل، ولن نراه مرة أخرى، لكنه سيبقى في ذاكرتنا وقلوبنا.
بهذه البساطة يتلقى الطفل المعلومة دون تشويش، ويبدأ تدريجياً بفهم معنى الفقد كجزءٍ من دورة الحياة، وهذا الصدق لا يجرّد الموقف من العاطفة، بل يمنحه عمقاً إنسانياً.
والطفل الذي يُربّى على مواجهة الحقيقة، يتعلم أيضاً كيف يعبر عن حزنه بطريقة ناضجة، بدلاً من القلق أو الإنكار.
ثانياً: الشرح بما يناسب المرحلة العمرية
ليس جميع الأطفال يفهمون الموت بالطريقة نفسها؛ بداية المعرفة والاستيعاب تبدأ في الثامنة؛ حيث يقف على حافة النضج المعرفي؛ فلا يفسّر الأمور بالخيال، وهو ليس بالغاً يستوعب المفاهيم المجردة، لذلك يحتاج إلى شرحٍ بسيط يجمع بين الواقعية والطمأنة.
يمكن أن تشرح الأم أو الأب بلغةٍ واضحة: حين يموت الإنسان، يتوقف قلبه عن النبض، وجسده لا يشعر بالألم بعد ذلك، هذه الجمل تساعد الطفل على إدراك أن الموت ليس عقوبة، ولا حدثاً مؤقتاً، ولا أمراً يمكن إصلاحه، بل هو نهاية طبيعية للجسد.
أما أسئلة الطفل المتكررة وهي سلوك طبيعي في هذا العمر، فيجب التعامل معها بصبر، ومن الأفضل الرد بصدقٍ مطمئن: كل الناس يموتون في وقتٍ ما، لكننا الآن بخير، وسنبقى معاً لوقتٍ طويل، بهذه الإجابة نمنحه الأمان دون أن نخدعه.
ثالثاً: اتركوا مساحة للمشاعر ولا تكتموا الحزن
كثير من الأمهات يخفن من رؤية طفلٍ يبكي أو ينهار، فيسارعن إلى تشتيت انتباهه باللعب أو الهدايا، لكن الحزن ليس عدواً يجب التخلص منه، بل شعور طبيعي يحتاج إلى أن يُعاش.
في هذا العمر، لا يملك الطفل مفرداتٍ كافية للتعبير عن حزنه بالكلام، لكنه قادر على تفريغه عبر الرسم أو الكتابة أو اللعب الرمزي.
حين يرسم وجه الجد أو يضع صورة الفقيد في إطارٍ صغير بجانب سريره، فهو يحاول تنظيم مشاعره وفهم ما حدث، ويُنصح الأهل بأن يكونوا نموذجاً صادقاً أمام أبنائهم.
عندما تبكي الأم وتقول: أنا حزينة لأنني أفتقد والدي، فهي تعلّم ابنها أن الحزن ليس ضعفاً، إن إظهار المشاعر أمام الطفل يحرّره من الخوف ويمنحه الإذن ليحزن هو أيضاً.
الأهم هو الإصغاء للطفل دون مقاطعة، أو محاولة إصلاح المشاعر فوراً، فكل ما يحتاجه الطفل في تلك اللحظات هو أن يُحتضن، لا أن يُوجَّه.
رابعاً: الطمأنينة وإعادة بناء الروتين
بعد إعلان الخبر ومرور الصدمة الأولى، تبدأ مرحلة لا تقل أهمية وهي استعادة الإحساس بالأمان.
الأطفال في هذا العمر يخشون أن يمتد الفقد إلى حياتهم اليومية، فيتساءلون إن كانت المدرسة ستتغيّر، أو إن كانت الأم ستبقى كما هي، هنا يأتي دور الروتين اليومي كدرعٍ نفسيّ يحميهم من الانهيار.
يُستحسن أن يحافظ الأهل على أكبر قدر ممكن من الثبات: مواعيد النوم، الوجبات، المدرسة، وحتى القصص المسائية.
يمكن إضافة قراءة قصة كان يحبها الفقيد، أو الحديث كل أسبوع عن ذكرى جميلة معه، بهذه الطريقة يتحوّل الغياب إلى حضور رمزي لطيف، لا إلى فراغٍ مخيف.
كما يجب أن يُؤكد الأهل للطفل أن ما حدث ليس ذنبه، فالأطفال في هذا العمر قد يربطون الأحداث بطريقةٍ خيالية، فيظنون أن سلوكهم السيئ أو غضبهم كان سبباً في الموت.
الحديث البسيط الصادق، مثل: لم تمت الجدة لأنك غضبت منها، هي ماتت لأن جسدها لم يعد قوياً، كفيل بإزالة هذا العبء النفسي الهائل.
في النهاية:
حين تسألنا طفلتنا الصغيرة: هل سنراه مرة أخرى؟ ربما لا نملك إجابة يقينية، لكننا نملك ما هو أهم؛ وهي القدرة على احتضانها وهي تبحث عن المعنى، وفي هذا الحضن الصادق، تبدأ أولى خطوات الشفاء.
*ملاحظة من "الخليج 365": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.
أخبار متعلقة :