الرياص - اسماء السيد - يصوّت مجلس الأمن الدولي الليلة على مشروع قرار أمريكي يدعم خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في غزة، في وقت تحذّر فيه واشنطن من أن فشل اعتماد النص قد يؤدي إلى تجدد القتال.
ويتضمّن مشروع القرار صياغة تشير إلى "مسار نحو دولة فلسطينية"، وهو ما أثار ردود فعل واسعة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
فيما يلي، يرصد مراسلونا أبرز ردود الأفعال قبل جلسة مجلس أمن المزمع عقدها مساء الإثنين:
مهند توتنجي - مراسل بي بي سي عربي، القدس
ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منتقديه الأحد، قائلاً إن "معارضتنا لإنشاء دولة فلسطينية في أي أراضٍ لم تتغير"، لكنه تعرض لهجوم من وزراء في الحكومة اتهموه بـ"الصمت والفشل السياسي".
وهاجم نتنياهو الوزراء والنواب، قائلاً: "لا أحتاج إلى التشجيع والمحاضرات من أحد. نحن نشهد هجوماً أولياً، بما في ذلك من داخل الليكود، تغريدات تقول "قلت، فعلت، أبلغت".
صدرت تصريحات نتنياهو بعد موجة من الانتقادات؛ إذ وجّه إليه وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، رسالة عبر منصة إكس قال فيها: "منذ شهرين، مباشرة بعد إعلان عدة دول اعترافها أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية، تعهدت بالرد بحزم ومنذ ذلك الحين اخترت الصمت والخيبة السياسية.. التدهور خطير، وهو مسؤوليتك فوراً ضع رداً مناسباً وحاسماً".
من جهته، صرح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: "لا وجود لما يسمى الشعب الفلسطيني".
وأضاف: "هذا اختراع بلا أساس في التاريخ أو الآثار أو الواقع، هم مجموعة من المهاجرين من الدول العربية إلى أرض إسرائيل ولا يشكلون شعباً".
وأكد بن غفير أن حزبه - حزب "عوتسماه يهوديت" - لن يكون جزءاً من أي حكومة توافق على ذلك، داعياً رئيس الوزراء لتوضيح أن دولة إسرائيل لن تسمح بإنشاء دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال.
أما عضو الكنيست سيمشا روثمان، قال: "قدت قرار الكنيست في يوليو/تموز 2024 الذي نص على أن إقامة دولة فلسطينية ستكون خطأ استراتيجياً فادحاً المضي قدماً في الفكرة سيكون مكافأة للإرهاب، وسيشجع حماس وأنصارها الذين سيرون ذلك انتصاراً بفضل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول".
المخاوف الاستراتيجية الإسرائيلية
في معسكر نتنياهو، تُعد مسودة القرار تهديداً استراتيجياً ملموساً، ويُنظر إليها كخطوة محتملة نحو فرض مسار لا رجعة فيه لدولة فلسطينية، لكن النص نفسه يحمل أكثر من تفسير، بعضها متناقض، بحسب تحليلات إسرائيلية.
وبحسب ما تقوله صحيفة معاريف فإن سبب هذه التباينات يعود إلى صياغة الكلمات نفسها، فالولايات المتحدة تصف المسودة بأنها تمهيد لحل سياسي يسمح بوجود كيان فلسطيني، لكن "الكلام غامض ويعتمد على شروط عدة: إعادة إعمار طويلة الأمد لغزة، إصلاحات السلطة الفلسطينية، نزع السلاح الكامل، آليات تفتيش دولية"، وغيرها من التدابير التي لم يتم الاتفاق عليها بعد.
أما بعض الإسرائيليين يسمعون هذه الإشارة كجرس إنذار، ففي المشهد السياسي المحلي قد تُفسر حتى الإشارة البسيطة كبداية لمبادرة أكبر.
يرى اليمين الإسرائيلي أن المسودة تحاول إدخال فكرة الدولة الفلسطينية عبر "الباب الخلفي". تحت غطاء ما يُسمى "حل لغزة بعد الحرب".
قد تكون الكلمات حذرة، لكن اليمين عادة يتخذ مساراً يبدأ بالإعلان، ثم يتحول إلى ما يشبه "قرار إطار"، ومن هناك يصبح الطريق نحو الضغط الدولي قصيراً.
ذلك لا يعني بالضرورة أن إسرائيل غير راضية عن المسودة؛ فنتنياهو، بوصفه رأس الهرم السياسي في إسرائيل، أكد بشكل صريح رفضه إقامة دولة فلسطينية. وهذا ما يشير، وفقاً لعدد من التحليلات، إلى أن عبارة "الدولة الفلسطينية" في المسودة قد تكون مجرّد إعلان سياسي لا يحمل التزاماً فعلياً على الأرض.
في الصورة الأعمّ، قد يكون الهدف التوجّه نحو تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. ولهذا يميل بعض الإسرائيليين إلى عدم رفض "مصطلح سياسي يشير إلى مسار نحو الدولة" مقابل تحقيق التطبيع، إذ يرون أن مجرد الحديث عن المسار لا يعني بالضرورة تطبيقه.
خطة أمريكية لإعادة إعمار غزة
تلعب الخطة الأمريكية الناشئة لإعادة تشكيل غزة دوراً محورياً: تقسيم القطاع إلى مناطق يعاد بناؤها تحت سيطرة مشتركة إسرائيلية ودولية، بما في ذلك مرحلة مؤقتة طويلة يتم فيها تعريف بعض المناطق بأنها "مناطق خضراء" تحت الإشراف، مقابل مناطق تبقى مدمرة وغير متاحة.
ويرى واضعو الخطة أن هذه خطوة إدارية لإعادة النظام بعد فوضى عدة أشهر.
وفي خضم كل هذا الجدل، يبقى نتنياهو في قلب العاصفة، محاولاً الموازنة بين الضغط الأمريكي والمخاوف الداخلية في التحالف الحكومي، بينما يراقب العالم نتائج تصويت مجلس الأمن على مسودة مشروع القرار الأمريكي.
ما هي نقاط اعتراض الفصائل الفلسطينية على المشروع الأمريكي؟
عدنان البرش - مراسل بي بي سي عربي لشؤون غزة
أبدت فصائل فلسطينية وعلى رأسها حركة حماس اعتراضها على مشروع القرار الأمريكي المزمع التصويت عليه الليلة في مجلس الأمن الدولي.
وتتمحور نقاط اعتراض الفصائل في غزة بحسب المذكرة الصادرة، الأحد، على ما تقول إن النص يشكّل محاولة "لفرض وصاية دولية على القطاع وتمرير رؤية منحازة للجانب الإسرائيلي".
واعتبرت الفصائل أن إنشاء "قوة دولية" في القطاع سيتحول عملياً إلى جهة "تخدم الاحتلال الإسرائيلي عبر التنسيق المباشر معه". وأشارت إلى أن "أي قوة من هذا النوع، في حال إنشائها، يجب أن تخضع بالكامل لولاية الأمم المتحدة وإشرافها المباشر".
وترى الفصائل، بحسب مذكرتها، أن القوة الدولية يجب أن تعمل حصرياً بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، "من دون إشراك إسرائيل أو منحها أي صلاحيات أو تنسيق ميداني"، وأن تقتصر مهامها على حماية المدنيين، وضمان تدفّق المساعدات، والفصل بين القوات، دون أن تتحول إلى سلطة أمنية أو إدارة فوق وطنية.
وحذّرت المذكرة "من تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط وابتزاز تخضع لإدارة أجنبية، بما يهمّش المؤسسات الفلسطينية ويقوّض عمل الأونروا".
من جهة أخرى، شددت الفصائل على رفض أي بند يتعلق بنزع السلاح في قطاع غزة أو "المساس بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن نفسه". وقالت إن "أي نقاش في ملف السلاح يجب أن يبقى شأناً وطنياً داخلياً مرتبطاً بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وتحقيق تقرير المصير".
وختمت بالتأكيد أن "النموذج العربي – الإسلامي المقترح لإدارة القطاع يمثل الخيار الأكثر قبولاً"، كما ورد في المذكرة.
فصائل فلسطينية تعول على الجزائر في رفض مشروع القرار الأمريكي
وقال مصدر قيادي في حركة حماس لقناة الأقصى التابعة للحركة إن الفلسطينيين يتطلعون إلى ما وصفه بـ"موقف جزائري مشرّف" في رفض مشروع القرار الأمريكي بشأن القوات الدولية.
والجزائر هي العضو العربي الوحيد حالياً في مجلس الأمن الدولي.
الخارجية الفلسطينية: المبادرة الامريكية يمكن البناء عليها
إيمان عريقات - مراسلة بي بي سي عربي، الضفة الغربية
في الضفة الغربية، يتابع الفلسطينيون باهتمام مجريات تصويت مجلس الأمن مساء الإثنين على مشروع القرار الأمريكي المتعلق بالمرحلة الثانية من وقف الحرب في قطاع غزة، التي تتضمن أيضاً تشكيل قوة استقرار دولية لحفظ أمن الحدود ونزع السلاح.
ويتضمن مشروع القرار بنداً أضيف أخيراً وهو الإشارة إلى إمكانية إنشاء دولة فلسطينية بعد إصلاح السلطة الفلسطينية.
وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية عمر عوض الله، رحب بمشروع القرار الأميركي وقال إنهم يتطلعون إلى أن يصدر مجلس الأمن قراراً يؤكد على عمل القوة الدولية في قطاع غزة مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي حديثه لبي بي سي قال عوض إن أهمية مشروع القرار تكمن في أنه "يتحدث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واستقلاله وهو ما لم يرد سابقاً في الفكر الأمريكي".
واعتبر عوض أن الولايات المتحدة وضعت هذا المشروع "في مواجهة رفض إسرائيل لأي دور لفلسطين والفلسطينيين بشكل عام، أعتقد أن هذه المبادرة الأمريكية يمكن البناء عليها كثيراً، وخاصة أن لدينا الكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وتعترف بحقنا في تقرير المصير وسيادتنا على أرضنا ومواردنا".
وتنص مسودة مشروع القرار الأمريكي المعدل على وجوب تنفيذ السلطة الفلسطينية لبرنامج إصلاحات نزيهة، وإحراز تقدم في إعادة إعمار قطاع غزة، ما قد يوفر بعدها الظروف لمسار موثوق نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية ، وأشارت إلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إطلاق حوار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والازدهار.
وفي معرض رده حول الإصلاحات المطلوبة من السلطة الفلسطينية، أضاف عوض الله لبي بي سي أن الأولوية هي في تطوير المؤسسات وحياة الشعب الفلسطيني معتبراً أن التطوير "يجب أن يكون دون احتلال إسرائيلي".
لكنه اعتبر أنه رغم أولوية الإصلاحات فإنها لا يجب "أن تكون شرطاً يؤخر الاستقلال الفلسطيني، أو شرطاً لعودة الحكومة الفلسطينية لتولي مسؤولياتها في حكم قطاع غزة".
وتطالب الولايات المتحدة وإسرائيل وعدة دول مانحة السلطة الفلسطينية بعدة إصلاحات تجريها السلطة الفلسطينية، من بينها محاربة الفساد، وتعديل مناهج التعليم بهدف التوقف عن الكراهية، ووقف أي مدفوعات لأسر من قتلتهم أو سجنتهم إسرائيل من الفلسطينيين، بحسب تقارير عدة.
وتعهدت السلطة بتعديل المناهج لتتماشى مع معايير الأمم المتحدة ذات الصلة، كما ألغى الرئيس عباس قانوناً يتعلق بدفع أموال لأسر المحبوسين أو القتلى الفلسطينيين.
وينص مشروع القرار الأمريكي - وفق ما أوردت وسائل إعلام دولية - على السماح بنشر قوة استقرار دولية في قطاع غزة ومنح التفويض " للجنة سلام يرأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب" لإدارة غزة مؤقتاً حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2027.
وأوضح وكيل الخارجية الفلسطينية لبي بي سي موقف حكومته حيال ذلك بالقول: "يجب أن نعرف من هو مجلس السلام كي نتخذ موقفاً واضحاً من هذا المجلس الذي يجب أن يكون مراقباً على عمل اللجنة الحكومية أو لجنة التكنوقراط في قطاع غزة".
"اعتراض وانتقاد كبير"
ووصف أمين عام حزب "الشعب الفلسطيني" بسام الصالحي في مؤتمر صحفي عقده في مدينة رام الله، مشروع القرار الأمريكي بأنه "تحايل" على الخطة الأمريكية السابقة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لقطاع غزة.
وقال الصالحي إن بعض النصوص "عادت إلى الصياغة الأصلية والتي كانت موضع اعتراض وانتقاد كبير من طرفنا، خاصة وأنها أعادت اقتباس البندين 19 و20 من خطة الرئيس ترامب نفسها المتعلقة بموضوع الدولة والحوار الفلسطيني الإسرائيلي".
أخبار متعلقة :