إن كلمة «النقد» في اللغة العربية تعني «التمييز» أو «التقييم»، وقد كان لها دورٌ محوريٌ في الإبستمولوجيا العربية (المعرفة العلمية) عبر التاريخ، ويستخدم النقد للتحقق من دقة المعلومات، والأخلاقيات، والقيم الثقافية. غالبًا ما تركز المقررات المنهجية والتحليل النقدي لمؤسسات التعليم العالي في العالم العربي على النظريات الغربية، مثل: نظريات ما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة، فضلًا عن النظريات التأويلية، الأمر الذي تسبب في تهميش النقد العربي التقليدي، وأقصى مساهمات العلماء العرب والمسلمين، وعزز فرضية احتكار الفكر الغربي للنقد؛ مما أدى إلى ترسيخ هيمنة الثقافة الغربية بشكل غير مباشر، وأعاق دمج الفكر العربي في الخطاب الأكاديمي.
ويمكن تقصي آثار النقد في العصر الجاهلي وفترة ما قبل الإسلام، حيث كان الشعر المنطوق مزدهرًا وكان يُنظر إلى الشعراء على أنهم نقّاد متمكنون. وقد عزز العلماء هذا الفكر في بدايات الإسلام بانخراطهم في تحليل وتقييم النصوص الدينية والأدبية، مما ساهم في تطوير النقد، وزيادة مفرداته، وجعله أداة لفهم تعقيدات الأيديولوجيات الناشئة التي تشكل المجتمعات. فما المقصود بالنقد في الفكر العربي؟ لنفترض أننا لا نعرف ما هو النقد؛ في العصر الجاهلي، كان يقصد بالنقد آراء الشعراء والمستمعين للشعر الشفوي، وأما بعد الإسلام فقد أصبح يُستخدم للإشارة إلى آراء وأفكار العلماء والكتّاب الذين يحللون النصوص الأدبية والدينية. أي أنه في العصر الجاهلي، كان النقد في شبه الجزيرة العربية يركز على الفصاحة، والبلاغة، والمعنى المجمل، أما بعد انتشار الإسلام وتوسع السياقات الشعرية، تطور فن النقد واتسعت آفاقه، خاصة مع الانفتاح العربي على الثقافات الأخرى كاليونان، والهند، وبلاد فارس، وبلاد الشام، كما ساهم الانخراط في المناظرات، والبحث عن المنطق، والفلسفة في نمو النقد كمجال عام. وفي بادئ الأمر، كان النقد تطبيقًا عمليًا لتوصيل المعنى وإثراء المستمع، فضلًا عن اقتصاره على تحديد مواطن قوة وركاكة النصوص.
وأما من الناحية المنهجية، فإن كلمة «النقد» تأتي أيضًا بمعنى «العملة»، وتستخدم للتمييز بين العملات القيمة والمتدنية، وفي ذلك ربط للقيمة المعنوية والنقدية بهدف إبراز أهمية النقد؛ ومن هنا انطلق «النقد» في التاريخ الأدبي العربي للدلالة على الخبرة والكفاءة، والجهود التي ترنو لتحديد معايير تقييم النصوص الأدبية، والتمييز بين ما هو قيِّم وما هو مبتذل، وعلى عكس العملات، لا تحمل النصوص الأدبية ختمًا يوضح قيمتها، ولذلك فإن النقد هو محاولة لتحديد هذه القيمة.
إن مراحل نمو النقد كخطاب كانت بمثابة دليل على نهضة العلوم الإسلامية التي ازدهرت معاييرها المعرفية بانتشار الإسلام وتفاعله مع الثقافات والأديان الأخرى، كما سطع نجم النقد تحديدًا مع ظهور حركة التحقق من الأحاديث والتدقيق في سلاسل الإسناد والمتن، وأدى النقد دورًا جوهريًا في تصفية الأحاديث غير الصحيحة وساهم في ضمان دقة وصحة النصوص الإسلامية.
ومع مرور الوقت، أدت هذه المنهجية الراسخة للنقد إلى تأسيس المدارس الفقهية الكبرى، وتعدد أشكال النقد، وظهور «الفقهاء» كخبراء نقديين، نتيجة تماشي عقلية الناقد في شبه الجزيرة العربية مع حركة التحقق من الأحاديث وظهور مدرسة «أهل الرأي»، ويشير مصطلح عقلية الناقد للفقهاء الذين يستخدمون العقل والمنطق لإثبات الإيمان كما هو مذكور في القرآن، ويكمن دور الفقهاء هنا في تحليل النصوص الأدبية والفلسفية لاستخراج المعنى واتخاذ العبر، مع التركيز على المحتوى، وفهم المعاني العميقة، والتأكد من صحة النصوص.
إن وظيفة النقد الأساسية هي كشف الزيف وتحديد كل ما يتعارض مع الأعراف الثقافية والاجتماعية السائدة، وتحليل النص وفهم مضمونه، وبالتالي، فإن «النقد» هو أداة للتمحيص، والتحقق، والفحص، والتدقيق؛ وهو أيضًا وسيلة للوصول إلى الحقيقة بالحجج المنطقية لدحض الفرضيات المتضاربة. ويأتي النقد على شكل حوار عقلاني، لا عنف فيه، يتسم بالدقة المنطقية واللغوية والبلاغية، وهو مؤشر لا يحيد عن الحقائق ويهدف لتوضيح ما تم تجاهله، أو سيء فهمه، أو ما تم استبعاده لصعوبة أو تعقيد.
وفي سياق الفكر العربي يأتي النقد بعد عملية «التمييز» أي القدرة على التفريق والفصل بوضوح ويُسر، وكلمة «يميز» مشتقة من «تمييز» وتعني الفصل بين الأشياء، ولا يقتصر أثرها على النحو والأدب، بل يطول البنية الثقافية للمجتمع. ويؤدي النقد في بدايته دورًا تشخيصيًا، ثم دورًا أدائيًا في نهايته؛ وبذلك، فإن الربط بين النقد والعملة يدل على أنهما يشتركان في المنطق ذاته، فإذا غابت المعايير التنظيمية، تتضخم قيمة النصوص كما تتضخم العملات النقدية دون قيمة حقيقية تذكر، مما يؤدي إلى انتشار الطغيان والفوضى.
إذًا، فإن النقد عملية تمييزية تهدف إلى التمحيص، وهو فحص دقيق يسعى لكشف الحقيقة ودحض التناقضات، من خلال عملية تعرف بـ «التنقية»، تهدف لتعزيز وضوح الخطاب الفكري من خلال صقل الحجج؛ والتمييز، وهي أداة لفصل الرؤى الجوهرية والسامية عن الرؤى السطحية، حيث يتطلب التمييز فطنة وتأنيّا قبل التسرع في الحكم على الأشياء.
وفي حين يتعين مكافحة التضخم الاقتصادي بإجراء إصلاحات هيكلية، فإن إصلاح النقد يتطلب تمييزًا منهجيًا يضمن بقاء القيم والمعايير.
لا يقتصر النقد على التقييم أو تقدير القيمة فقط، بل يشمل أيضًا «التقويم» أي صناعة النقد وتعزيز مقوماته في عدة مجالات، منها تقييم النصوص الأدبية، ومعايير الجمال، والمحتوى، والمصادر التاريخية، والقيم الأخلاقية.
ومن أهم أسس التقويم هو «التحقيق»، حيث تألق هذا النهج في القرنين السابع والثامن للتحقق من صحة الروايات والنصوص، وضمان التوثيق المبني على «التعليل والتفسير» بالحجج المنطقية عند غياب الأدلة القطعية، أو «الاستشهاد بالخبر» كمرجعية لدعم الآراء ووجهات النظر. ويشير التقويم أيضًا «للتقويم الزمني»، أي ضبط التواريخ وفق معايير دقيقة، وأما في السياق الإسلامي، فيرتبط التقويم بمفهوم «الإصلاح» أي تصحيح الانحراف والاعوجاج. وبذلك، يُعد التقويم خطوة أعمق من التقييم، إذ يهدف إلى تعديل المسار وإعادته إلى وجهته الصحيحة.
الدكتور وسام عبدالجبار – الشرق القطرية
كانت هذه تفاصيل خبر مناهج النقد في الفكر العربي لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :