كتبت: ياسمين عمرو في الخميس 30 أكتوبر 2025 08:16 صباحاً - يُعدّ المغص عند الرضّع من أكثر الحالات المُرهقة التي تصيبهم، وتؤثّر بشكل كبير على الأهل ومقدّمي الرعاية، ويتميّز هذا الاضطراب بنوبات متكررة من البكاء الشديد وغير المبرَّر، لدى طفل يتمتع بصحة جيدة ويتغذى بشكل كافٍ. ورغم أن المغص قد يظهر في أي وقت من العام، إلا أن الكثير من الآباء والأمهات، وكذلك الأطباء المختصون في طب الأطفال، لاحظوا ازدياد حدة هذه الحالة خلال أشهر الشتاء الباردة.
ولا يُعدّ هذا الأمر مجرد ملاحظة عابرة، بل إن هناك عدّة عوامل تساهم في جعل فصل الشتاء فترة أكثر صعوبة على الأطفال الذين يعانون من المغص، مما يزيد من التحديات الجسدية والعاطفية التي يواجهها الرضّع وذووهم خلال هذا الفصل.
الدكتور عمرو الظواهري استشاري في طب الأطفال ورئيس قسم في مستشفى ميدكير رويال التخصصي، بدبي، يوضح أهم 5 أسباب تؤدي إلى تفاقم المغص عند الرضع خلال فصل الشتاء.
من أبرز التفسيرات التي تُعزى إليها زيادة حدة المغص عند الرضّع في الشتاء:
التغيّر في الظروف البيئية المحيطة
فمع انخفاض درجات الحرارة، تصبح الأجواء أكثر برودة وجفافاً، وتُسهم أنظمة التدفئة داخل المنازل في تقليل مستويات الرطوبة بشكل إضافي.
هذا الجفاف قد يؤدي إلى الجفاف عند الرضيع وفقدان السوائل، حتى وإن كان يعتمد على الحليب فقط في تغذيته، وعندما يحدث الجفاف، فإنه يُفاقم الانزعاج الهضمي، وهو أحد العوامل الرئيسية في حالات المغص، وبسبب حساسية الجهاز الهضمي لدى الرضّع، فإن أي تغيير بسيط في توازن السوائل أو حركة الأمعاء قد يؤدي إلى ردّ فعل شديد، مما يترتب عليه نوبات مغص أكثر حدة أو تكراراً.
نقص التعرّض لأشعة الشمس الطبيعية
بالإضافة إلى الجفاف الجسدي، فإن نقص التعرّض لأشعة الشمس الطبيعية خلال فصل الشتاء يلعب دوراً مهماً أيضاً. فقلة ساعات النهار تؤدي إلى انخفاض إنتاج فيتامين "د" لدى الرضّع، وكذلك لدى الأمهات المرضعات، ويُعدّ فيتامين "د" ضرورياً لوظائف العضلات والأعصاب، وقد يُسهم نقصه -لو كان بسيطاً- في حدوث خلل بتنظيم الجهاز الهضمي.
علاوة على ذلك، فإن قلة التعرّض لأشعة الشمس قد تؤثر على الإيقاع اليومي الطبيعي لجسم الإنسان، المعروف بالساعة البيولوجية، وبالنسبة للرضع الذين لا تزال ساعاتهم البيولوجية في طور التكوّن، فإن هذا الاضطراب قد يؤدي إلى أنماط نوم غير منتظمة وجدولة تغذية غير مستقرة، وكلاهما يُعتبران من المحفزات الشائعة لنوبات المغص.
ارتفاع في معدلات الإصابة بالعدوى التنفسية
كما أن فصل الشتاء غالباً ما يترافق مع ارتفاع في معدلات الإصابة بالعدوى التنفسية عند الرضع، مثل الزكام واحتقان الأنف والتهابات الحلق، وعندما يعاني الرضيع من انسداد الأنف أو تهيّج في الحلق، فإن قدرته على الرضاعة بكفاءة تتأثر سلباً، ما يدفعه إلى ابتلاع كميات أكبر من الهواء أثناء الرضاعة بسبب صعوبة التنفّس من الأنف، هذا الهواء المحبوس في الجهاز الهضمي يؤدي إلى الانتفاخ وتكوّن الغازات، وهو ما يسبّب بدوره نوبات من البكاء الشديد الذي يصعب تهدئته -أحد أبرز مظاهر المغص- مما يُشعر الأهل بالحيرة والعجز، وتزداد حدّة هذه المشكلة مع الأخذ في الاعتبار أن الجهاز المناعي لدى حديثي الولادة لا يزال في طور النمو، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، حتى وإن كانت طفيفة، إلا أنها قد تؤثر بشكل مباشر على التوازن الهش في الجهاز الهضمي للرضيع.
التغيّر في نمط الحياة داخل المنزل
من العوامل المهمة التي غالباً ما يغفل عنها الكثيرون، هو التغيّر في نمط الحياة داخل المنزل خلال فصل الشتاء، فمع انخفاض درجات الحرارة، يقضي أفراد الأسرة وقتاً أطول في الداخل، وغالباً ما يكون ذلك في مساحات مغلقة ومزدحمة، وتزداد مستويات الضجيج والتوتر في المنزل، خصوصاً خلال فترات الأعياد والتجمعات العائلية، ما يخلق بيئة أقل استقراراً. ويُعرف أن الأطفال الرضّع يتمتعون بحساسية فائقة تجاه الأجواء العاطفية من حولهم، فارتفاع مستويات التوتر لدى الأهل، أو حدوث تغييرات متكررة في الروتين اليومي، أو اضطرابات في البيئة المحيطة؛ جميعها عوامل يمكن أن تُسهم في زيادة نوبات البكاء لديهم، فكلّما كانت البيئة المحيطة بالطفل أكثر هدوءاً واستقراراً، قلّت احتمالية تعرضه لنوبات مغص حادة. أما إذا كان يعيش في أجواء متقلّبة ومشحونة بالتوتر، فإن احتمالات الإصابة بالمغص تزداد بشكل ملحوظ.
طرق إلباس الرضّع وتغطيتهم
أخيراً، قد تُساهم طرق إلباس الرضّع وتغطيتهم خلال فصل الشتاء، دون قصد، في زيادة شعورهم بعدم الراحة، فحرصاً من الأهل على تدفئة أطفالهم، غالباً ما يتم إلباسهم طبقات متعددة من الملابس أو لفّهم بأغطية ثقيلة، ورغم أهمية الحفاظ على دفء الطفل، إلا أن المبالغة في التدفئة قد تؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم بشكل مفرط أو تقييد حركة الرضيع، وكلا الأمرين قد يسبّبان له انزعاجاً ويزيدان من أعراض المغص، كما أن لفّ الطفل بشكل محكم قد يعيق حركته الطبيعية التي تُساعد على طرد الغازات من الجسم، ما يُفاقم شعوره بالانتفاخ والانزعاج في منطقة البطن، هذا بالإضافة إلى أن الملابس أو الأغطية المشدودة على منطقة البطن قد تزيد من الضغط على الجهاز الهضمي، مما يجعل عملية الهضم أكثر صعوبة، ويُسهم في زيادة حدّة المغص.
كيف أفهم تأثير العوامل الموسمية؟
إن فهم تأثير العوامل الموسمية على المغص لا يُسهم فقط في التعامل مع الأعراض، بل يُشكّل أيضاً مصدر طمأنينة مهماً للأهل ومقدّمي الرعاية؛ إذ إن إدراك أن بعض العوامل المرتبطة بفصل الشتاء قد تكون سبباً في معاناة الطفل، يُحوّل الشعور بالعجز إلى حالة من الوعي، ويُمهّد الطريق لاتخاذ خطوات عملية تخفّف من حدّة المشكلة.
ورغم أن المغص غالباً ما يختفي من تلقاء نفسه عند بلوغ الرضيع عمر ثلاثة إلى أربعة أشهر، إلا أن الأسابيع أو الأشهر التي يستمر فيها قد تبدو طويلة ومرهقة للغاية بالنسبة للأهل. من هنا، فإن اتباع نهج موسمي في رعاية الرضيع يأخذ بعين الاعتبار أهمية الحفاظ على الترطيب، وتعزيز التعرّض الآمن لأشعة الشمس، والحرص على ثبات الروتين اليومي، وتخفيف التوتر داخل المنزل، وارتداء الطفل ملابس مناسبة قد يُحدث فرقاً واضحاً في تخفيف الأعراض وتحسين راحة الطفل وجودة حياة الأسرة ككل.
ورغم أن المغص يُعتبر حالة مؤقتة تزول من تلقاء نفسها في معظم الأحيان ولا يوجد لها علاج قاطع، إلا أن التعامل معها بفعالية يتطلّب نهجاً شاملاً ودقيق الملاحظة يأخذ في الاعتبار العوامل الموسمية المؤثرة. وفي فصل الشتاء على وجه الخصوص، يُمكن لبعض التفاصيل البسيطة مثل ضبط البيئة المحيطة، والحفاظ على روتين يومي مستقر، وضمان راحة الطفل الجسدية أن تُخفف بشكل كبير من الأعراض التي يعاني منها الرضيع، كما تخفف من العبء النفسي والعاطفي الذي يتحمله الأهل ومقدمو الرعاية.
قد لا يكون فصل الشتاء هو السبب المباشر في حدوث المغص، لكنه بلا شك عامل يُفاقم من حدّته وتكراره، وهو ما يجعل تجاهل تأثيره أمراً غير مبرر، فالتغيرات التي تطرأ في هذا الفصل من حيث الطقس والبيئة الداخلية والصحة العامة قد تُثير تفاعلات جسدية ونفسية لدى الطفل، تزيد من احتمالية حدوث نوبات المغص عند الرضيع وشدّتها.
من هنا، فإن إدراك هذه الأنماط الموسمية والتعامل معها بحرص وتعاطف لا يُخفف من معاناة الطفل فحسب، بل يُعزز من شعور الأهل بالقدرة والسيطرة، ويحول فترة صعبة من الرعاية إلى فرصة للنمو واكتساب المرونة، فعندما يدرك الأهل أن ما يمرّ به طفلهم ليس ناتجاً عن خطأ منهم، وإنما نتيجة طبيعية لتفاعل مع عوامل موسمية، يصبح بمقدورهم التفاعل بوعي وهدوء. وهذا الوعي هو المفتاح لتجاوز تلك المرحلة بأقل قدر من التوتر، وبأقصى قدر من الحب والصبر والدعم.
*ملاحظة من «الخليج 365»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص
طرق تهدئة المغص عند حديثي الولادة وحلول عملية للآباء
أخبار متعلقة :