ابوظبي - سيف اليزيد - هالة الخياط (أبوظبي)
تشكل العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت نموذجاً عربياً متميزاً في التكاتف والأخوّة، بوصفها علاقة تاريخية تأسست على روابط الدم والمصير المشترك، وترسخت عبر عقود من التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والإنساني. وعلى امتداد مسيرة تطور الدولتين، ظلّت هذه العلاقة مثالاً للعلاقات الخليجية المتينة التي ترتكز على وحدة الرؤية والمصالح والمبادئ، وعلى الالتزام المشترك بدعم الاستقرار الإقليمي والتنمية الشاملة.
وترتبط الإمارات والكويت بروابط اجتماعية وتاريخية على مر الزمان، فكانت العلاقات بين الشعبين ممتدة عبر التجارة البحرية، وصناعة السفن، وتبادل الخبرات في مجالي الغوص للبحث عن اللؤلؤ وتنقل القبائل بين الساحلين. ومع إعلان قيام دولة الإمارات عام 1971، كانت دولة الكويت من أوائل الدول التي بادرت إلى دعم الاتحاد الوليد، الأمر الذي منح العلاقات بُعداً أخوياً راسخاً.
كما شهدت العقود اللاحقة مسيرة تعاون سياسي وثيق داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو الإطار الذي عزز تقارب الرؤى في دعم العمل المشترك، ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
التعاون السياسي والدبلوماسي
وتحافظ الإمارات والكويت على تنسيق سياسي مستمر، يعكس توافقاً في المواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية. ويؤكد قادة البلدين في مناسبات مختلفة أن ما يجمع الدولتين يتجاوز العلاقات التقليدية ليصل إلى مستوى «الشراكة المصيرية». وقد تجسد ذلك في مواقف مشتركة في الدفاع عن استقرار المنطقة، ودعم الشرعية في الدول المتأثرة بالأزمات، والمساهمة في مكافحة التطرف، وتعزيز الدبلوماسية الوقائية.
كما تبرز الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات كعامل محوري في دعم هذه المسيرة، إذ تشهد العلاقات لقاءات دورية بين قيادات البلدين، تعكس الحرص على تبادل وجهات النظر، وتعزيز آليات التشاور والتنسيق.
شراكات اقتصادية متنامية
ويمثل الجانب الاقتصادي ركيزة أساسية في العلاقات الإماراتية الكويتية، حيث تُعد الإمارات أحد أهم الشركاء التجاريين للكويت على مستوى المنطقة. وتشير الأرقام إلى نمو متسارع في حجم التبادل التجاري خلال السنوات الماضية، مدعوماً باتفاقيات تعاون وتشريعات اقتصادية مرنة في كلا البلدين.
وتستثمر الشركات الكويتية في قطاعات إماراتية حيوية تشمل العقارات، والخدمات المصرفية، والطيران، والضيافة، والطاقة، والتجارة العامة. كما تُعد الإمارات وجهة اقتصادية مفضلة للمستثمرين الكويتيين، نظراً إلى بيئة الأعمال الجاذبة، والبنية التحتية المتطورة.
وفي المقابل، تحظى الشركات الإماراتية بحضور بارز في السوق الكويتية عبر مشاريع في الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، وتطوير البنية التحتية. كما يشكل القطاع الخاص جسراً مهماً للتعاون الاقتصادي، بفضل ما يتمتع به من مرونة وقدرة على بناء شراكات تجارية واستثمارية مبتكرة.
الطاقة والتنمية المستدامة
ويشهد مجال الطاقة تعاوناً متنامياً بين البلدين، لاسيما في مجالات النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية والطاقة المتجددة. وتعمل الشركات الوطنية في الدولتين على توسيع الشراكات في مشاريع الاستكشاف والإنتاج والخدمات المساندة، إضافة إلى تبادل الخبرات في إدارة الحقول وتطوير الكفاءات الوطنية.
كما يجري تنسيق مستمر في إطار منظمة «أوبك» لضمان استقرار الأسواق العالمية، بما يعكس التزاماً مشتركاً بسياسات إنتاج مسؤولة ومتوازنة.
وتبرز الطاقة المتجددة جانباً مهماً من التعاون، خاصة في ظل توجه البلدين نحو خفض الانبعاثات وتعزيز الاقتصاد الأخضر، ما يفتح الباب أمام فرص كبيرة للاستثمار المشترك في مجالات الهيدروجين والطاقة الشمسية وإدارة المخلفات.
الثقافة والتعليم
تشهد العلاقات الإماراتية – الكويتية ازدهاراً لافتاً في المجالات الثقافية والتعليمية والإعلامية. وتتضمن هذه الجوانب تبادلاً للبرامج الثقافية، وإقامة فعاليات مشتركة، واستضافة مهرجانات للفنون والآداب، تعكس الثراء الثقافي في البلدين.
وتعتبر الكويت محطة رئيسة للفعاليات الأدبية الخليجية، فيما تبرز الإمارات حاضنة للمعارض الدولية للكتاب والمهرجانات الفنية. هذا التفاعل الثقافي المتبادل يسهم في تعزيز التعاون المجتمعي، ويرسّخ الهوية الخليجية المشتركة.
أما في مجال التعليم، فتستقبل الجامعات الإماراتية أعداداً متزايدة من الطلبة الكويتيين، الذين يستفيدون من البيئة التعليمية المتقدمة. كما تواصل المؤسسات التعليمية في البلدين تبادل الخبرات والبرامج، بما يدعم تطوير منظومات التعليم الحديثة.
البعد الإنساني
يشترك البلدان في إرث طويل من العمل الخيري والدعم الإغاثي العالمي. وتلتزم مؤسسات العمل الإنساني في البلدين بتنفيذ مبادرات مشتركة لمساندة الدول المتضررة من الكوارث والحروب.
كما يظهر البعد الإنساني في الروابط الاجتماعية العميقة بين الشعبين، حيث يعدّ التواصل الشعبي ركيزة مهمة لاستدامة العلاقات، مع وجود آلاف الأسر المتداخلة وروابط القرابة والمصاهرة، إلى جانب التفاعل المجتمعي عبر الزيارات والمناسبات المشتركة.
مجلس التعاون الخليجي
ويشكل مجلس التعاون منظومة أساسية في دفع العلاقات الإماراتية – الكويتية نحو مزيد من التكامل. فقد أسهمت مؤسسات المجلس في تنظيم العمل المشترك في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والسوق الخليجية المشتركة، ومكّنت مواطني البلدين من التنقل والإقامة والعمل بسهولة.
وتتشارك الإمارات والكويت التزاماً ثابتاً بدعم مسيرة المجلس بوصفه إطاراً استراتيجياً لحماية الأمن القومي الخليجي، وبناء اقتصاد متكامل قائم على المعرفة والابتكار.
وتثبت العلاقات الإماراتية – الكويتية أنها نموذج متفرد في المنطقة، قائم على الاحترام المتبادل والرؤية المشتركة والمصالح المتناسقة. ومع عمق الروابط التاريخية والاجتماعية، والشراكات الاقتصادية والسياسية الفاعلة، تستمر هذه العلاقة في تقديم مثال عملي لما تتطلع إليه شعوب المنطقة من تعاون عربي – خليجي قادر على تعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية.
وإزاء هذه الأسس الراسخة، تمضي الإمارات والكويت بثبات نحو مستقبل أكثر تكاملاً، مستنيرتين بروح الأخوّة التي تجمعهما، وملتزمتين بدورهما المحوري في تعزيز العمل الخليجي المشترك، وتقديم نموذج يحتذى به في العلاقات الثنائية العربية.
أخبار متعلقة :