الرياص - اسماء السيد - زاد قلق اللاجئين السوريين في ألمانيا مع دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى برلين لمناقشة ترحيل اللاجئين، حيث أفاد ميرتس أن النقاش سيخص السوريين من ذوي السوابق الجنائية، مؤكداً أن بلاده تسعى أيضاً للمساعدة في استقرار سوريا.
لكن الزعيم الألماني قال أيضاً: "أكررها مرة أخرى: انتهت الحرب الأهلية في سوريا. لم يعد هناك أي مبرر للجوء في ألمانيا". ما بثّ القلق لدى اللاجئين السوريين مع عدم وضوح الفئة التي سيشملها قرار الترحيل فعلياً.
من يشمل قرار الترحيل؟
النائب في برلمان ولاية برلين جيان عمر، وهو المتحدث باسم قضايا الهجرة واللجوء في كتلة حزب الخضر في ألمانيا، أكد لبي بي سي عربي أن "موضوع الترحيل سيبدأ بالتركيز على ذوي السجلات الجنائية من مرتكبي الجرائم في ألمانيا أو من ذوي الملفات الأمنية على خلفية ارتباطات لهم مع منظمات إرهابية أو تنظيمات متطرفة داخل أو خارج ألمانيا، ممن لم ترحلّهم الحكومة سابقاً بسبب عوائق تتعلق بالحرب في سوريا".
"من الأسهل على الحكومة قانونياً أن تبدأ بترحيل أصحاب السجلات الجنائية"، يقول عمر، موضحاً أن ذلك يسهّل الدفاع عن القرار في حال الطعن به، على أن تنظر لاحقاً إلى فئات أخرى مثل العرب السنة، باعتبار أن الخطر أكبر على الأقليات كما حدث في السويداء والساحل، فيما الهدف النهائي الذي يروّج له الحزب وتطالب به الكتل البرلمانية هو إعادة جميع اللاجئين.
الضبابية حول من سيشمل قرار الترحيل والتأخير في البت بقرارات اللجوء في الفترة الأخيرة، زادا من قلق السوريين في ألمانيا.
بسام أوسكان واحد منهم، يقول لبي بي سي عربي: "قدمت طلب اللجوء في ألمانيا في 11- 2- 2024، لكن بعد 10 أشهر أخذت الحماية الثانوية وليس اللجوء. نحن خائفون من الترحيل، ولكن حسب الإعلام الألماني سيشمل الترحيل المجرمين فقط. ومع ذلك القلق ما زال قائماً".
مخاوف أوسكان من الترحيل متعلقة بالوضع في سوريا: "لا استقرار أو أمان أو تعليم أو حتى دخل كاف في سوريا، البلاد مدمرة وكل منطقة تخضع لإدارة فصيل. الوضع سيء للغاية. لا أريد لأولادي أن يعيشوا في بلد غير مستقر ويفتقد أساسيات العيش".
علاقة صعود اليمين المتطرف بسياسات الترحيل
حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" - الذي تصنّفه وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية على أنه حزب يميني متطرف - تقدماً كبيراً على حزب ميرتس المحافظ في استطلاعات الرأي قبل انتخابات خمس ولايات العام المقبل، والتي قد تمنح "البديل من أجل ألمانيا" أول رئيس وزراء له. واعتمد الحزب في حملته الانتخابية على برنامج معادٍ للهجرة، ويجادل بأن الإسلام لا يتوافق مع المجتمع الألماني.
النائب عن كتلة الخضر جيان عمر يقول إن السعي للعمل على ترحيل اللاجئين السوريين جاء لأن المستشار الألماني في صراع مع الزمن ليثبت للناخب الألماني جديته في برنامجه الانتخابي الذي كان تقليص أعداد اللاجئين من أبرز وعوده: "هناك انتخابات دورية في 16 مقاطعة ألمانية، 4 مقاطعات منها بما فيها برلين هامة جداً لأنها تعكس المزاج العام فيها، والحزب يسعى لزيادة مقاعده في تلك البرلمانات خاصة مع منافسة حزب البديل لأجل ألمانيا."
وأكد عمر على أن تلك المقاطعات وكتلها البرلمانية التي تنفذ فعلياً قرار الحكومة الفيدرالية بهكذا شأن، تطالب دائماً بترحيل الذين لم يستطيعوا الاندماج أو الذين يشكلون "عالة" على نظام التكافل الاجتماعي مباشرة بعد ملف اللاجئين من أصحاب الجنايات.
لكن هل عودة السوريين آمنة؟
صرح وزير المستشارية الألمانية، تورستن فراي، بأن الشباب المسلمين السنة "لم يعودوا عرضة لأي خطر أو خطر الفقر في سوريا". وأضاف: "لن تتمكن ألمانيا من مساعدة الناس في مثل هذه الحالات بشكل دائم إلا إذا عاد عدد كبير منهم إلى وطنهم بعد استتباب الأمن في البلاد".
لكن في الوقت نفسه صرح وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول لكتلة التحالف المسيحي في البرلمان الاتحادي بعد زيارته مؤخراً إلى دمشق بأن سوريا تبدو أسوأ مما كانت عليه ألمانيا عام 1945. ورأى أنه من الصعب الطلب من اللاجئين العودة إلى بلادهم في هذه الأوضاع. هذا الكلام أثار جدلاً كبيراً في الأروقة السياسية والأوساط الإعلامية الألمانية، ووضع الوزير في دائرة الانتقاد.
المتحدث باسم منظمة برو أزيل (PRO ASYL) المختصة بقضايا اللجوء طارق الأوس قال لبي بي سي عربي: "نحن نرفض هذا النقاش بشكل كامل لأن سوريا بلد غير مستقر حتى الآن، الأشهر الماضية شهدت مجازر بحق الأقليات مثل العلويين في الساحل ومجزرتين ضد الدروز في شهري أيار/مايو وتموز/يوليو"
وأضاف: "لدينا تقارير من منظمات دولية تثبت حالات اختطاف للنساء، وأخرى إعلامية محلية تثبت وجود حالات قتل تحت التعذيب في السجون السورية، وكذلك تقييد للحريات العامة".
المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، كان قد صرح منذ أيام أن لجنة التحقيق الخاصة بحالات اختطاف نساء وفتيات في الساحل السوري رصدت 42 حالة اختفاء في 60 جلسة على مدى ثلاثة أشهر، تبين أن منها حالة اختطاف وحيدة.
وكانت وزارة العدل السورية قد شكلت لجنة للتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون في السويداء وإحالة كل من يثبت تورطه فيها إلى القضاء المختص. فيما أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري أن الدوافع وراء كثير من الانتهاكات التي وقعت كانت في معظمها "ثأرية الطابع" أكثر من كونها أيديولوجية، وأن الانتهاكات، رغم خطورتها لم تكن ممنهجة بالكامل.
حاولت بي بي سي التواصل مع وزارة الإعلام السوري للتعليق على مسألة الموت تحت التعذيب في السجون، لكننا لم نتلق رداً.
أوضاع معيشية صعبة
أبو محمد (اسم مستعار) لاجئ سوري في ألمانيا، متزوج ولديه ولدان يبلغان من العمر 8 و11 عاماً، يعيشان مع والدتهما في سوريا. تقدّم أبو محمد بطلب لجوء في عام 2023، لكن طلبه رُفض هذا العام، فقدم طعناً بالقرار ولا يزال بانتظار الرد.
شرح أبو محمد لبي بي سي أسباب عدم قدرته على العودة إلى سوريا: "من الصعب العودة إلى منزلي في محافظة دير الزور التي تقع تحت سيطرة قوات قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، كما من الصعب أيضاً الذهاب إلى دمشق حيث تعيش زوجتي مع والديها برفقة أبنائي. ويستحيل البدء من الصفر في دمشق والاضطرار لاستئجار منزل لنعيش فيه مع غلاء المعيشة".
تشير تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وجهات أخرى إلى أن أكثر من 70% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن البلاد لا تزال تواجه إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم من حيث متطلبات البقاء وإعادة بناء الحياة.
هل هناك حالات ترحيل بالفعل؟
يؤكد النائب البرلماني عمر بأنه ليس هناك حالات ترحيل مباشر إلى سوريا حتى اللحظة، لكن الحكومة الألمانية الحالية تسعى لذلك عبر الدعوة التي وجهتها للرئيس السوري المؤقت.
ويشير إلى أن عمليات ترحيل السوريين تتواصل بشكل متقطع منذ تولّي حكومة ميرتس السلطة عقب الانتخابات البرلمانية المبكرة مطلع هذا العام، لكنها لا تتم إلى سوريا، بل إلى الدول الأوروبية التي دخلوا منها إلى ألمانيا، مثل رومانيا وبلغاريا واليونان وهنغاريا وغيرها، وفق نظام "بصمات دبلن". ويجري ذلك ضمن وضع قانوني يُعرف باسم "منع الترحيل"، يُجدّد كل ستة أشهر ويمكن أن يستمر لسنوات، وهو يختلف عن الإقامة القانونية.
وأضاف أن الحكومة الألمانية السابقة كانت تتغاضى عن ترحيل هؤلاء أو عن قطع المساعدات عنهم، رغم أن القانون يوجب ذلك كونهم حاصلين على حق لجوء في دول أخرى، موضحاً أن هذا الموقف كان يستند إلى تقدير بأن أوضاع حقوق الإنسان ودعم اللاجئين في تلك الدول الأوروبية ليست بالمستوى المطلوب، وفقاً لعمر.
إلا أنه لا يستبعد حدوث الترحيل، مشيراً إلى أن الحكومة السابقة واجهت "ضغوطاً شعبوية بسبب زيادة أعداد اللاجئين وارتباط بعض الجرائم بأفغان وسوريين، وقد أعادت بالفعل 28 لاجئاً أفغانياً إلى أفغانستان عبر وساطة قطرية". لكنه أضاف أن "الحكومة تبدو، في حالة السوريين، أكثر ميلاً للتعامل مع الموضوع مباشرةً دون وساطات".
الترحيل والعودة الطوعية
نحو ألف شخص فقط عادوا إلى سوريا في النصف الأول من هذا العام في إطار المساعدات الفيدرالية وفقا لوكالة رويترز، وهو ما يعكس عدم رغبة الكثير من اللاجئين بالعودة لأسباب مختلفة.
وقد ضجّت وسائل الإعلام الألمانية منذ أسبوعين بقصة عائلة سورية مكونة من 20 شخصاً لديهم سجلات جنائية أو إجرامية، والتي تم إرسال بعض أفرادها من مدينة شتوتغارت الألمانية إلى سوريا بالفعل بعد ما وصفته الوكالة الألمانية للأنباء(DPA) بـ"ضغوط من السلطات المحلية".
إذ تم الاتفاق مع من قضى منهم حكمه القانوني أو الغرامة المترتبة عليهم في ألمانيا على المغادرة، وعلى تزويدهم بمساعدات مالية (1400 يورو للشخص) تحت برنامج العودة الطوعية.
الموقف القانوني من الترحيل
يقول المتحدث باسم منظمة برو أزيل إن "القوانين الأوروبية تشترط أن يكون العائدون قادرين على الحصول على حياة آمنة وكريمة في بلدهم الأم"، وهو ما لا يمكن إثباته في سوريا. ويضيف أن "طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم غالباً ما يبقون في البلاد لسنوات دون ترحيل بسبب عدم توافر شروط العودة".
وعن إمكانية تطبيق قرار الترحيل على السوريين، يوضح أن "المحاكم الألمانية يرجح أن توقف أي عملية ترحيل في حال قام المتضررون بالطعن فيها". ويشرح أيضاً أن الهدف من النقاش هو "الضغط على طالبي اللجوء للقيام بالعودة الطوعية خشية ترحيلهم"، مع إمكانية استهداف ذوي السجلات الجنائية أولاً.
على مدى 14 عاماً، استقبلت ألمانيا أكبر عدد من السوريين في أوروبا، والذين يقدر عددهم بحوالي مليون نسمة؛ وبينما يحمل معظمهم تصاريح إقامة مؤقتة أو دائمة، حصل نحو 244 ألف سوري منذ 2016 على الجنسية الألمانية، بحسب المكتب الفيدرالي الألماني للإحصاء (Destatis).
أخبار متعلقة :