الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية

في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل مكان نذهب إليه تقريبًا؛ في المطاعم والمقاهي والفنادق والأندية ، بل حتى في الحدائق العامة ومسارات المشي التي يفترض أن تكون متنفسًا طبيعيًا للناس. لا تكاد تجد مكانًا يخلو من أصوات الأغاني أو الموسيقى المرتفعة أو الإيقاعات المتكررة التي ترافقك أينما ذهبت، وكأن الهدوء أصبح ترفًا نادرًا لا يُمنح إلا داخل الجدران المغلقة.

هذه الظاهرة الجديدة تثير تساؤلات كثيرة حول مدى انسجامها مع قيم مجتمعنا المسلم المحافظ، الذي اعتاد احترام خصوصية الناس ومراعاة مشاعرهم واختلاف أذواقهم. فالموسيقى الصاخبة ليست مجرد “خلفية صوتية” كما يُروَّج لها، بل هي ممارسة تُفرض على الجميع دون استئذان، وتتناقض مع ما دعا إليه الإسلام من تهذيب السمع وغضّه عن كل ما يثير الغفلة أو يزعج الآخرين. نحن مجتمع تربّى على أن الأصوات الهادئة والذكر والقرآن هي ما يريح النفس ويبعث الطمأنينة، فكيف تحوّل المشهد فجأة إلى إيقاعات تُلاحقنا حتى ونحن نطلب الراحة أو الخلوة بأنفسنا؟ وكيف تحوّلت أماكننا العامة إلى مسارح مفتوحة للضجيج، تُفرض فيها الإيقاعات على من يريد السكينة والتأمل أو حتى جلسة عائلية هادئة؟

من زاوية أخرى، لا يمكن تجاهل الجانب الصحي والنفسي لهذا الإزعاج الصوتي المتزايد. فقد أكدت دراسات طبية أن الأصوات المرتفعة والمتكررة في الأماكن العامة تُسبب توترًا للجهاز العصبي، وترفع من مستويات القلق، وتؤثر على جودة النوم والمزاج العام. الصوت المرتفع – ولو لم ندركه – يرفع معدل ضربات القلب وضغط الدم ويقلل من التركيز، حتى أثناء تناول الطعام أو ممارسة أو القراءة. إن البيئة الصاخبة تُفقد الإنسان توازنه النفسي شيئًا فشيئًا، فيتحول الخروج من المنزل إلى معركة مع الضجيج بدل أن يكون وسيلة للراحة أو الاستجمام.

الأمر لا يتوقف عند التأثير الصحي، بل يتجاوز ذلك إلى الحق في الهدوء كجزء من الحرية الشخصية التي ينبغي احترامها. كثير من الناس يخرج إلى المقهى أو الحديقة أو المطعم ليقرأ، أو ليتأمل، أو ليستمتع بصحبة أسرته في جو هادئ. فما الذي يمنح الآخرين الحق في إرغامه على الاستماع إلى ما لا يريد؟ ولماذا يُراعى ذوق من يرغب بسماع الأغاني، بينما يُتجاهل حق من يبحث عن السكون والهدوء؟ من يريد السماع فله كل الحرية في ذلك، يستطيع ببساطة أن يضع سماعته في أذنه ويختار ما يشاء من هاتفه، دون أن يفرض ذوقه على الآخرين.

إن احترام التنوع والاختلاف لا يكون بفرض الصوت الأعلى، بل بإتاحة مساحة للجميع. الهدوء ليس خيارًا أقل شأنًا من الموسيقى، بل هو حاجة إنسانية أساسية وحق ينبغي أن يُصان.

مجتمعنا المسلم الذي اعتاد الطمأنينة لا يليق به أن يُحاصر بالضجيج في كل زاوية. الأغاني التي تُفرض على الناس ليست تعبيرًا عن الحداثة، بل مظهر من مظاهر الفوضى الثقافية التي تُفقدنا أصالتنا وتُرهق أرواحنا. نحن بحاجة إلى استعادة توازننا بين الترفيه والسكينة، بين الذوق العام وحق الفرد في الهدوء. فالأذن، مثل القلب، لها حق في الراحة، ولا ينبغي أن يُنتزع منها ذلك الحق بحجة “المتعة العامة”.

الظاهرة تستدعي وقفة من الجهات المعنية – من البلديات إلى وزارات البيئة والسياحة والثقافة والصحة -. ؛ فكما توجد قوانين لحماية البيئة من التلوث البصري والهوائي، لا بد من وضع ضوابط للضوضاء الصوتية في الأماكن العامة، احترامًا لصحة الناس وثقافتهم وقيمهم الدينية والاجتماعية، ووضع تنظيمات واضحة تحافظ على الهدوء العام، وتحدّد مستوى الصوت المسموح بها في الأماكن العامة والمرافق الترفيهية. كما يمكن تشجيع أصحاب المنشآت على توفير “مناطق هادئة” خالية من الموسيقى، احترامًا لتنوع الأذواق وحرية الاختيار. فالسكينة قيمة جمالية وروحية، والحفاظ عليها واجب مجتمعي قبل أن يكون مطلبًا شخصيًا.

فاطمة العتوم – الشرق القطرية

اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.

كانت هذه تفاصيل خبر الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.