الرياص - اسماء السيد - وقفت أمريكا بسرعة إلى جانب إسرائيل بعد صدمة هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، واعتبر الكثيرون هناك هجوم حماس شبيهاً بهجمات تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001.
وبعد ذلك الهجوم، زار الرئيس الأمريكي حينها جو بايدن إسرائيل بعد ان أرسلت بلاده تعزيزات عسكرية تمثلت بحاملتي طائرات ومجموعتيهما القتالية مع رسالة ردع لكل أعداء إسرائيل في المنطقة - وخصوصاً حزب الله اللبناني وإيران - تفيد بعدم فتح جبهة أخرى ضد إسرائيل، وإلا سيواجهون احتمال الرد الأمريكي.
مع اشتداد حرب غزة وتزايد الضحايا الفلسطينيين وخصوصاً في صفوف المدنيين، وجهت إدارة بايدن انتقادات لإسرائيل وقيدت بعض صفقات التسليح المتعلقة بأنواع معينة من العتاد، لكن الأمر لم يصل إلى التخلي عن الدعم الاستراتيجي لإسرائيل والوقوف معها حتى في المفاصل التي تضطر فيها أمريكا لانتقاد حليفتها.
ثمّ زاد الدعم الأمريكي الحكومي لإسرائيل مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بل وقدم ترامب أفكاراً لم تكن متوقعة لإنهاء النزاع مثل فكرة إخراج الفلسطينيين من قطاع غزة واستيلاء أمريكا على القطاع، ومع ذلك، حاول ترامب أن يوقف الحرب.
لكن التأييد الشعبي الأمريكي لإسرائيل بدأ يقل - بحسب استطلاعات الرأي - بسبب الطريقة التي سارت بها الحرب.
سياسياً، تجسد الخلاف حول دعم إسرائيل بصيغة تشبه الانقسام في صفوف حزب بايدن الديمقراطي، أما تاريخياً، يعد الحزب الديمقراطي الحزب المفضل لدى اليهود الأمريكيين فأبرز سياسييهم ينتمون إليه، وإليه تذهب معظم أصواتهم، لكن ذلك لم يعد يعني تأييداً مطلقاً لإسرائيل، فالجناح اليساري للحزب معروف بمعارضته لإسرائيل وللدعم الأمريكي لها، وتصاعدت أصوات الاحتجاج في أوساط هذا الجناح خصوصاً في الأوساط الشبابية وبين طلاب الجامعات.
ورغم قوة الموجة السياسية المحافظة التي تمثلت في فوز ترامب بالرئاسة، فقد برزت شخصيات ديمقراطية يسارية ناقدة بشدة لإسرائيل، ربما تصعد إلى قيادة الحزب الديمقراطي في المستقبل، مثل النائبة أليكساندرا أوكاسيو كورتيز وحليفها المرشح الأوفر حظاً للفوز بمنصب عمدة نيويورك، أكبر المدن الأمريكية، زهران ممداني.
ولد ممداني في أوغندا لعائلة مسلمة من أصول هندية وهو معروف بمشاركته في التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، التي تدين السياسات الإسرائيلية، وكما صرّح ممداني أنه قد يعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا جاء إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك في المستقبل، وذلك تطبيقاً لمذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن أمريكا ليست عضواً في المحكمة ولا في المعاهدة التي أُنشئت على أساسها.
تحول جزء من الجناح التقليدي في الحزب أيضاً إلى مواقف اكثر انتقاداً لإسرائيل، إذ بدأ الحزب الديمقراطي في الكونغرس باتخاذ إجراءات سياسية لتقليص الدعم العسكري لإسرائيل.
يقول جورج سورنسيوني وهو ديمقراطي وخبير في الأمن القومي: "أنا مؤيد لإسرائيل. عائلتي يهودية. لدينا عائلة في إسرائيل. لقد دعمنا إسرائيل لعقود. لكن هذا الدعم حالياً يُستنزف في الحزب الديمقراطي، وبين الأمريكيين عموماً، حتى أن أبنائي لا يؤيدون ما تفعله إسرائيل هنا. لا يعتقدون أن الدفاع عن إسرائيل من أهمّ اهتماماتهم في هذا الوقت. إذا واصلت إسرائيل هذه السياسة، فسوف تُحطّم ما كان يُعتبر يوماً ما الرابطة الوثيقة بين شعب إسرائيل وشعب أمريكا".
في المقابل، موقف حزب ترامب الجمهوري يبدو موحداً في دعمه لإسرائيل، فغالبية الجمهوريين في الكونغرس عارضت أي إجراءات ضد إسرائيل ودعمت دائماً الإجراءات والقوانين التي قدمتها الولايات المتحدة لدعم إسرائيل.
لكن هذا الدعم الموحد يقتصر على الجانب السياسي، ويتركز تحديداً في صفوف الجمهوريين في الكونغرس، لأن القواعد المحافظة للحزب بدأت بالانقسام بدرجة كبيرة، وبدأ جزء مهم من قاعدة ترامب الانتخابية يتساءل عن صحة مبدأ دعم إسرائيل المطلق في ضوء الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة كما يقول منتقدو إسرائيل.
وبرز من بين الأصوات المنتقدة لإسرائيل المذيع والإعلامي المؤثر في الأوساط المحافظة تاكر كارلسون المعروف بانتقاده لسياسة التدخل العسكري الأمريكي في أنحاء العالم وخصوصاً الشرق الأوسط.
وجه كارلسون انتقادات لإسرائيل وتساءل باستمرار عن جدوى الدعم الأمريكي المطلق وعن كون ذلك يمكن أن يكون خرقاً لمبدأ "أمريكا أولاً" الذي تأسس عليه نهج ترامب السياسي وصار هو العهد بينه وبين ومؤيديه.
قضية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل كانت أيضاً عنصراً من عناصر الجدل في قضية اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك التي هزت أمريكا.
قُتل كيرك في العاشر من شهر سبتمبر/أيلول عام 2025 برصاص قناص أثناء حديثه مع الطلاب في جامعة في ولاية يوتاه، وعرف كيرك على مدى سنوات بمشاركته في مناظرات مفتوحة في الجامعات مع الطلبة وكان يحاجج بقوة لصالح مواقف التيار المحافظ والرئيس ترامب.
كان كيرك معروفاً بتأييده الشديد لإسرائيل ولمواقفها، حتى أنه دافع عن المواقف الإسرائيلية في حرب غزة في وجه منتقديها وهم كثر في الأوساط الجامعية.
لكن كيرك أجرى مقابلة مع تاكر كارلسون فتح فيها المجال لكارلسون لتوجيه انتقادات لإسرائيل، كما التقى أيضاً بالناشط والكوميدي الأمريكي اليهودي ديف سميث المعروف بانتقاده المستمر لإسرائيل وسياساتها، وشكى كيرك بعد ذلك من أن داعميه من مؤيدي إسرائيل بدأوا بتوجيه اللوم الشديد له مستنكرين استضافته لمنتقدي إسرائيل.
وأعرب كيرك عن خيبة أمله من تلك المواقف مؤكداً بأنه أمريكي أولاً ويعلي أهمية حرية الرأي قيمة عليا حتى مع من يختلف معهم.
أصدقاء كيرك أشاروا إلى أن دائرة تأثيره المباشرة في حواراته ومناظراته كانت دائماً في أوساط الشباب، وإلى أن كثيراً من الشباب حتى في صفوف المحافظين أصبحوا لا يؤيدون إسرائيل، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نعى كيرك في بيانات رسمية مؤكداً فيها أنه كان صديقا شجاعاً لإسرائيل.
لم تؤد تلك التغيرات في صفوف مؤيدي ترامب إلى تغيير جذري في موقف الرئيس الشخصي الداعم لإسرائيل، لكنها زادت الضغط عليه للحديث علناً عن عدم تأييده لخطوات يتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كما عبّر ترامب بوضوح عن قناعته بأن إسرائيل تخسر معركة الرأي العام العالمي، وأعرب عن استغرابه عن تضاؤل الدعم لإسرائيل في صفوف الكونغرس أيضاً، حيث كان الدعم لها قوياً دائماً عبر التاريخ الحديث.
لكن مبادرة ترامب الأخيرة وطرحه لخطة إنهاء الحرب في غزة التي حظيت بدعم الدول العربية والإسلامية الرئيسية، وموافقة إسرائيل، أظهرت قوة تأثير الرئيس الأمريكي، أما الرأي العام في أمريكا، فقد تغير في هذين العامين إزاء العلاقة مع إسرائيل.
أخبار متعلقة :