في خطوة تعكس تحوّلًا استراتيجيًا لافتًا، اتفقت بريطانيا وفرنسا على تنسيق الجوانب التشغيلية لترسانتيهما النوويتين، في مسعى لتعزيز ما يشبه ”المظلة النووية الأوروبية“. ويأتي هذا القرار كرد مباشر على تصاعد التهديدات الروسية، إلى جانب المخاوف من احتمال تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الأمنية تجاه القارة العجوز.
بين الشكوك والبحث عن بدائل: تراجع الثقة بالمظلة النووية الأميركية
منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بداية العصر النووي، اعتمدت أوروبا تقليديًا حصريًا على ”الردع الموسع“ الأمريكي ضد الترسانة النووية السوفيتية، ثم الروسية لاحقًا. إلا أن الدول الأوروبية تفقد ثقتها بسرعة في موثوقية هذه ”المظلة النووية“، وتبحث عن خيارات أخرى للردع ضد التهديدات النووية. ولا يعود هذا فقط إلى التهديدات النووية الروسية المتكررة ضد الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا، بل هو أيضًا نتيجة لتجاهل الإدارة الأمريكية الثانية للرئيس دونالد ترامب للدفاع الأوروبي، وتجاهلها المتزايد للتحالفات عالميًا.
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من بادر بالدفع نحو نهج أوروبي أكثر استباقية للردع النووي، مقترحًا تعزيز التعاون النووي بين فرنسا وبريطانيا. وفي خطابٍ للأمة الفرنسية في مارس/ آذار 2025، حدد ماكرون خططًا لتعزيز التعاون الأمني في أوروبا، مؤكدًا أن ”مستقبل أوروبا لا يجب أن يُقرر في واشنطن أو موسكو“.
أعلن الرئيس ماكرون أيضًا عن إمكانية توفير فرنسا الحماية ”لحلفائنا في القارة الأوروبية من خلال ردعنا“، مما أثار في جوهره إمكانية توفير فرنسا مظلتها النووية الخاصة في حال تعثر الردع الأمريكي الموسع. بدأ ماكرون المشاورات في يونيو/حزيران، وهو الشهر نفسه الذي أصدر فيه رئيس الوزراء البريطاني كيث ستارمر مراجعة الدفاع الاستراتيجي لحكومته، والتي مهدت الطريق للندن لتولي ”مسؤولية أكبر عن الدفاع الأوروبي“ استنادًا إلى نهج ”الناتو أولًا“.
في 10 يوليو/تموز، التقى رئيس الوزراء ستارمر بالرئيس ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا، وأصدر الزعيمان إعلان نورثوود. ويوضح الإعلان أنه لا توجد حالة ”يمكن فيها تهديد المصالح الحيوية لفرنسا أو المملكة المتحدة دون أن تتعرض المصالح الحيوية للطرف الآخر للخطر أيضًا“، وأنه ”لا يوجد تهديد خطير لأوروبا لا يستدعي ردًا من بلدينا“. وقد ألزم البيان المشترك الجانبين بالتنسيق في ”السياسات والقدرات والعمليات النووية“.
مجموعة التوجيه النووي بين المملكة المتحدة وفرنسا
كانت معاهدات لانكستر هاوس للتعاون الدفاعي والأمني لعام 2010 بمثابة الباب الأول للتعاون بين المملكة المتحدة وفرنسا في مجال التكنولوجيا والبحوث المتعلقة بالمجال النووي. ومع ذلك، فإن إعلان نورثوود لعام 2025 يمثل المرة الأولى التي يلتزم فيها البلدان بأكثر من التعاون البحثي ويتفقان على التعاون في العمليات النووية. وسيتم إنشاء مجموعة توجيهية نووية بريطانية فرنسية، بقيادة رئاسة الجمهورية الفرنسية ومكتب مجلس الوزراء البريطاني، لتوفير التوجيه السياسي بهدف تعميق التنسيق والتعاون في مجالات العمليات النووية وإدارتها وقدراتها واستراتيجيتها وسياساتها.
بينما تحتفظ كلتا الدولتين بالقرار النهائي بشأن استخدام أسلحتهما النووية، فإن التعاون في العمليات والإدارة بين لندن وباريس سيمكّن الشريكين من تقاسم وتوجيه ضربات فعّالة ضد التهديدات المشتركة، مما يعزز قوة الردع.
وتجدر الاشارة إلى أن كلاً من المملكة المتحدة وفرنسا بحوزتهما أربع غواصات استراتيجية مزوّدة بصواريخ باليستية عابرة للقارات (SSBNs) بمدى يقارب 10 آلاف كيلومتر. كما تمتلك المملكة المتحدة 225 رأسًا نوويًا، بينما بحوزة فرنسا نحو 290 رأسًا. وعلى الرغم من أن هذا العدد أقل بكثير مقارنةً بما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث يمتلكان نحو 4000 إلى 5000 رأس نووي. إلا أن فرنسا وبريطانيا قادرتان بشكل جماعي على توجيه أضرار جسيمة لأي خصم يهدد وجودهما.
مع أن إعلان نورثوود نفسه تجنب تسمية دول محددة، إلا أن المراجعة الاستراتيجية الوطنية الفرنسية الأخيرة، الصادرة في 14 يوليو/تموز، حددت روسيا بوضوح باعتبارها التهديد الرئيسي للأمن الأوروبي و”التهديد الرئيسي والدائم لمصالح فرنسا وحلفائها“. وهذا يوضح أن التركيز النووي للتحالف البريطاني الفرنسي المعزز ينصب على روسيا ونظام فلاديمير بوتين.
تعاون ألمانيا مع المملكة المتحدة وفرنسا
في خضمّ تكثيف الحوار حول تنسيق العمليات النووية، تسعى ألمانيا، وهي قوة غير نووية، إلى تعزيز علاقاتها مع بريطانيا وفرنسا. في مايو/أيار، دعا الرئيس ماكرون المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى باريس لإجراء محادثات، حيث أكّدا التزامهما بقيادة فرنسا وألمانيا لاستقلالية أمنية أوروبية أكبر. كما اتفق الزعيمان على إنشاء مجلس دفاع وأمن فرنسي-ألماني مُكلّف بتنسيق الاستجابات العملياتية ”للتحديات الاستراتيجية المشتركة“.
كما زار المستشار ميرتس في وقت لاحق من يوليو/تموز، المملكة المتحدة ليوقّع أول معاهدة دفاع ثنائية بين ألمانيا وبريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث تلتزم هذه المعاهدة بوضوح بتقديم المساعدة الأمنية المتبادلة بين لندن وبرلين في حال تعرض أي منهما لهجوم، كما تقرّر تعزيز التعاون الثلاثي مع فرنسا.
خلال زيارته لفرنسا في مايو/أيار، أثار المستشار ميرتس، على ما يبدو، مسألة تعزيز التعاون النووي بين بريطانيا وفرنسا خشية إهمال إدارة ترامب لتحالفاتها. الدول الثلاث أعضاء قياديون في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجميعها مشمولة بالفعل بالتزامات الدفاع المشترك للناتو. ومع ذلك، فإن تعهد العواصم الثلاث بالتنسيق والتعاون الثلاثي، إلى جانب التزاماتها تجاه الناتو، يُظهر استعدادها للرد على أي ابتعاد أمني أمريكي عن أوروبا أو تخليها عنها.
التنسيق الثلاثي والتحديات التي تواجهه
إذا تولت هذه القوى الأوروبية الثلاث زمام المبادرة في تعزيز مفهوم ”المظلة النووية“ الأوروبية، فسيكون ذلك بمثابة نقطة تحول تاريخية، ليس فقط في موقف الردع النووي الأوروبي، بل في تاريخ حلف الناتو نفسه. في الواقع، عارضت إدارة بوتين بشدة هذا التنسيق، واصفة إياه بتهديد خطير.
من المهم أن نتذكر أن فرنسا لا تشارك حاليًا في مجموعة التخطيط النووي، وهي هيئة تضم وزراء دفاع تُنسق ”المشاركة النووية“ لحلف الناتو. وهذا يعكس موقف فرنسا المستقل الراسخ الذي يعود إلى عهد شارل ديغول في ستينيات القرن الماضي. لطالما دعا ماكرون نفسه إلى ”الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي“ كوسيلة لإبقاء فرنسا على مسافة استراتيجية من الولايات المتحدة.
على النقيض من ذلك، تُولي بريطانيا أهمية كبيرة لعلاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة، وقد اعتمدت تاريخيًا التنسيق مع كلٍّ من واشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو). أما ألمانيا، العالقة بين الطرفين، فلديها علاقة معقدة مع الولايات المتحدة، نظرًا لأهميتها الجيوسياسية كدولة مضيفة لغالبية القوات الأمريكية المتمركزة في أوروبا.
مع ذلك، سيُشكّل العمل معًا للمساهمة في السلام والاستقرار الأوروبي تحديًا. وسيتطلب وضع خطة عملية للتعاون النووي في حال انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا التنسيق وحل الخلافات الجوهرية بين هذه الدول الثلاث.
لا تقتصر أهمية التعاون النووي المقترح على أوروبا. ومن المتوقع أن تنتهي معاهدة ستارت الجديدة لخفض الأسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2011، في فبراير/شباط من العام المقبل بسبب تعليق إدارة بوتين لتنفيذها. إضافةً إلى ذلك، من المتوقع أن يصل مخزون الصين من الرؤوس الحربية النووية إلى مستوى مماثل تقريبًا لمخزون الولايات المتحدة وروسيا بحلول ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، نظرًا لتسارع وتيرة تسلحها النووي. في ذلك الوقت، سيدخل العالم حقبةً من الخطر غير المسبوق، حيث تُشكل ثلاث قوى نووية كبرى تحديًا غير مسبوق للاستقرار النووي بدلًا من اثنتين.
وفي نهاية المطاف، فإن نجاح أو فشل التعاون النووي بين المملكة المتحدة وفرنسا في سياق الديناميكيات النووية المتغيرة في أوروبا والعالم قد يكون له تأثير كبير على الأمن النووي في اليابان في السنوات القادمة.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: رئيس الوزراء البريطاني كيث ستارمر (إلى اليسار) والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحفي مشترك قرب لندن في 10 يوليو/تموز 2025. © أ ف ب/ جيجي برس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | مرحلة جديدة للتعاون الأمني الأوروبي؟ بريطانيا وفرنسا تُنسقان العمليات النووية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :