اليابان | الشتات المنقسم: لماذا يتصاعد التوتر بين الصينيين المقيمين في اليابان؟

يشهد عدد المقيمين الصينيين في اليابان ارتفاعًا مطّردًا، مقتربًا من حاجز 900 ألف شخص، ليشكلوا بذلك أكبر جالية أجنبية في البلاد. ورغم أن كثيرين منهم قدموا بحثًا عن فرص جديدة أو هربًا من التحديات الاقتصادية في وطنهم، فإن الموجة الجديدة من الوافدين تحمل رؤى مختلفة حول معنى الاندماج والتكيّف مع المجتمع الياباني، ما يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول ملامح التعايش الثقافي في اليابان المعاصرة.

غطرسة في غير محلها

وانغ، رجل صيني في الثلاثينيات من عمره يدير شركة استشارية في طوكيو، يُعبّر عن غضبه قائلاً: ”يتصرف الوافدون الجدد دائمًا كما لو كانوا أغنى وأفضل منا، ويُصرّون على أن تتم معاملتهم بتبجيل وتوقير. إنه أمر مُزعج حقًا.“

كان وانغ (اسم مستعار، كغيره من الأسماء المُستخدمة في هذه المقالة) يتحدث عن شخص بعينه، وهو تشن صيني الجنسية الذي جاء لإقامة قصيرة في اليابان، حيث كان يأمل في الهجرة. وقد قدّمه أحد معارفه إلى وانغ باعتباره مصدراً قيّماً للنصائح حول ممارسة الأعمال التجارية في البلاد. إلا أن وانغ بدأ ينزعج من غطرسة تشن حتى قبل وصول الأخير إلى اليابان.

في البداية، طلب تشن أن يُستقبل في مطار ناريتا. كما اختار صالة في فندق فاخر في طوكيو لتكون موقعاً لعقد اجتماع العمل بينهما. وعندما رفض وانغ استقبال تشن، مُتذرّعًا بجدول أعماله المزدحم، انزعج تشن، كما انتقد لاحقًا ديكور الفندق الذي التقيا فيه ووصفه بأنه ”قديم الطراز“، وبدأ يشكو من اليابان بشكل عام.

ويشير وانغ إلى أن ”هذا هو تحديداً سلوك الأثرياء الصينيين. ففي الطريقة الصينية لإدارة الأعمال، يتصرف المرء كما لو كان أفضل من الآخرين، ويوضح أن الآخرين بحاجة إلى “الاستماع إلى المال”. لم يكن هذا فقط ما أزعجني، بل شعرت أنه يسخر من اليابان أيضًا“.

ظاهرة ”الهروب من الصين“

لطالما كنتُ مراقبًا للمجتمع الصيني والجالية الصينية في اليابان. وكما أشرتُ في مقال سابق، ينتمي العديد من الصينيين الذين يعيشون في اليابان اليوم إلى جيل من المهاجرين الذين قدموا إلى اليابان بعد إصلاحات ”الانفتاح“ الصينية عام 1978، بشكل عام من أجل التعليم أو فرص العمل. كانت هذه الفترة، من ثمانينيات القرن الماضي إلى أوائل القرن الحادي والعشرين، لا تزال فترة تفاوت اقتصادي كبير بين اليابان والصين، وقد واجه هذا الجيل صعوبات مالية كبيرة في سعيه للاندماج في وطنه الجديد. تعلم الكثيرون اللغة اليابانية للدراسة والعمل، وسعوا جاهدين للعيش وفقًا لقواعد المجتمع الياباني.

لكن الوضع تغير مع بدء الصين في تحقيق التكافؤ الاقتصادي مع اليابان، بل وتجاوزها من حيث الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010. وفي عام 2015 تقريبًا، وبينما كانت موجة ”باكوغاي“ وهو مصطلح ياباني يُستخدم لوصف التسوق المكثف من قبل السياح الصينيين، في أوجها، شهدنا نقطة تحول. حيث بدأ الصينيون ذوو الموارد الاقتصادية الكبيرة بالهجرة إلى اليابان واحدًا تلو الآخر. وقد كانت جائحة سبباً في تسارع وتيرة الهجرة. واليوم، لم يعد الدافع الرئيسي للهجرة إلى اليابان من الصين هو الدراسة أو فرص العمل، بل ”الهروب من الصين“.

يأتي العديد من هؤلاء ”الوافدين الجدد“ إلى اليابان بتأشيرة عمل لممارسة أنشطة تجارية، بل وحتى لتأسيس شركاتهم الخاصة. في يونيو/حزيران 2024، بلغ عدد الصينيين الذين قدموا إلى اليابان بتأشيرة عمل حوالي 20 ألفًا، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد المسجل في عام 2015. ومع ذلك، يعتمد الكثيرون على الأشخاص الذين يعيشون في اليابان لأكثر من 10 سنوات، والذين يعرفون اليابان واللغة جيدًا، لممارسة أنشطة أعمالهم في اليابان. إلا أن المقيمين الصينيين القدامى في اليابان، والذين يعرفون المجتمع الياباني ويتحدثون اليابانية، لا يرحبون بالوافدين الجدد كما هو متوقع. يكمن السبب في مواقف الوافدين الجدد التي غالبًا ما تُنفّر المقيمين القدامى. يُشير وانغ إلى أن الوافدين الجدد قد يبدون مُتسلطين للغاية، ”ويُحاولون دائمًا فرض أسلوبهم الصيني“ أينما ذهبوا. في الواقع، هناك توتر متزايد بين المقيمين الصينيين القدامى ومواطنيهم من الوافدين الجدد إلى اليابان.

الفجوة بين أجيال الصينيين المقيمين في اليابان

في يونيو/حزيران من هذا العام، تصدّر مالك صيني لمبنى سكني في طوكيو عناوين الأخبار لقيامه برفع قيمة الإيجار فجأةً مرتين ونصف، وإغلاق المصعد أملاً في إبعاد السكان. ليس من الواضح ما إذا كان المالك وافدًا جديدًا أم لا، لكن تشانغ، المقيم الصيني في اليابان منذ أكثر من 20 عامًا، يُبدي استغرابه من مثل هذا السلوك التخريبي الذي ينتهجه مواطنوه.

كما يُشير تشانغ إلى أن العديد من المهاجرين الصينيين الجدد ينظرون بازدراء إلى اليابان نظرًا لركود اقتصادها. ويرى أن المشاكل التي تناقلتها وسائل الإعلام تتشابه مع مزاعم قيام الوافدين الجدد بشراء شقق الأبراج الفاخرة. ففي السابق، كان شراء العقارات عالية القيمة لأغراض الاستثمار بدلًا من السكن ممارسة شائعة في الصين، حيث كان الناس يحاولون الاستفادة من الارتفاع المستمر في أسعار العقارات. وتتم الآن ممارسة طريقة المضاربة هذه لبناء الثروة في اليابان. كما تستحوذ الشركات على العقارات للتوسع في قطاع السكن الخاص قصير الأجل والمربح للغاية. يمتلك بعض الصينيين المقيمين في اليابان، مثل تشانغ، عقارات متعددة. ومع ذلك، لم يكن هدفهم أبدًا رفع الأسعار بالمضاربة. يقول تشانغ: ”لقد عملنا بجد، تمامًا كاليابانيين، وفي النهاية تمكنا من شراء هذه الأصول لنضمن أمننا“.

مع ذلك، عندما يركز الإعلام حصريًا على رواية ”شراء الصينيين للشقق السكنية“، فقد ينقل رسالة غير متوازنة، إذ يجهل الكثير من اليابانيين الخصائص المتنوعة للجالية الصينية في اليابان، بما في ذلك الاختلافات بين الأجيال. وبينما يؤكد تشانغ أن هذا ليس الأسلوب الذي يتبعه كل الوافدين الجدد، إلا أنه لا يزال يشعر بعدم الارتياح تجاه اعتباره محسوباً عليهم: ”بصفتي صينيًا، لدي مشاعر مختلطة“.

نية ضئيلة للتكامل والاندماج

مع ذلك، لا يكترث بعض الوافدين الجدد بمشاعر المقيمين القدامى، ولا يُفكّرون بعمق في ارتباطهم باليابان. بخلاف الجيل الأكبر سنًا، الذي يمتلك فهمًا بديهيًا للمجتمع الياباني من خلال اندماجه في المدارس والشركات اليابانية، يبدو أن بعض هؤلاء الوافدين الجدد لا يشعرون بحاجتهم للاندماج في المجتمع الياباني.

تتجلى فجوة أخرى بين الجيلين القديم والجديد من المهاجرين الصينيين في طريقة تربية أبنائهم وتعليمهم في اليابان. فقد كان السكان الأصليون يرسلون أبناءهم إلى المدارس الحكومية المحلية في المناطق التي استقروا فيها. وفي المقابل، كانوا يشجعون أبناءهم على الالتحاق بالمدارس الإعدادية والثانوية والجامعية بعد تأقلمهم مع المجتمع الياباني.

من ناحية أخرى، يجمع الوافدون الجدد، قبل انتقالهم إلى اليابان، معلومات عن البيئة التعليمية اليابانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية. وبناءً على ذلك، يختار الكثيرون مناطق مثل بونكيو في طوكيو، حيث تُعتبر جودة التعليم عالية، لشراء العقارات. ويرسلون أطفالهم بشكل منهجي إلى مدارس تحضيرية مرموقة وجامعات مرموقة، في ممارسة قد تُعتبر محاولةً ”للتلاعب بالنظام“.

يُقر هوانغ، وهو وافد جديد حصل على تصريح للإقامة في اليابان، قائلاً: ”لا أتحدث اليابانية كثيرًا، وليس لديّ أي معارف من اليابانيين. فأنا مشغول جدًا بالسفر ذهابًا وإيابًا بين الصين واليابان للعمل، لدرجة أنني لم أفكر يومًا في الاندماج بشكل حقيقي هنا“. للأسف، لا يُوحي كلام هوانغ بنيّة الانضمام إلى المجتمع الياباني والمساهمة في بناء اليابان. ربما يكون هذا طبيعيًا، فالعديد من الوافدين الجدد يختارون الهجرة إلى اليابان بحثًا عن العمل والأمن.

جدير بالذكر أن هونغ كونغ أيضًا تحتضن عددًا كبيرًا من المهاجرين الصينيين من البر الرئيسي. ويُطلق على المهاجرين الجدد الأثرياء هناك اسم ”سكان هونغ كونغ الجدد“. فهم يعيشون في بيئة أفضل من سكان هونغ كونغ القدامى، ويُرسلون أطفالهم إلى مدارس مرموقة. حتى أن بعضهم ينظر إلى سكان هونغ كونغ القدامى بازدراء، مما يُثير التوتر بين المجموعتين.

بالطبع، لا تعني هذه المقارنة البسيطة أن الوضع متشابه في كل من هونغ كونغ واليابان، لكنهما متشابهان في أن الوافدين الجدد يُصرّون على اتباع الطريقة الصينية في إدارة الأمور بدلًا من الممارسات المحلية. بعد أن شاهدتُ غالبية الصينيين المقيمين في اليابان يعملون بجدّ وثبات في المجتمع الياباني، شعرتُ ببعض القلق من آثار الخلاف الذي ينشأ تدريجيًا داخل الجالية الصينية المُقيمة على المجتمع الياباني.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي من © بيكستا)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | الشتات المنقسم: لماذا يتصاعد التوتر بين الصينيين المقيمين في اليابان؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.