حين تُقابل الثمار بالحجارة !

في كل مرة نسمع فيها المثل الشهير: «لا تُرمى إلا الشجرة المثمرة»، يمر أمام أعيننا شريط طويل من مواقف مررنا بها، أو شهدناها، أو حتى سمعنا عنها، شريط من الألم الصامت الذي يتسلل إلى قلوب أولئك الذين لم يبخلوا يومًا بعطائهم، ولم يترددوا لحظة في أن يكونوا نورًا في عتمة الآخرين ، وبدلًا من الامتنان، يجدون أنفسهم هدفًا للنقد، أو عُرضة للنسيان، أو ضحايا للتهميش، والسؤال الجوهري يبقى: لماذا نرمي من يمنح؟ لماذا لا نُنصف من أعطى؟
الإنسان المثمر، أيًّا كان مجاله، يصبح في مجتمعاتنا محل جدل لا ينتهي، البعض ينظر إليه بريبة، والبعض الآخر يغار من حضوره، والقليل فقط من يفرح بإنجازاته.

يقولون: «النجاح له أعداء أكثر من الفشل»، وهذه مقولة واقعية تمامًا، الغيرة تنمو بهدوء، لكنها تتحول إلى أداة هدم حين تتحالف مع اللسان السليط والعقل الكسول، ليس بالضرورة أن يكون الحاسد عدوًّا؛ أحيانًا يكون زميلًا، جارًا، أو حتى صديقًا، لكنه لا يحتمل أن يرى أحدًا يتفوق، لأنه لا يرى في النجاح فرصة للإلهام، بل مرآةً تعكس عجزه.

هذا الحسد لا يصرّح بنفسه، بل يتخفى في نقد «موضوعي»، أو استهزاء «ساخر»، أو تهميش متعمد، وهكذا، تُرجم الشجرة بالحجارة، ويُخذل من بذل.

الشخص المثمر غالبًا ما يزعج الآخرين دون أن يقصد، لأنه يكشف – دون كلام – عجزهم عن التحرك، من يقدم فكرة، أو يقترح إصلاحًا، أو يقود مشروعًا ناجحًا، إنما يهدد الوضع القائم، ويهز قناعاتهم بأن «كل شيء تمام»، ولذلك، يواجهه البعض ليس لأنه أخطأ، بل لأنه نجح!

نعم، كثيرون يخافون من التغيير، لأنهم ارتاحوا في مستنقع الرتابة، ولذا، بدلًا من اللحاق بالمبادر، يفضلون جره للأسفل، إنها فلسفة خفية تقول: «دعنا نفشل جميعًا، بدلاً من أن ينجح أحدنا ويحرج البقية.»

من أصعب المشاهد أن ترى من أعطى وتفانى، وقد أصبح منسيًّا، لا يُسأل عنه أحد، لا يُحتفى به أحد، بل قد يُنتقد حين يطلب حقه أو يتحدث عن تعبه، وكأن العطاء المطلوب منه لا نهاية له، ولا مقابل له سوى الصمت والرضا!

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ‹وقليلٌ من عباديَ الشكور›، فالشكر ليس مجرد لفظ، بل هو قيمة إنسانية رفيعة، وفضيلة لا تُكتسب إلا بالتربية الواعية والمواقف التي تختبر النفوس. فالشاكرون حقًا قلّة، لأن الامتنان في جوهره رؤية متعمقة للنعمة، واعتراف صادق بمن أسدى الجميل.»

تخيل مجتمعًا يحتفي بكل من يبذل، كل موظف يعطي يحظى بكلمة شكر، كل طبيب يراعي ضميره يجد من يصفق له، كل كاتب أو معلم أو مزارع أو عامل يُعامل باحترام… كيف سيبدو هذا المجتمع؟ لن يتحول فقط إلى بيئة صحية نفسيًّا، بل سيتضاعف الإنتاج، وسينمو الإبداع، وسيندثر الإحباط، الدعم لا يعني دائمًا مالًا، بل أحيانًا يكفي أن يشعر المعطاء أن هناك من يراه، ويقدّره، ويقف في صفه.

النبي صلى الله عليه وسلم أقام دولة الإسلام على أساس من الحكمة وتقدير الطاقات، فعلى سبيل المثال ، اختار بلال بن رباح مؤذنًا لما لصوته من وقعٍ مميز في النفوس، وأسند إلى زيد بن ثابت مهمة تعلّم اللغات لما لمس فيه من ذكاء وقدرة على التحصيل، وولّى خالد بن الوليد قيادة الجيوش لما امتاز به من مهارة عسكرية وبراعة في التخطيط، كان النبي يرى في كل فرد ما يميّزه، ويضعه في مكانه المناسب، فاحتضن الكفاءات، وأعطاها الثقة والمسؤولية، فبذلوا في سبيل الرسالة كل ما يملكون حبًا واقتناعًا.

والسؤال هنا «كيف نحمي الشجرة من الحجارة؟، لنكن واقعيين: لن يتوقف الحاسدون، ولن يصمت الهادمون ، لكننا نستطيع أن نمنح الشجرة المثمرة جدارًا من الدعم، على الشخص المعطاء أن يعرف قيمته، لا ينتظر تصفيقًا من الجميع، ولا يجعل نقدهم عائقًا، عليه أن يتذكر أنه يعطي لأن ذلك جزء من رسالته، لا من أجل الإعجاب فقط، ولينتبه إلى أصوات الحق من حوله، هناك من يقدر، من يساند، من يصمت لكنه يرى، وليكن هذا دافعًا للاستمرار.

شجعوا المبادرات، ولو بالكلمة، لا تهدموا حماس من بدأ الطريق، فقط لأنه مختلف عنكم. الحياة ليست سباقًا، بل بناء جماعي، وكل لبنة تستحق الاحترام.

ختامًا.. في هذا العالم المظلم، كل شخص يعطي هو بمثابة شمعة، فلا تطفئوها، بل ساعدوها أن تضيء أكثر، لأننا يومًا ما، سنحتاج إلى دفئها.

ولنتذكر دائمًا: أن رمي الشجرة المثمرة بالحجارة لا يُسقطها، لكنه يكشف من رماها، فاختر أن تكون من الساقين لا من الرامين، من الساندين لا من القاصفين، من المشجعين لا من المطفئين.

في النهاية، كن أنت الشجرة، وكن أيضًا من يسقي الشجرة، فبهذا فقط، نحصد وطنًا مزدهرًا، وإنسانية أكثر عدلًا.

وجيدة القحطاني – الشرق القطرية

كانت هذه تفاصيل خبر حين تُقابل الثمار بالحجارة ! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :