كتبت أسماء لمنور في الأربعاء 26 نوفمبر 2025 10:44 مساءً - شهدت عدة دول عربية في السنوات الأخيرة هطول أمطار غير مسبوق تجاوز المعدلات التاريخية، في ظاهرة باتت—وفق خبراء الأرصاد—جزءاً من “نمط جديد” يفرضه تسارع الاحترار العالمي على منطقة الشرق الأوسط.
ففي السعودية، أعلن المركز الوطني للأرصاد عن تسجيل زيادة واضحة في الأمطار الغزيرة، خصوصاً على الساحلين الغربي والجنوبي الغربي، واصفاً ما حدث مؤخراً بأنه من أعلى المعدلات المسجلة في تاريخ المملكة. وفي الإمارات، جرى التأكيد بعد العاصفة المطرية غير المسبوقة عام 2024 أن كمية الأمطار كانت الأعلى منذ 75 عاماً.
وتشير تقديرات منظمة الأرصاد العالمية (WMO) إلى أن الشرق الأوسط أصبح من أسرع المناطق ارتفاعاً في الحرارة وأكثرها تأثراً بالنشاط المداري والرطوبة القادمة من المحيطات. فقد كان النظام الماطر الأخير غير نمطي، إذ جاء من مصدر استوائي عبر البحر الأحمر قبل أن ينفجر فوق مناطق داخلية غير معتادة على هذا الكم من الرطوبة.
كما تؤكد الأرصاد الفلسطينية أن المنخفضات الجوية أصبحت تحمل كميات استثنائية من الرطوبة مقارنة بالعقود الماضية، في حين يرى خبراء الأرصاد في الأردن أن الأنظمة الجوية باتت أبطأ وأكثر قدرة على إنتاج أمطار غزيرة خلال فترات قصيرة. وهذا البطء يتوافق مع دراسة لمعهد ماكس بلانك (2023) التي أشارت إلى تباطؤ الأنظمة الجوية بين 20 و30% عالمياً، ما يسمح ببقاء السحب فوق المناطق لفترات أطول، وبالتالي زيادة الهطول بشكل غير مسبوق.
وتُظهر تقارير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC AR6 – 2023) أن الظواهر المطرية القصوى ترتفع بنسبة 7% لكل زيادة درجة مئوية واحدة في حرارة الكوكب، وأن المناطق الجافة—ومنها الشرق الأوسط—ستشهد فترات جفاف طويلة تتخللها أمطار شديدة ومتقلبة، وهو ما شهدته السعودية والإمارات وقطر والأردن وعُمان خلال السنوات الأخيرة.
وتؤكد تقارير الأرصاد القطرية والمصرية والعمانية هذا التغيّر، سواء في زيادة التطرف المناخي، أو ارتفاع شدة الأمطار، أو تزايد قوة الأعاصير المدارية القادمة من بحر العرب. ورغم أن المنطقة تشهد ارتفاعاً حرارياً، فإن ذلك لا ينفي إمكانية موجات برد مفاجئة ناتجة عن تذبذب التيار النفاث، كما تشير دراسات الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي (AGU). وقد أوضحت الأرصاد الأردنية أن موجات البرد القوية والثلوج رغم ندرتها باتت ممكنة ضمن الأنظمة الشتوية الجديدة.
وتحذّر منظمة الأرصاد العالمية من أن العالم تجاوز مؤقتاً عتبة الاحترار البالغة 1.5 درجة مئوية خلال شهور كاملة في 2023 و2024، وهو ما اعتبرته خروجاً واضحاً عن التوازن المناخي التاريخي. وتشير تقارير IPCC إلى أن الوصول إلى +1.5 درجة كان متوقعاً بين 2030–2040، لكن الواقع يُظهر بلوغها قبل عقد تقريباً.
وتتوقع تقارير البنك الدولي أن يواجه أكثر من 400 مليون شخص في المنطقة ضغطاً متزايداً على المياه، إلى جانب تضاعف احتياجات الطاقة بسبب موجات الحر، وانخفاض إنتاجية الزراعة بنسبة قد تصل إلى 20–30% في بعض الدول العربية. كما يحذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) من موجات حر قد تتجاوز 56–60 درجة في الخليج، وارتفاع مستوى سطح البحر بما يهدد مدناً ساحلية كالإسكندرية والبصرة والدوحة.
وتقّر منظمة الصحة العالمية (WHO) بارتفاع الأمراض المنقولة بالمياه بنسبة 40% نتيجة الفيضانات المتكررة، إلى جانب توسع نطاق أمراض مثل حمى الضنك والملاريا نحو مناطق لم تشهدها سابقاً.
وتتفق معظم الأرصاد العربية على توصيف الموسم الحالي بأنه موسم “عدم يقين مناخي”، مع ظواهر متطرفة تتزايد عاماً بعد عام. وفي حين حذرت قمة المناخ في غلاسكو 2021 (COP26) من بلوغ “نقطة اللاعودة”، يبدو أن العالم—بحسب WMO—قد تجاوزها مؤقتاً بالفعل، حيث لم تعد الظواهر المطرية القياسية حادثاً منفصلاً، بل جزءاً من نمط مناخي جديد أسرع وأشد من كل التوقعات السابقة.
أخبار متعلقة :