الصين.. ومستقبل النظام الدولي

أعاد اللقاء الثلاثي الذي جمع كلاً من الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، على هامش استعراض عسكري كبير شهدته بكين خلال بداية شهر سبتمبر/ أيلول الحالي في سياق الاحتفال بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، النقاشات مجدداً حول مستقبل النظام الدولي الراهن، وبخاصة بعدما اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن اللقاء ينطوي على مؤامرة تقودها الأقطاب الثلاثة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن على هامش تخليد الصين لهذه الذكرى التي خرجت منها الولايات المتحدة قوية ومنتصرة، واستطاعت أن تؤسس بمعية حلفائها لنظام كرس لهيمنتها على مختلف المؤسسات الاقتصادية والمالية والسياسية. وعلى غرار هذا التوجه تم تأسيس هيئة الأمم المتحدة، عشية نهاية هذه الحرب المدمرة، حيث اعتبر البعض ميثاقها بمثابة معاهدة صلح فتحت المجال أمام الولايات المتحدة ولبعض القوى الأخرى لبسط سيطرتها على العالم، حيث ساد نظام الثنائية القطبية ومناخ الحرب الباردة الذي استأثر فيه الاتحاد السوفييتي (سابقاً) بمكانة وازنة إلى جانب الولايات المتحدة، استطاعا معها الدخول في صراع أيديولوجي وعسكري واقتصادي دام لأكثر من أربعة عقود، برزت خلالها أزمات كبرى (أزمة برلين 1948-1949، أزمة الصواريخ الكوبية 1962) كادت أن تزج بالعالم في حرب نووية لن يظل معها منتصر أو منهزم. وعندما تفكك الاتحاد السوفييتي وانهار المعسكر الشرقي بمؤسساته وعقيدته، وبينما كانت روسيا منشغلة بمخلفات وإرث الاتحاد السوفييتي بإكراهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، ودخول عدد من بلدان أوروبا الشرقية في سلسلة من التحولات السياسية التي لم تخل من دموية، أعلن الرئيس الأمريكي حينئذ جورج بوش الأب أن العالم يشهد بناء نظام دولي تقوده الولايات المتحدة سمته احترام حقوق الإنسان وحماية البيئة وحفظ الأمن والسلم الدوليين وتفعيل الأمم المتحدة.
لم يكن هناك أي رد فعل من جانب الأقطاب الدولية الكبرى آنذاك كروسيا والصين واليابان وألمانيا الموحدة التي لم تكن مؤهلة بالشكل المطلوب لمنازعة واشنطن في توجهاتها الأحادية الجانب. وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود ظلت الولايات المتحدة تتصرف بمنطق «شرطي العالم»، بحضورها الوازن في تدبير الأزمات الدولية والإقليمية وبتدخلاتها المبررة بعدد من الذرائع في عدد من المناطق، وفي توظيف عدد من المؤسسات الدولية، كما هو الشأن بهيئة الأمم المتحدة لتكريس هذه القطبية الأحادية. وهو ما شكل ضربة قوية لمصداقية هذه المنظمة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وإساءة لمبادئ القانون الدولي التي تم خرقها في عدد من المناسبات (احتلال العراق، وضرب أفغانستان، ودعم الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة..). يأتي استحضار هذه الذكرى (نهاية الحرب العالمية الثانية) من قبل قوى دولية لا تخفي انتقاداتها ورفضها للسياسات الأمريكية عبر العالم، وفي مرحلة حبلى بالأزمات والحروب التي خلّفت الكثير من الخسائر والضحايا (الحرب الروسية في أوكرانيا، والعدوان الإسرائيلي على غزة)، كإشارة واضحة إلى طموحاتها في بناء نظام دولي تعددي تلعب فيه الصين وروسيا أدواراً وازنة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي خضم هذه المتغيرات المتسارعة، ثمة سؤال مركزي يفرض نفسه، ويتعلق الأمر بمدى قدرة الصين وبدعم من روسيا وقوى أخرى على فرض منطقها كقطب قادر على منافسة الولايات المتحدة وعلى الحد من هيمنتها في التعامل مع عدد من الدول والقضايا والمؤسسات الدولية بأشكال مستفزة. حقيقة، الولايات المتحدة تملك كثيراً من المقومات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية التي تحول طموحاتها واستراتيجياتها إلى واقع فعلي، مقارنة مع بعض القوى الأخرى كروسيا والصين اللتين ما زالتا منشغلتين بمجموعة من الأولويات (مشكل تايوان بالنسبة للصين، والحرب مع أوكرانيا بالنسبة لروسيا)، لكن سؤالاً آخر يطرح بقوة مفاده مدى قدرة الصين وروسيا على الاستمرار في التعايش مع مختلف القرارات الدولية للولايات المتحدة بصدد عدد من الملفات الحارقة والتي تهم مصالحهما أيضاً. استطاعت الصين أن تنجز الكثير من المكتسبات التنموية وتحقق نسب نمو قياسية رغم توالي الأزمات الدولية، كما تمكنت أيضاً من عقد شراكات واعدة مع عدد من دول العالم، وحافظت على مواقف خارجية هادئة ومتوازنة، مدعومة بدبلوماسية المساعدات التي شهدت دينامية كبيرة منذ اندلاع جائحة «»، بالإضافة إلى كسب الثقة في مشروعها الكبير الموسوم «الحزام والطريق»، في مقابل تزايد الاستياء من السياسات الأمريكية في عدد من المناطق بما فيها أوروبا التي عبرت الكثير من بلدانها كفرنسا عن مواقف غير متناغمة مع الموقف الأمريكي، وبخاصة في ما يتعلق بملف الحرب الروسية – الأوكرانية، والملف النووي الإيراني، وتطورات الوضع الكارثي في غزة.
يبدو أن العالم يمرّ بمرحلة حاسمة، تتزايد فيها رغبة الصين مدعومة بروسيا وبعدد من القوى الإقليمية المستاءة من الهيمنة الأمريكية في خلق نوع من التوازن بعد عدة عقود من السيطرة الأمريكية على النظام الدولي، وقد اختارت الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية لتبعث برسائل تفيد بأنها قوة عسكرية أيضاً إلى جانب امتلاكها لإمكانيات اقتصادية وتكنولوجية.

ادريس لكريني – صحيفة الخليج

اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.

كانت هذه تفاصيل خبر الصين.. ومستقبل النظام الدولي لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :