يُعد توشوساي شاراكو من أكثر الأسماء إثارةً للجدل والغموض في تاريخ الفن الياباني. فعلى الرغم من أن نشاطه الفني لم يدم سوى أقل من عام واحد، إلا أن ما خلّفه من لوحات بارعة تجسّد صورًا شخصية لممثلي المسرح الكابوكي منحته مكانة خالدة بين عظماء فن الأوكييو-إي. تميّزت أعماله بقدرتها على التقاط أدق ملامح التعبير الإنساني، من الحدة والدهاء إلى الهشاشة والانفعال، مما جعلها مختلفة عن أي أعمال أخرى في عصره، وأكسبته شهرة تتجاوز حدود زمانه.
مجهول تماما
في أوائل صيف عام 1794 أصدر رائد النشر الياباني تسوتايا جوزابورو دفعة واحدة 28 لوحة كبيرة تصور ممثلين، مزخرفة بخلفيات أنيقة من مسحوق الميكا الأسود. والفنان هنا كان مجهولا يدعى توشوساي شاراكو. لم يكن هناك من قبل لوحات لممثلين بخلفيات كهذه، ومع جرأة التصاميم يمكن تصور مدى التأثير الذي أحدثته.
كان عالم المسرح في إيدو (طوكيو حاليا)، مشهورا بكونه مكانا تتدفق إليه الأموال باستمرار. وفي عصر كانسي الزاخر بالحياة الثقافية (1789–1801) الذي نشط فيه شاراكو، قد يتخيل المرء أن فن الكابوكي بلغ أوج ازدهاره، لكن الواقع كان عكس ذلك. إذ إن إصلاحات كانسي التي أطلقها ماتسودايرا سادانوبو كبير مستشاري الشوغون ضيقت الخناق الاقتصادي على المسارح الثلاثة المرخصة في إيدو، ما أدى إلى توقف نشاطها، وبحلول عام 1794 (كانسي 6) اقتصرت العروض على أماكن بديلة بتراخيص مؤقتة. غير أن الأزمة كانت أيضا بابا للفرص. فقد بحث مديرو المسارح وبيوت الشاي المرتبطة بها والمستثمرون عن وسائل دعائية جديدة. وبعد حريق كبير في الربيع كان سببا في عرقلة العروض بحي المتعة يوشيوارا، قرر تسوتايا – الذي كان يسعى لدخول مجال جديد – أن يعطي شاراكو فرصة.
لكن بعد 10 أشهر فقط من ظهوره الأول اختفى شاراكو من السجلات التاريخية، بعدما قدم إنجازا استثنائيا تمثل في إنتاج أكثر من 140 مطبوعة للنشر في أقل من عام. وقد يبدو للوهلة الأولى أن من السهل تتبع فنان بارع كهذا، لكن الأمر لم يكن كذلك. ففي فترة إيدو (1603–1868) كانت المكانة الاجتماعية هي كل شيء، ولم يكن فنانو أوكييو-إي يعدون فنانين حقيقيين. فقد اعتبرت مطبوعاتهم المنتجة بقوالب خشبية والتي كانت متاحة لعامة الناس، سلعا زائلة، حتى أنه كانت تستخدم كلمتان مختلفتان تميزان رسامي أوكييو-إي (غاكو) عن الفنانين الأعلى مكانة الذين كانوا يعملون لدى الحكومة الشوغونية (إشي). نحن لا نعرف سوى القليل عن حياة سوزوكي هارونوبو رائد مطبوعات نيشيكي-إي الملونة بالكامل، ولا عن كيتاغاوا أوتامارو المعاصر لشاراكو. ويبدو أن الناس في فترة إيدو لم يكن لديهم اهتمام كبير بحياة رسامي فناني المطبوعات بقوالب خشبية.
من دون مجاملة
لم تكن أعمال شاراكو مجرد صور شخصية بسيطة. فقد جسدت الممثلين أثناء أدائهم، بل كان من الممكن حتى تمييز المشهد نفسه. وهذه الأعمال التي تتطابق فيها الهيئة والتعبير مع الأداء يمكن تقسيمها عموما إلى أربع فترات زمنية.
المرحلة الأولى كانت في أوائل صيف عام 1794 حين أنجز شاراكو 28 لوحة كبيرة تصور فناني كابوكي في مسرح بديل. كانت جميعها مطبوعات نيشيكي-إي بخلفيات من مسحوق الميكا الأسود، يبلغ طولها نحو 37 سنتيمترا وعرضها 25 سنتيمترا، وهي أوكوبي-إي لا تظهر سوى الرأس. ومن بينها 5 مطبوعات تضم اثنين من الممثلين.
مطبوعة ”ساندايمي سانوغاوا إيتشيماتسو نو غيونتشو نو هاكوجين أونايو (الممثل سانوغاوا إيتشيماتسو الثالث في دور بائعة الهوى غيون أونايو)“ (إلى اليسار) تصور مؤديا ذا ملامح رجولية. أما مطبوعة ”إيتشيكاوا إبيزو نو تاكيمورا سادانوشين (الممثل إيتشيكاوا إبيزو في دور تاكيمورا سادانوشين)“ فتعكس أداء عميقا لأحد نجوم جيله. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
كانت أوكوبي-إي شبيهة بالصور التجارية لنجوم السينما التي أنتجت لاحقا، وكان من المعتاد أن يحرص الفنانون على إرضاء المعجبين الذين يشترون هذه المطبوعات أكثر من التزامهم بدقة صورة الممثلين على المسرح. لكن شاراكو لم يبد أي مجاملة لهؤلاء المعجبين، بل رسم صورا واقعية للغاية تضخم ملامح الممثلين.
فعلى سبيل المثال، استندت ثنائياته مثل ”إدوبي“ و ”إيبّي“ أو ”ماتسوشيتا ميكينوشين“ و ”شيغا دايشيتشي“ إلى مشاهد درامية على نحو خاص.
”ساندايمي أوتاني أونيجي نو إدوبي (الممثل أوتاني أونيجي الثالث في دور إدوبي)“ (إلى اليسار) و ”شوداي إيتشيكاوا أوميزو نو ياكّو إيبّي (الممثل إيتشيكاوا أوميزو في دور ياكّو إيبّي)“. يهاجم إدوبي الخادم إيبّي ليسرق المال الذي يحمله. وربما أدى أونيجي هذه الوضعية قبل العرض، إذ صورتها أيضا أعمال لفنانين آخرين. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
”شوداي أونوي ماتسوسوكي نو ماتسوشيتا ميكينوشين (الممثل أونوي ماتسوسوكي في دور ماتسوشيتا ميكينوشين)“ (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس) (إلى اليسار) و ”ساندايمي إيتشيكاوا كومازو نو شيغا دايشيتشي“ (الممثل إيتشيكاوا كومازو الثالث في دور شيغا دايشيتشي)“ (بإذن من معهد شيكاغو للفنون). تهاوت المنزلة الاجتماعية لميكينوشين وبات يعاني الفقر والمرض، بينما دايشيتشي هو الشرير الذي يقتله.
لقد برع شاراكو في تصوير حركات الممثلين وإيماءاتهم، بما في ذلك الأيدي الممسكة بالسيوف أو الأصابع المتباعدة، إضافة إلى طبيعة الشخصيات التي يجسدونها. وكانت الخلفيات السوداء من الميكا فعالة في إبراز هؤلاء الممثلين.
تلاشي الطابع الفردي
الصور التي صدرت في المرحلة الثانية لشاراكو في أواخر صيف وخريف عام 1794، كانت كلها لوحات شخصية لكامل الجسم. وكانت بالحجم التقليدي بطول نحو 33 سنتيمترا وعرض 15 سنتيمترا ورسمت من دون خلفيات. وفي كثير من الحالات كان يمكن جمع الصور الفردية لتشكيل مشهد مسرحي. وغالبا ما تميزت باستخدام شاراكو لخطوط منحنية للتعبير عن الحركة والوضعية.
وكانت اللوحات الشخصية الكبيرة من هذه الفترة بخلفيات من الميكا، ويُبرز تركيبها التأثير البصري للدوائر والمثلثات، مثل جمع شخصيتين لتشكيل قوس أو وضعهما على أحد جانبي خط قطري. وعلى خلاف الأسلوب المهيب للمرحلة الأولى، جاءت الأزياء في المرحلة الثانية بألوان زاهية تتناغم مع الخلفيات البيضاء أو الصفراء، فيما كانت الزخارف المفصلة تلفت الأنظار. وربما كان تسوتايا يسعى لتوسيع الشريحة المستهدفة بالتركيز على مطبوعات زهيدة الثمن.
”شينوزوكا أورايمون نو ميياكوزا كوجوزو (شينوزوكا أورايمون يقرأ المقدمة في مسرح ميياكوزا)“. بدلا من سرد تفاصيل عرض الكابوكي الذي سيتم تقديمه، يعلن النص المكتوب هنا على ورقة يمسكها مدير المسرح عن سلسلة ثانية من اللوحات نشرها تسوتايا. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
لوحة ”ساندايمي أوتاني أونيجي نو كاواشيما جيبوغورو (الممثل أوتاني أونيجي الثالث في دور كاواشيما جيبوغورو)“ (إلى اليسار) و ”ساندايمي ساوامورا سوجورو نو ناغويا سانزا موتوهارو تو ساندايمي سيغاوا كيكونوجو نو كيسي كاتسوراغي (الممثلون ساوامورا سوجورو الثالث وناغويا سانزا موتوهارو وسيغاوا كيكونوجو الثالث بدور المحظية كاتسوراغي)“. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
وجاءت المرحلة الثالثة لشاراكو حوالي نهاية عام 1794، حيث صور فعاليات ”كاؤميسي (إظهار الوجه)“ لعروض الكابوكي التي ستتم في ذلك الوقت من العام، والتي يتم فيها تقديم ممثلين جدد. وقد أنجز عددا كبيرا نسبيا من الصور بلغ 58 عملا معروفا، لكن الكثير منها لم يبق أي نسخة منه أو بقيت نسخة واحدة فقط، ما يدل على ضعف النجاح التجاري. افتقدت هذه الأعمال وضوح شاراكو المعتاد، وتقلص فيها الطابع الفردي. ويبدو أنها أنجزت كصور تذكارية لممثلين مشهورين إذ تضمنت أسماءهم المسرحية وأسماءهم الأدبية. وقد كانت ذات مدى محدود من التعبير وبطابع مسطح ورسمي، ولا سيما إذا ما قورنت بأعمال المرحلة الأولى التي منحت إحساسا دراميا بالشخصيات التي يؤديها الممثلون.
”ساكاييا شوكاكو“ (إلى اليسار) و ”ساندايمي ساوامورا سوجورو نو كوجاكو سابورو ناريهيرا (الممثل ساوامورا سوجورو الثالث في دور كوجاكو سابورو ناريهيرا)“ تظهران مستوى غير مألوف من التركيز ضمن أعمال المرحلة الثالثة. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
ولم يبق من المرحلة الرابعة لشاراكو سوى 10 صور، تصور ممثلين في مسرحيات كيوغين الكوميدية الخاصة برأس السنة وفق التقويم التقليدي والتي عرضت في أوائل عام 1795. وفي حين اكتفت أعمال المرحلة الثالثة بخلفيات انطباعية، جاءت لوحات المرحلة الرابعة أكثر عناية بتصوير الديكور المسرحي، لكن الأزياء وخطوط الشخصيات أصبحت رتيبة.
وقد رسمت هذه اللوحات مسبقا ونشرت لتتزامن مع اليوم الأول من العروض. وهي آخر أعمال شاراكو قبل اختفائه المفاجئ بعد أقل من عام على ظهوره الأول. وفي تحول جذري عن انطلاقته الفنية المبهرة لم يبق أي أثر للطابع الفردي القوي الذي كان يميزه. فالصور العشر الباقية للممثلين تعطي انطباعا بالاستعجال وعدم الاكتمال، موحية بفشل المشروع التجاري. كما أن تغير الأسلوب عن المرحلة الثالثة يفتح باب الظن بأن فنانا آخر كان يرسم تحت اسم شاراكو.
من اليسار: ”نيدايمي باندو ميتسوغورو نو سوغا نو غورو توكيموني (الممثل باندو ميتسوغورو الثاني في دور سوغا نو غورو توكيموني)“ و ”ساندايمي ساوامورا سوجورو نو سوغا نو جورو سوكيناري (الممثل ساوامورا سوجورو الثالث في دور سوغا نو جورو سوكيناري)“ و ”ساندايمي باندو هيكوسابورو نو كودو سايمون سوكيتسوني (الممثل باندو هيكوسابورو الثالث في دور كودو سايمون سوكيتسوني)“، وهم يشكلون معا مشهدا من قصة للعام الجديد عن الأخوين سوغا. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
”دايدوزان بونغورو نو غوبان أغي (دايدوزان بونغورو يحمل لوح لعبة غو)“ وهذه الصورة ليست لممثل بل لطفل ضخم شهير هو أحد أبطال مصارعة السومو. (بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
إعادة الاكتشاف في أوروبا
”رسم شاراكو صورا لممثلي الكابوكي، لكنه حاول أن يصورهم بواقعية مفرطة، فجاءت رسوماته سيئة إلى درجة أنها لم تلق اهتماما وانتهى أمرها بعد عام أو عامين“.
بهذا الوصف ظهر شاراكو في كتاب ”أوكييو-إي رويكو (أفكار متنوعة حول أوكييو-إي)“ للكاتب أوتا نانبو حوالي عام 1798. وما زالت كثير من أعمال مجموعة شاراكو الأولى محفوظة، ما يشير إلى أن عددا كبيرا منها طبع بالفعل، لكن يبدو أن عدد الأعمال اللاحقة المنشورة قد انخفض. ويبدو أن المغامرة التجارية الكبرى التي خاضها تسوتايا لم تحقق أرباحا، فانقطع عنه الداعمون وانتهى المشروع إلى الفشل. وكان أسلوب شاراكو بعيدا عما يريده عشاق الكابوكي في ذلك العصر، فكان طبيعيا أن تكون مسيرته الفنية قصيرة.
نشر المؤرخ الفني الألماني والمحب لليابان يوليوس كورث كتاب ”شاراكو“ عام 1910 درس فيه أعمال هذا الفنان. وجاء ذلك في سياق حماس غربي متزايد تجاه أوكييو-إي، بعد أعمال الناقد الفني الفرنسي إدمون دو غونكور عن أوتامارو (1891) وهوكوساي (1896). ومن المرجح أن كورث وأوروبيين آخرين لم يكونوا على دراية بالكابوكي، وجدوا في أعمال شاراكو صورا آسرة تكشف عن مشاعر داخلية، أكثر من كونها مجرد صور لممثلين محبوبين. واليابانيون المعاصرون أصبحوا يقدرونها بنفس الطريقة.
وبناء على إضافات لاحقة إلى ”أفكار متنوعة حول أوكييو-إي“ كتبها أمثال سانتو كيودين وشيكيتي سانبا، إضافة إلى مصادر أخرى من فترة إيدو، يغلب الظن اليوم أن شاراكو هو ممثل فن ”نو“ سايتو جوروبي من إقطاعية أوا توكوشيما (التي تشكل الآن محافظتي توكوشيما وهيوغو).
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 24 يونيو/حزيران عام 2025. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان أنجزت باستخدام أعمال شاراكو. بإذن من المتحف الوطني بطوكيو/كولبيس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | من هو توشوساي شاراكو؟ الفنان الغامض وراء أشهر بورتريهات المسرح الياباني لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :