ماذا نعرف عن خطة السلام "السرّية" لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟

الرياص - اسماء السيد - سُربت مسودة خطة السلام الأمريكية الروسية على نطاق واسع، التي تقترح تسليم مناطق من إقليم دونباس الصناعي شرقي أوكرانيا، الخاضع للسيطرة الأوكرانية، لتصبح بحكم الأمر الواقع تحت سيطرة روسيا.

ودعت النسخة الأحدث من الخطة أوكرانيا، أيضاً، إلى خفض عدد قواتها المسلحة إلى 600 ألف.

لكن ما الذي نعرفه أيضاً عن الخطة ومن هو المستفيد الأكبر منها؟

ما هي النقاط الرئيسية؟

تتضمن الخطة 28 نقطة رئيسية، بعضها قد يكون مقبولاً لأوكرانيا. بينما تبدو نقاط أخرى غامضة وغير محددة.

وتشمل "تأكيد" سيادة أوكرانيا مع "إبرام اتفاقية عدم اعتداء شاملة بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا"، مع "ضمانات أمنية" قوية أو موثوقة لكييف والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في غضون 100 يوم.

ووفقاً للخطة، فإنه في حال غزت روسيا، أوكرانيا، فيقترح القيام "برد عسكري حاسم ومنسق" إلى جانب إعادة فرض العقوبات وإلغاء الاتفاق.

وعلى الرغم من أن الانتخابات مستحيلة في أوكرانيا بسبب سريان الأحكام العرفية، إلا أنه من الناحية النظرية يمكن إجراؤها إذا وقع اتفاق سلام.

أما بالنسبة للضمانات الأمنية، فلا توجد تفاصيل حول من سيقدمها ومدى متانتها. وهذا لا يرقى إلى مستوى التزام المادة الخامسة على غرار حلف شمال الأطلسي بالتعامل مع الهجوم على أوكرانيا باعتباره هجوماً على الجميع. تريد كييف أكثر من مجرد وعد غامض إذا ما وافقت على التوقيع.

تسليم أراضي أوكرانية وتقليص القوات المسلحة

من بين المقترحات الأكثر إثارة للجدل تسليم أوكرانيا لأراض غير محتلة وخفض حجم قواتها المسلحة.

وجاء في مسودة الخطة: "ستنسحب القوات الأوكرانية من الجزء الذي تسيطر عليه حالياً من منطقة دونيتسك، وستعتبر منطقة الانسحاب هذه منطقة عازلة محايدة منزوعة السلاح، ومعترف بها دولياً كأراضي تابعة للاتحاد الروسي. القوات الروسية لن تدخل هذه المنطقة منزوعة السلاح".

والتخلي عن أراضٍ يعيش فيها ما لا يقل عن ربع مليون أوكراني ــ مدن "حزام الحصن" في دونيتسك، سلوفيانسك، وكراماتورسك، ودروزكيفكا ــ لن يكون مقبولاً بالنسبة لمعظم الأوكرانيين.

وأمضت روسيا أكثر من عام كامل في محاولة السيطرة على بلدة بوكروفسك، ومن غير المرجح أن تسلم أوكرانيا مثل هذه المراكز الاستراتيجية المهمة دون قتال.

"سيُحدد عدد القوات المسلحة الأوكرانية بـ 600 ألف جندي".

وعدد أفراد الجيش الأوكراني قُدر في يناير/كانون الثاني الماضي بنحو 880 ألف جندي نشط، ارتفاعاً من 250 ألفاً في بداية الغزو في فبراير/شباط 2022.

ورغم أن 600 ألف جندي قد يبدو رقماً مقبولاً في زمن السلم، إلا أن هذا النوع من القيود من شأنه أن ينتهك السيادة الأوكرانية. وقد يكون هذا أيضاً رقماً كبيراً جداً بحيث لا تقبله روسيا.

وقال مندوبة أوكرانيا، كريستينا هايوفيشين، لمجلس الأمن الدولي: "خطوطنا الحمراء واضحة ولا تتزعزع"، مضيفة: "لن يكون هناك أبداً أي اعتراف رسمي أو غير ذلك بالأراضي الأوكرانية التي يحتلها الاتحاد الروسي مؤقتاً باعتبارها روسية. لن تقبل أوكرانيا أي قيود على حقوقها في الدفاع عن النفس أو على حجم أو قدرات قواتنا المسلحة".

وتقترح الخطة أيضاً "الاعتراف بشبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك كأراضٍ روسية بحكم الأمر الواقع، بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة".

وبمعنى آخر، لن تحتاج أوكرانيا والدول الأخرى إلى الاعتراف بالسيطرة الروسية بموجب القانون، وهذا من شأنه أن يمكن كييف من قبول مثل هذه الصياغة، لأنها لن تمس بالدستور الأوكراني الذي ينص على أن حدودها "غير قابلة للتجزئة ولا يجوز انتهاكها".

وفي المناطق الجنوبية من خيرسون وزابوريجيا سيتم تجميد خطوط المواجهة، وستتخلى روسيا عن المناطق التي احتلتها في أماكن أخرى في أوكرانيا.

مستقبل أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي وليس مع الناتو

وتقترح الخطة التزامات مهمة بشأن المستقبل الاستراتيجي لأوكرانيا:

"توافق أوكرانيا على تضمين دستورها عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويوافق الناتو على تضمين بند في نظامه الأساسي ينص على عدم قبول أوكرانيا مستقبلاً".

"أوكرانيا مؤهلة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وستستفيد من أفضلية في الدخول إلى السوق الأوروبية على المدى القصير ريثما يتم النظر في هذه المسألة".

وفرصة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي في الوقت القريب ضئيلة، فيما خففت روسيا في الأشهر الأخيرة من موقفها تجاه ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن الوثيقة تتيح لكييف الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي بينما تتجاهل آراء 27 دولة أوروبية.

وانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو هو جزء من دستورها، وأحد الخطوط الحمراء بالنسبة لكريستينا هايوفيشين التي قالت أمام الأمم المتحدة، الخميس: "لن نتسامح مع أي انتهاك لسيادتنا بما في ذلك حقنا السيادي في اختيار التحالفات التي نريد الانضمام إليها".

وتتضمن الخطة موافقة الناتو على عدم نشر قوات في أوكرانيا، وستتمركز طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا. إضافة إلى أن تلتزم كييف بألا تكون "دولة حائزة على السلاح النووي".

ويبدو أن هذا الاقتراح يرفض خطط تحالف الراغبين الغربي الذي تقوده المملكة المتحدة وفرنسا لمساعدة في مراقبة تنفيذ أي اتفاق مستقبلي.

إعادة روسيا من العزلة

وتشير نقاط عدة إلى عودة روسيا من عزلتها عبر "إعادة إدماج روسيا في الاقتصاد العالمي" ودعوتها مرة أخرى إلى مجموعة الثمانية.

ويبدو أن تحقيق هذا بعيد المنال في الوقت الحالي، إذ يخضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية. وطُردت روسيا من مجموعة السبع بعد أن استولت على شبه جزيرة القرم ثم ضمتها عام 2014، وحاول ترامب إعادة بوتين إلى المجموعة بعد ست سنوات.

وإذا كانت المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان مترددة قبل الغزو، فإن فرصة حدوث ذلك الآن أقل.

ماذا عن الأصول الروسية المجمدة؟

تقترح المسودة استثمار 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة "في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإعادة الإعمار والاستثمار في أوكرانيا"، مع حصول الولايات المتحدة على 50% من الأرباح. وتضيف أوروبا 100 مليار دولار للاستثمار في إعادة الإعمار.

ويُذكر هذا بصفقة المعادن الأمريكية مع أوكرانيا في وقت سابق من هذا العام، التي استلزمت فرض ثمن أمريكي للمشاركة، كما أنها لم تترك للاتحاد الأوروبي سوى فواتير باهظة.

لكن الأموال التي ذكرتها الخطة قد لا تكون كافية، ففي وقت سابق من هذا العام، قدرت التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار في أوكرانيا بنحو 524 مليار دولار.

وتحتفظ شركة يوروكلير في بلجيكا بنحو 200 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة، ويعمل الاتحاد الأوروبي حالياً على خطة لاستخدام هذه الأموال لتمويل كييف مالياً وعسكرياً.

أما بقية تلك الأصول المجمدة فستذهب إلى "آلية استثمارية أمريكية روسية"، وفقاً للخطة، وبالتالي فإن روسيا ستشهد عودة بعض أموالها، ولكن مرة أخرى ستكون هناك فائدة مالية للولايات المتحدة.

ما الذي لا تتضمنه الخطة؟

أشار محللون إلى أن الخطة لا تطلب فرض قيود على أسلحة الجيش الأوكراني أو صناعتها العسكرية، رغم وجود بند ينص يقول: "إذا أطلقت أوكرانيا صاروخاً على موسكو أو سانت بطرسبرغ فستعتبر الضمانات الأمنية لاغية".

لكنها لا تضع قيوداً على الأسلحة بعيدة المدى التي تعمل أوكرانيا على تطويرها - مثل صواريخ فلامنغو ولونغ نبتون.

هل هذه خطة سلام نهائية؟

تتطلع الولايات المتحدة إلى المضي قدماً بسرعة وفق "جدول زمني صارم" مع هذه الخطة، إذ تشير تقارير إلى أن أوكرانيا لديها مهلة حتى عيد الشكر في أواخر الأسبوع المقبل للموافقة عليها.

وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي شارك في صياغة الخطة، وصفها بأنها "قائمة من الأفكار المحتملة لإنهاء هذه الحرب"، فيما قال وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، إنه لا يرى النقاط الـ 28 كخطة نهائية، بعد أن تحدث إلى المسؤول الأمريكي الرئيسي الآخر المعني بالخطة، مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف.

غير أنه في بعض النواحي، تبدو مسودة الخطة وكأنها عمل قيد التطوير، إذ لم تعد بعض التفاصيل التي تسربت إلى المواقع الإلكترونية الأمريكية الخميس واضحة.

وقال الاتحاد الأوروبي صباح الجمعة، إنه لم يطلع رسمياً على الخطة بعد، وهو ما أكدته وزارة الخارجية الروسية أيضاً.

هل تمثل الخطة قائمة رغبات بوتين؟

يُعتقد أن كيريل دميترييف، المبعوث الخاص لبوتين، أمضى 3 أيام مع ويتكوف في مناقشة هذه الخطة، ما أثار تكهنات بشأن صفقة مُعدة مسبقاً لتناسب موسكو. وكان رد فعل روسيا حذراً حتى الآن، لكن بوتين صرح بأنها قد تشكل "أساساً" لتسوية سلمية.

وتسليم الأراضي الأوكرانية إلى روسيا، حتى في منطقة منزوعة السلاح، هو أكبر علامة على الميل نحو الرواية الروسية، لكن تجميد الخطوط المواجهة في الجنوب قد يكون صعباً بالنسبة للكرملين الذي ضم خيرسون وزابوريجيا في دستوره.

وأحد المقترحات يشير إلى "الاتفاق على رفع العقوبات على مراحل وعلى أساس كل حالة على حدة"، وهو ما قد تعتبره موسكو بطيئاً للغاية.

لكن خطة "العفو الكامل" عن جميع الأطراف ستلقى قبولاً في موسكو ورفضاً شديداً في كييف والعواصم الأوروبية.

أشار مراقبون إلى أنه رغم ظهور تنازلات كبرى لصالح بوتين، فإن بعض المتطلبات المتعلقة بحلف الناتو قد تكون غامضة جداً بالنسبة للكرملين.

وتطالب روسيا باستمرار بضرورة أن تعالج أي خطة سلام ما تعتبره "الأسباب الجذرية" للحرب. ومن هذه الأسباب وقف توسع حلف الناتو في أوروبا الشرقية، وهو ما يبدو أن مسودة الخطة تتناوله.

وبعض النقاط الـ 28 في المسودة تُشير أيضاً إلى مزاعم روسيا بشأن التمييز ضد السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، دون أن تؤيدها صراحة.

وهناك نقطة واحدة واضحة لكنها متوازنة: "سيتفق البلدان على إلغاء جميع التدابير التمييزية وضمان حقوق وسائل الإعلام والتعليم الأوكرانية والروسية".

وهناك محاولة أخرى واضحة لتحقيق العدالة تأتي من اقتراح توزيع الكهرباء المولدة من محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تحتلها روسيا - وهي الأكبر في أوروبا - "بالتساوي بين روسيا وأوكرانيا".

أخبار متعلقة :