اليابان | يوسانو أكيكو… أيقونة الشعر العاطفي والصحافة الجريئة في اليابان

اقتحمت يوسانو أكيكو الساحة الأدبية في اليابان عام 1901 وهي في الثانية والعشرين من عمرها، عبر مجموعتها الشعرية المفعمة بالأحاسيس «شَعر متشابك»، التي أحدثت صدى واسعًا آنذاك. وبرغم أنها تُعد من أبرز الأصوات الشعرية في اليابان خلال القرن العشرين، فإن إنتاجها الصحفي – الذي اتسم في كثير من الأحيان بجرأة الطرح وتقدّمه على عصره – لم يحظَ بالاهتمام نفسه الذي نالته أعمالها الشعرية.

امرأة عاشقة

ياوا هادا نو / أتسوكي تشيشيو ني / فيوري مو ميدي / سابيشيكارازو يا / ميتشي أو توكو كيمي

هذا المد الحار من الدماء
تحت بشرة ناعمة وأنت لا
تمسه حتى بطرف إصبع

أما تشعر بالوحدة إذن
يا من تبشر بالطريق؟

يستحضر كثير من اليابانيين حين يسمعون اسم يوسانو أكيكو هذه القصيدة الشهيرة لها من شعر ”تانكا“. ظهرت القصيدة في مجموعتها ”شَعر متشابك“ الصادرة عام 1901، وتضم باقة من قصائد الحب البراقة المتحررة. في زمن كانت حياة النساء فيه مقيدة بنظام الأسرة التقليدي والقيم القديمة، عبّرت أكيكو بلا قيود عن شعور امرأة شابة واقعة في الحب. وإلى جانب مجموعاتها الأربع والعشرين من شعر تانكا (بما في ذلك أعمال شاركت في تأليفها)، أنجزت ترجمات لـ ”حكاية غنجي“ وغيرها من الكلاسيكيات إلى اليابانية الحديثة، كما كتبت أكثر من 100 قصة للأطفال وما يزيد على 600 قصيدة وأغنية للأطفال.

وإلى جانب نشاطها الأدبي، كتبت على مدى طويل في الصحف والمجلات عن موضوعات مثل التعليم والمساواة بين الجنسين. جُمعت هذه المقالات في 15 مجلدا من مقالات الرأي، لكن نشاطها الصحفي المفعم ببصيرة متقدمة، لم ينل بعد التقدير الكافي. وكانت أكيكو أيضا أما عاملة ربّت 11 طفلا، ويُرجح أن ذلك قد أثر في موقفها المعاصر من حياة المرأة.

الحرية والمساواة


غلاف ”شَعر متشابك“. (بإذن من مكتبة البرلمان الوطنية)

وُلدت يوسانو أكيكو عام 1878 في مدينة ساكاي بمحافظة أوساكا لأسرة تملك متجرا تقليديا للحلويات. كان شقيقها الأكبر ”هو هيديتارو“، الذي درس في جامعة طوكيو الإمبراطورية (تُعرف اليوم بجامعة طوكيو)، قبل أن يصبح أستاذا للهندسة في الجامعة وعالما بارزا. أما أكيكو نفسها فقد برعت في العلوم والرياضيات، غير أنها لم تتمكن بصفتها فتاة من مواصلة دراستها كما رغبت، ولم تكمل سوى ما يعادل اليوم المرحلة الإعدادية. وقد أوكلت إليها مهام المحاسبة في المتجر منذ سنوات مراهقتها الأولى، ما جعلها تشعر بعمق بمدى لا معقولية اللامساواة بين الجنسين.

وانضمت في عام 1900 إلى ”شينشيشا (جمعية الشعر الجديد)“ التي كان يترأسها يوسانو تيكّان والذي كان في قلب حركة لتجديد شكل شعر الـ ”واكا“ التقليدي. نشرت قصائدها في مجلة ”ميوجو (النجم الساطع)“ التي تصدرها الجمعية، وفي العام التالي –عندما كانت في الثانية والعشرين من العمر– صدرت مجموعتها الأولى ”شَعر متشابك“ المفعمة بالأحاسيس. وقد ابتعدت هذه المجموعة عن الصور الأنيقة للطبيعة المألوفة في الشعر الياباني التقليدي، لتكشف منذ البداية عن روح إصلاحية لدى أكيكو وإيمانها الراسخ برياح التغيير الجديدة التي كانت تهب على الشعر الياباني.

كان ذلك في زمن كانت فيه حرية التعبير مقيدة بشدة. إذ اعتُبرت صورة امرأة عارية استخدمتها ”النجم الساطع“ مخلة بالأخلاق العامة، فصودر ذلك العدد، كما مُنعت كتب لعدد من كبار الأدباء آنذاك مثل ناغاي كافو و موري أوغاي. ومن المؤكد أن أكيكو قد شعرت وقتها بأن حرية فكرها وتعبيرها مهددة.


يوسانو تيكّان. (بإذن من مكتبة البرلمان الوطنية)

لهذا السبب، كانت المساواة والحرية منذ البداية كلمتين أساسيتين في وجدان أكيكو. وأنها تعلمت ذلك من تجربتها الشخصية لا من المدرسة أو الكتب، كان هو مصدر قوتها قبل أي شيء آخر.

ناقدة اجتماعية

آه يا أخي إني أبكيك
لن تموت
أنت أصغرنا مولدا
وأعزنا جميعا
هل سيضع والداك سيفا في يدك
ويأمرانك أن تقتل رجلا؟
هل يربيانك حتى سن الرابعة والعشرين
ثم يقولان ”اذهب فاقتل، ثم مت“؟

قصيدة أكيكو التي تعبر فيها عن قلقها على شقيقها الجندي ”لن تموت“ نُشرت في مجلة ”النجم الساطع“ في سبتمبر/أيلول عام 1904، في خضم الحرب الروسية اليابانية. وقد انتقدت باعتبارها خارجة عن المزاج العام في اليابان آنذاك، لكن أكيكو ردت بأن الأمر ينبغي أن يؤخذ بوصفه مجرد قصيدة. لم تكن بالضرورة معارضة للحرب، بل تعبيرا فطريا عن قلقها على شقيقها، وفي الوقت نفسه أظهرت أنها لم تخش كتابة ما تشعر به حقا. في تلك الفترة كانت أكيكو في الخامسة والعشرين من عمرها، متزوجة من أستاذها الشعري تيكّان، وقد أنجبت منه طفلين بالفعل.

وفي عام 1909 أظهرت أكيكو جانبها الساخر، بداية بقصيدة من شعر تانكا ردت فيها على قرارات متتالية بحظر أعمال كافو، فشبّهت الأمر على نحو ساخر بمنع بيع أوراق المراهنة على سباقات الخيل. وفي قصيدة ثانية، أشارت إلى وزير التعليم كوماتسوبارا إيتارو ووزير الداخلية هيراتا توسوكي باسميهما الأولين، ساخرة منهما باعتبارهما جاهلين بالأدب. كان هذان الرجلان الأكثر ارتباطا بسياسات الرقابة، والهجوم عليهما علنا يكشف شجاعة لافتة لدى أكيكو. أما القراء الذين استبد بهم الشغف بمجموعتها ”شَعر متشابك“ فلعلهم انبهروا أمام هذا التحول في النبرة.

كما سخرت مقالاتها في تلك الفترة من الرقابة، ووصفت طريقتها الفريدة في محاولة إبقاء أطفالها غير مدركين للفروق بين الذكور والإناث حتى سن المراهقة. وساعدت رحلتها إلى أوروبا عام 1912 برفقة زوجها على ازدهار هذه الجوانب في كتابتها. فقد التقت النحات أوغست رودان، وأجرت الصحافة الفرنسية مقابلات معها، ما عزز ثقتها واعتزازها بمهنتها الصحفية.

صعود المجلات النسائية

هناك سببان رئيسيان جعلا أكيكو تكتب كثيرا من مقالات الرأي الاجتماعية بعد عودتها من أوروبا. الأول أن وسائل الإعلام كانت تراها مساهمة لا غنى عنها، والثاني أن لديها موضوعات ترغب في الكتابة عنها.

وقد بلغت أكيكو ذروة نشاطها في هذا النوع من الكتابة في عصر تايشو (1912–1926)، حين كانت الصحافة المطبوعة في اليابان في أوج ازدهارها وتأثيرها. ومع نضوج الناس كمواطنين وسعيهم وراء المعرفة، ارتفعت معدلات توزيع الصحف بشكل ملحوظ. ولا يمكن تجاهل زيادة عدد القراء من النساء. فقد أدى دعم الحكومة للتعليم الثانوي للفتيات إلى زيادة عدد النساء المتعلمات، ما دفع إلى تأسيس العديد من المجلات النسائية لتلبية احتياجاتهن. وبوصفها امرأة وسعت آفاقها من خلال السفر إلى أوروبا، ولها خبرة أيضا في الأمومة، كانت أكيكو على الأرجح مطلوبة بشدة لقدرتها على الكتابة في طيف واسع من الموضوعات. ومن هذه الزاوية، لم يكن الأمر أن الإعلام كان بحاجة إلى أكيكو بقدر ما كانت المرحلة نفسها في حاجة إليها.

كما أن أكيكو كانت لديها موضوعات تريد الكتابة عنها، مثل كيفية تحقيق المساواة والحرية. وقد واصلت الكتابة للصحف والمجلات على مدار أكثر من 20 عاما، لأنها شعرت أن لديها دائما مجالا للتطور، نظرا لافتقارها إلى التعليم النظامي والثقافة الكاملة، وحتى حين كانت مثقلة بالمهام، لم تبخل يوما على نفسها بالقراءة في الكتب والصحف والمجلات. وكانت من بين مواهبها النادرة قدرتها على تعميق تفكيرها الشخصي بهذه الطريقة.

”في الأسرة المثالية، تكون النساء مستقلات ماليا، ويتساوى الرجال والنساء في الحقوق“.

”الرجال اليوم يعملون ساعات طويلة جدا. يجب أن ينخرطوا في تربية الأطفال وأعمال المنزل“.

”لو أصبحنا مجتمعا يعمل فيه الجميع، فسوف تُختصر ساعات العمل، ويمكننا أن نستثمر أوقات فراغنا بطرق متعددة“.

”لا ينبغي أن يقتصر التعلم على المدرسة. على الإنسان أن يتعلم طوال حياته“.

تكشف كتابات أكيكو عن بصيرة متقدمة، ولا سيما إذا علمنا أنها كانت تكتب في زمن لم يكن فيه أي مفهوم للمساواة بين الجنسين، أو التوازن بين العمل والحياة، أو التعلم مدى الحياة. ومع تزايد عدد النساء العاملات في المصانع، كان النقاش يتنامى حول أفضل السبل لـ ”حماية الأمومة“، بما في ذلك تحسين ظروف العمل الرديئة التي تؤثر على صحة الأمهات، وتبني تدابير اقتصادية لدعمهن. وقد خاضت أكيكو نقاشا مع الكاتبة هيراتسوكا رايتشو والناشطة ياماكاوا كيكوي، لكن مواقفها كانت متقدمة إلى حد أن الجانبين كانا على الدوام في تناقض دائم. ومن المؤكد أن قلة قليلة فقط كانت قادرة على استيعاب رؤية أكيكو المثالية للنظام الاجتماعي وأسلوب حياة الأفراد.

شخصية مشهورة ومؤثرة

لم يقتصر نشاط أكيكو الإعلامي على عملها مع الصحف والمجلات. فمع التطور الاقتصادي في عصر تايشو، جاءت حركة التحضر وظهور مجتمع استهلاكي واسع النطاق وثقافة الإعلانات. وكما يشير الشعار ”اليوم المسرح الإمبراطوري، وغدا ميتسوكوشي“، ازدهرت المتاجر الكبرى مثل ميتسوكوشي بوصفها فضاءات جديدة آسرة. وقد أصبحت أكيكو مستشارة لمتجر تاكاشيمايا، حيث شاركت لأكثر من 20 عاما في تنظيم فعالية ”هياكوسينكاي“ الخاصة بتصاميم الكيمونو. وكان ذلك يعني ليس فقط تقييم المنتجات المرسلة من أنحاء البلاد في كل موسم، بل أيضا القيام بمهام أشبه بعمل كاتبة نصوص إعلانية معاصرة، مثل اختيار الألوان العصرية وتسميتها، وكتابة القصائد المخصصة للملصقات والكتيبات الإرشادية.


”جاناريستو يوسانو أكيكو (يوسانو أكيكو، صحفية)“ لماتسومورا يوريكو عام 2022. تظهر صورة الغلاف أكيكو في مكان إقامة فعالية هياكوسينكاي. من نشر تانكا كينكيوشا.

في عام 1920، ظهرت إعلانات لمشروب ”كالبس“ مستخدمة قصائد أكيكو عشرات المرات في الصحف، ومنها: كاروبيسو وا / كوشيكي تشيكارا أو / هيتو ني أوكو / أتاراشيكي يو نو / كينكو نو تامي (بقوة كالبس / المعجزة التي / تهب الإنسان / الصحة / لعالمنا الجديد).

كان ميشيما كايؤن مخترع مشروب كالبس الحاوي على حمض اللبن (المعروف في الخارج باسم ”كالبيكو“)، مسوّقا بارعا، وبعد أن زار منزل أسرة يوسانو حاملا عينات من المشروب، طلب من أكيكو كتابة قصائد لاستخدامها في الإعلانات. وتكشف هذه الحادثة عن مكانتها كنجمة ومؤثرة. وكانت ”الصحة“ مفهوما حديث العهد آنذاك، ما يدل على بصيرتها حين استخدمته في قصيدة.


صورة الغلاف لمجموعة مقالات رأي بعنوان ”آي نو سوساكو” (خلق الحب)“ الصادرة عام 1923. (© كيودو)

السياسة والشعر

حملت المجموعة الثامنة من مقالات أكيكو عنوان ”غيكيدو نو ناكا أو إيكو (السير في قلب العاصفة)“، وقد عاشت بالفعل زمنا كانت اليابان تخوض فيه صراعا كبيرا كل عقد تقريبا، من الحرب الصينية اليابانية (1894–1895) مرورا بالحرب الروسية اليابانية وصولا إلى الحرب العالمية الأولى. وقد عبّرت عن رغبتها في السلام في مقال بعنوان ”سينسو ني تسويتي نو كوساتسو (تأملات حول الحرب)“ كتبته لمجلة في أبريل/نيسان عام 1918، مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الأولى.

”إذا أقدم الأفراد على قتل أو إيقاع الأذى ببعضهم الآخر لإثبات أنهم على حق، أو حملوا السلاح واقتحموا منازل أناس عزل سعيا وراء العدالة، فهم أشرار بلا شك، مهما كانت الكلمات التي تُستعمل لتجميل هذه الأفعال... فهل يمكن القول عن شيء لا يُغتفر إذا قام به الأفراد، إنه مجد أو عدل أو سلوك حميد حين تقوم به دولة؟“

وفي يوليو/تموز من العام نفسه، كتبت القصيدة التالية لإحدى الصحف، ثم ضُمّت لاحقا إلى مجموعتها ”طائر النار“:

أونّا يوري / تشي آري تو آيو / أوتوكوتاتشي / كونو تاتاكاي أو / يامينو كاشيكوسا

نحن أحكم من
النساء، هكذا يقول الرجال

فما أروع تلك الحكمة
التي لا تستطيع أن توقف
هذه الحرب!

لم يكن ثمة تناقض في شخصية أكيكو بين كونها شاعرة وصحفية في آن واحد. فاهتمامها الدائم بما يجري في العالم ما زال قادرا على إلهامنا حتى اليوم.

  • صدرت مجموعة ”شَعر متشابك“ باليابانية بعنوان ”ميداريغامي“، ومجموعة ”طائر النار“ بعنوان ”هي نو توري“.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 20 يونيو/حزيران عام 2025. الترجمة من الإنجليزية. جميع ترجمات القصائد المذكورة في المقالة: © جانين بيتشمان. صورة العنوان: بإذن من مكتبة البرلمان الوطنية)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | يوسانو أكيكو… أيقونة الشعر العاطفي والصحافة الجريئة في اليابان لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :