اليابان | من المريخ إلى أوساكا… نيزك ضخم في جناح اليابان يسرد قصة نشأة الكون!

تُعد اليابان من الدول الرائدة عالميًا في مجال أبحاث القارة القطبية الجنوبية، وذلك من خلال جهود المعهد الوطني للبحوث القطبية الواقع في طوكيو، والذي يُشرف على بعثات علمية متقدمة تستكشف أعماق الجليد وفضاء الكون معًا. ومن بين أبرز إنجازات اليابان في هذا المجال، اكتشاف النيزك الشهير ”ياماتو 000593“ في قلب القارة القطبية المتجمدة — وهو نيزك نادر يعتقد أن أصله يعود إلى كوكب المريخ. وقد أتاح هذا الاكتشاف الفريد للعلماء فرصة ثمينة لدراسة طبيعة الصخور المريخية، مما ساعد في توسيع فهمنا عن تاريخ الكوكب الأحمر وإمكانية وجود الحياة عليه.

أسرار القارة القطبية الجنوبية

يعد المعهد الوطني للبحوث القطبية في تاتشيكاوا، طوكيو، قاعدةً للبعثة اليابانية المتخصصة في أبحاث القطب الجنوبي، فضلاً عن ريادته للأبحاث العلمية اليابانية المتعلقة بالمناطق القطبية. ويفخر المعهد باقتنائه مجموعة من نيازك القطب الجنوبي. حيث يتم الاحتفاظ بحوالي 17,400 عينة من هذه النيازك في غرفة نظيفة داخل المنشأة في درجة حرارة 22 درجة مئوية ورطوبة أقل من 50%، للحيلولة دون تعرضها للتلوث أو التلف. ومن بين هذه العينات نيازك ”بدائية“ تحتوي على معلومات حول نشأة النظام الشمسي، بالإضافة إلى نيازك من أصل قمري ومريخي.

لكن لماذا يتم اكتشاف هذا العدد الكبير من النيازك في القارة القطبية الجنوبية؟ يكمن الجواب في الصفائح الجليدية العملاقة التي تغطي القارة. فعندما تسقط النيازك على القارة القطبية الجنوبية، فإنها تندمج في الجليد. ثم تتحرك هذه الصفائح ببطء نحو الأسفل، متحولة إلى أنهار جليدية، بمعدل بضعة أمتار في السنة، لتقوم بعد ذلك بنقل النيازك المندمجة فيها على مدى عشرات الآلاف من السنين. وإذا ما وصلت هذه الصفائح إلى الساحل، فإنها غالبًا ما تنكسر لتشكل جبالًا جليدية، ولكن يمكن لسلاسل الجبال أو غيرها من العوائق أن تعيق تدفق الجليد. وفي مثل هذه المواقع، تقوم الرياح السفحية الهابطة القوية بإزالة الجليد السطحي، مما يؤدي إلى تراكم النيازك المندمجة على السطح.

وفي المناطق التي تميل إلى تراكم النيازك، خصوصًا تلك التي تتكوّن من الجليد الأزرق ذي التباين العالي، يبرز اللون الأسود للصخور بشكل واضح، مما يجعل من السهل العثور عليها. وجدير بالذكر أن المنطقة التي اكتُشف فيها النيزك المريخي ”ياماتو 000593“، بالقرب من جبال ياماتو التي يصل ارتفاعها إلى 2000 متر وتقع على بعد حوالي 350 كيلومترًا جنوب محطة شُووا، تعد واحدة من الأماكن القليلة في القارة القطبية الجنوبية، وبالتالي في العالم، التي تستوفي هذه الشروط.


لقد تم اكتشاف النيزك المريخي ”ياماتو 000593“ على صفيحة جليد زرقاء يبلغ سمكها كيلومترين، تحيط بجبال ياماتو. كما تم العثور على أول تسعة نيازك اكتشفها المستكشفون اليابانيون عام 1969 في هذه المنطقة أيضًا. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)

أحد أكبر النيازك المريخية المكتشفة

في عام 2000، تم العثور على النيزك ”ياماتو 000593“ الذي يشبه في شكله كرة الرجبي بواسطة البعثة اليابانية الحادية والأربعين للبحوث القطبية. يبلغ طوله 29 سنتيمترًا، وعرضه 22 سنتيمترًا، وارتفاعه 17.5 سنتيمترًا، ويزن 13.7 كيلوغرامًا، مما يجعله أحد أكبر النيازك المريخية المنفردة التي عُثر عليها على سطح الأرض. (تمت إزالة جزء منه لاحقًا لأغراض البحث والتعليم، ولهذا السبب يبلغ وزن العينة المعروضة في معرض إكسبو 2025، 12.7 كيلوغرامًا فقط).

الصخرة من نوع النيازك المريخية المعروفة باسم ناكلَيت (nakhlite)، وهي تتكوّن بشكل أساسي من بيروكسين أحادي الميل لونه مائل إلى الأخضر. يُعد الناكلَيت من الصخور النارية التي تشكّلت من التبريد البطيء لصهارة البازلت، وهو هش لدرجة أنه يتفتت بسهولة عند تحريكه. يُعد ”ياماتو 000593“ أكبر عينة ناكلَيت في العالم، مما يمنحه قيمة علمية هائلة.

وقد تم العثور على نيزكين آخرين من نفس النوع، ”ياماتو 000749“ وزنه 1.28 كجم، و”ياماتو 000802“ وزنه 22 غرامًا. وبسبب التشابه الكبير في تركيبتهما وبنيتهما، يُعتقد أن هذه الصخور الثلاث كانت في الأصل جزءًا من نيزك واحد كبير تحطم عند دخوله الغلاف الجوي للأرض، خاصة مع وجود آثار انصهار على أسطح معينة فقط من ”ياماتو 000749“.


نيزك ”ياماتو 000593“ من الجانب. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)


نيزكا ”ياماتو 000749“ (يسارًا) و”ياماتو 000802“ عُثر عليهما بالقرب من ”ياماتو 000593“. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)

مغامرة استكشافية في القارة القطبية الجنوبية

تعود قصة اكتشاف ”ياماتو 000593“ إلى المهمة الاستكشافية التي نفذتها البعثة الحادية والأربعون، والتي كانت موجودة في القارة القطبية الجنوبية من 1 فبراير/ شباط 2000 إلى 1 فبراير/ شباط 2001، حيث قضت الشتاء هناك. وقد تم اختيار ”إيماي ناؤيا“ (كان حينها جيولوجيًا في البعثة، ويشغل الآن منصب أستاذ مساعد في المعهد الوطني للبحوث القطبية) مع خمسة آخرين لتنفيذ هذه المهمة، وكان هدفهم العثور على نيازك في الصفائح الجليدية المحيطة بسلسلة الجبال.

سافر الفريق باستخدام ثلاث مركبات ثلجية كبيرة (snowcats) تجرّ 22 مزلجة محملة بالوقود، والطعام، والمعدات العلمية، ومساكن للمعيشة، ومساحة لتخزين النيازك — مما شكّل قافلة ضخمة على الجليد. غادر الفريق قاعدة ”شووا“ في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2000، وقطع مسافة 630 كيلومترًا في كل اتجاه عبر قاعدة ”ميزوهو“.

كانت الرحلة نحو الداخل صعبة للغاية. ولعل أكبر التحديات هي التضاريس المتموجة (sastrugi) التي تشكّلت بفعل الرياح القوية التي تسببت في نحت مناطق منخفضة في الجليد والثلج، مما أعاق تقدم الفريق. وفي مرحلة معينة، واجهوا كتلًا جليدية حادة وصلبة أجبرتهم على القيادة بحذر بسرعة 5 كم/ساعة فقط. كما اضطروا إلى تجنّب الشقوق العميقة التي تصل إلى عشرات الأمتار، بينما واجهوا الإرهاق في درجات حرارة وصلت إلى -15 درجة مئوية. في إحدى المرات، سقطت مزلجة محملة بالطعام في شق جليدي خفي وظلت معلقة، لكن الفريق تمكّن من استعادتها مع الحفاظ على المؤن كاملة، ومواصلة المهمة.

أخيرًا، وبعد 19 يومًا من انطلاقهم في هذه الرحلة الشاقة، ظهرت جبال ياماتو في الأفق. كان الجليد الأزرق القديم الذي يحيط بها يضفي شعورًا بالغموض. بعد استراحة قصيرة، بدأ المستكشفون بحثهم الذي استمر 54 يومًا. تنقلوا خلالها باستخدام ثلاث زحافات ثلجية، بحثًا عن النيازك فوق الجليد. وفي أحد أيام نوفمبر/ تشرين الثاني، اكتشف الفريق نيزكًا حديديًا وزنه 51 كيلوغرامًا، وهو أكبر نيزك تم العثور عليه في جبال ياماتو حتى ذلك الحين، مما أثار حماستهم. وفي غمرة فرحتهم بالاكتشاف، كافأتهم الطبيعة بالعثور على صخرة كبيرة أخرى، ”ياماتو 000593“، على بعد 500 متر فقط. ورغم أنهم أدركوا حينها أنها نيزك حجري، كان عليهم انتظار التحليل العلمي لمعرفة قيمته الحقيقية.

يتذكر الأستاذ المساعد إيماي لحظة الاكتشاف قائلًا:

”عندما وجدنا النيزك، كان لونه الأخضر الفريد لافتًا للنظر. عرفتُ على الفور، وبشكل غريزي، أنه نيزك لم أر مثله من قبل. وبمجرد عودتنا إلى اليابان، بدأنا في تحليله“.


ثلاث مركبات ثلجية كبيرة (snowcats) قامت بسحب 22 مزلجة في مهمة البحث عن النيازك. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)


زحافات ثلجية (snowmobiles) تسير بجانب مركبة ثلجية كبيرة. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)


صورة من لحظة اكتشاف ”ياماتو 000593“. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)

رحلة شاقة قطعها النيزك عمرها 1.3 مليار سنة

عند وصول النيزك ”ياماتو 000593“ إلى اليابان، خضع لتحليل دقيق في المعهد الوطني للبحوث القطبية. وبفضل استخدام أحدث التقنيات، تمكن العلماء من التأكد من أن الصخرة من أصل مريخي. وقد أمكن التأكد من ذلك لأن النيزك احتوى على نظائر نادرة من الغازات، بالإضافة إلى النيتروجين وثاني أكسيد الكربون، تطابقت كلها مع تركيبة الغلاف الجوي للمريخ التي رصدها مسبار فايكنغ في سبعينيات القرن العشرين. وقد شكّلت هذه البيانات دليلًا قويًا على أن ”ياماتو 000593“ امتصّ الغلاف الجوي المريخي خلال تشكّله.

كما اكتشف الفريق أن النيزك يحتوي على معادن طينية، وهي عادةً ما تتكوّن نتيجة تفاعل الصخور مع الماء، ما يشير إلى أن المريخ كان يحتوي على مياه قريبة من السطح في وقت ما — دليل إضافي على أن الكوكب الأحمر كان في الماضي معتدلًا ورطبًا.

إضافة إلى ذلك، تمكّن العلماء من فك لغز الرحلة الملحمية التي قطعها النيزك. حيث أظهرت التحاليل الإشعاعية أن النيزك تصلّب قبل نحو 1.3 مليار سنة، من صهارة خرجت من وشاح المريخ وتبردت بالقرب من سطحه. ومن خلال تحليل التعرّض للأشعة الكونية، قُدّر أن النيزك ظلّ مكشوفًا في الفضاء لنحو 10 ملايين سنة. بمعنى آخر، قبل 10 ملايين سنة تقريبًا، اصطدم جسم ضخم بالمريخ، مما تسبب في قذف حطام إلى الفضاء، كان من ضمنه ”ياماتو 000593“.

بعد أن تحرر من جاذبية المريخ، طاف ”ياماتو 000593“ في الفضاء، يدور حول الشمس تدريجيًا حتى اقترب من مدار الأرض. وأخيرًا، جذبه الحقل الجاذبي للأرض، فاخترق غلافها الجوي، وسقط على الجليد القطبي الجنوبي. ومن المثير للاهتمام أن ما مجموعه 29 نيزكًا يُعتقد أنها انفصلت عن المريخ منذ نحو 10 ملايين سنة تم العثور عليها حتى اليوم، مما يدعم نظرية حدوث تصادم ضخم على سطح الكوكب الأحمر في تلك الفترة.


صورة مجهرية بصرية تُظهر أن معدن الأوليفين داخل ”ياماتو 000593“ قد تحوّل جزئيًا إلى معادن طينية. (بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)

كشف أسرار النظام الشمسي

”ياماتو 000593“ هو واحد فقط من عدة نيازك يُعتقد أنها نشأت على سطح المريخ. وتُعد مجموعة النيازك القطبية التي يحتفظ بها المعهد الوطني للبحوث القطبية ذات قيمة علمية لا تُقدّر بثمن. العديد من العينات تُصنّف ضمن النيازك ”البدائية“، التي تشكّلت قبل حوالي 4.6 مليار سنة — وهي نفس الفترة التي يُعتقد أن النظام الشمسي قد تشكّل فيها. لذلك، فإن هذه النيازك تُعد أشبه بأحفوريات من أصل النظام الشمسي، تحتفظ في داخلها بمركّبات من الغبار والغاز الذي كان موجودًا قبل تكوّن الكواكب.

تحليل هذه النيازك قد يساعد في الإجابة عن أسئلة جوهرية مثل: كيف تشكّلت الشمس والكواكب؟ وكيف نشأت المركّبات العضوية التي أدت إلى ظهور الحياة على الأرض؟ كل نيزك يُعد قطعة مهمة في أحجية ولادة النظام الشمسي.

كما ستكون هذه المجموعة مهمة جدًا كمجموعة مرجعية عند تحليل العينات التي جلبها مسبار ”هايابوسا 2“ من الكويكب ”ريوغو“. فمقارنة مركّبات ذات أصول مختلفة، ولكن من نفس الحقبة الزمنية، سيُساعد على فهم مدى تنوع وتطوّر المادة في النظام الشمسي.

لا يزال الفريق الياباني يواصل بحثه عن نيازك في القارة القطبية الجنوبية، في مجال علمي يتطور باستمرار مع تطور تقنيات التحليل، واعدًا باكتشافات جديدة في المستقبل.

كن شاهداً على عظمة هذا الكون بنفسك

يمكنك مشاهدة النيزك ”ياماتو 000593“ في معرض إكسبو 2025 في أوساكا – كانساي. هذا الحجر الاستثنائي ليس مجرد صخرة، بل رسولٌ من المريخ، وُلد قبل 1.3 مليار سنة، وقضى 10 ملايين سنة في الفضاء قبل أن يستقر على جليد القارة القطبية الجنوبية ويكتشفه مستكشفون يابانيون.

يحتوي هذا النيزك في داخله على سجل لمياه المريخ القديمة وتاريخ تطور النظام الشمسي.

أتمنى أن تتاح لك الفرصة لرؤية هذا الجزء من المريخ بنفسك. فتجربة رؤيته وملمسه والقصة الملحمية التي يحملها ستمنحك منظورًا جديدًا حول اتساع الكون، وعظمة كوكب الأرض، وروح الاكتشاف التي تحرك الإنسان.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: النيزك ”ياماتو 000593“ تم اكتشافه بواسطة مستكشفين يابانيين في القارة القطبية الجنوبية. بإذن من المعهد الوطني للبحوث القطبية)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | من المريخ إلى أوساكا… نيزك ضخم في جناح اليابان يسرد قصة نشأة الكون! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :