ابوظبي - سيف اليزيد - قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إن إصدار مجمع التواريخ لشبه الجزيرة العربية وفارس، هو تكملة لإصدار «البرتغاليون في بحر عُمان»، ويبدأ بعرض تاريخ المنطقة كاملاً في صورة حوادث في حوليات، ويأتي في 33 مجلداً باللغة العربية، ومثلها باللغة الإنجليزية، وتحتوي على 1473 وثيقة، وتم وضعه أيضاً في إصبع ذاكرة.
جاء ذلك خلال حديث لسموه، في لقاء تلفزيوني مع محمد حسن خلف مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وبثته قناة الشارقة، حول أحدث مؤلفاته، وهو «مجمع التواريخ لشبه الجزيرة العربية وفارس.. أحداث في حوليات من عام 1622م إلى 1810م».
وأضاف سموه أن الإصدار سُمي مجمع التواريخ، لأنه يضم كل الوثائق التي توثق تلك الفترة، وتشمل الوثائق الإنجليزية والهولندية والفرنسية والعثمانية، بالإضافة إلى الإشارة إلى الوثائق البرتغالية التي وضعها سموه في إصداره «البرتغاليون في بحر عُمان»، حيث وضع سموه في مقدمات المجلدات من 1 إلى 12 تنويهاً كتب فيه: «لمزيد من المعلومات عن الأحداث التي وقعت في الفترة من عام 1622م إلى 1645م، يستطيع القارئ الاطلاع على كتاب: البرتغاليون في بحر عُمان، أحداث في حوليات من عام 1497م إلى عام 1757م، الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، من المجلد السابع عشر إلى المجلد العشرين، الصادر عام 2025م، عن منشورات القاسمي، دولة الإمارات العربية المتحدة».
وأوضح سموه أنه وبعد وصول البرتغاليين إلى المنطقة، والسيطرة على مدخل الخليج وعلى مدخل البحر الأحمر، وصولاً إلى سقوط هرمز سنة 1622م، انتقل البرتغاليون إلى السيطرة على بعض المدن على سواحل عُمان، لتأتي بعدها عدة دول تريد الاستفادة من المنطقة للتجارة، وكانت المرة الأولى لطرد البرتغاليين على يد الإنجليز، والمرة الثانية على يد الهولنديين الذين استنجد بهم الإنجليز، موضحاً سموه أن الإنجليز والهولنديين أخذوا إعفاء من شاه عباس للحصول على الحرير، وتأسيس مراكز لهم في غمبرون التي أصبحت لاحقاً بندر عباس، وذلك مقابل إخراج البرتغاليين، ويأتي اختيار غمبرون وليس هرمز بسبب انفصال هرمز عن فارس، ولقلة المؤونة والماء وملوحته فيها مما يؤثر على التجارة.
وتساءل صاحب السمو حاكم الشارقة عن التجارة التي تهافتت عليها الدول في المنطقة، موضحاً سموه أن أوروبا كانت تحتاج إلى الحرير والقطن لمنتجات الألبسة، حيث كان لديها الصوف فقط، ولا يستطيعون لبسه في الصيف، وكانت تحتاج إلى البهارات التي تأتي من الهند لإزالة رائحة العفونة من اللحم، لأنه لا توجد في تلك الفترة ثلاجات لحفظ اللحم، وكانوا يعملون من اللحم البسطرمة، ونوعاً آخر يسمى لنجن، وهو ما يتم إفراغ الماء منه بالدق، ولكن تبقى به رائحة عفونة التي تزيلها البهارات.
وأوضح سموه أن المنطقة ليست هي المصدرة للبهارات والحرير، ولكن كانت تمثّل الطرق التي توصل إلى الأماكن المنتجة والمصدرة لها، حيث إن طريق الحرير يعبر من غرب الصين إلى مناطق الأفغان، ويدخل فارس في كرمان، وقد تحدث فيه اعتداءات ولهذا كان التجار يأخذون منبع نهر السند، ويعبرون به بسفن خاصة للأنهر وتأتي إلى بحر العرب، وبعدها تنتقل مرة أخرى إلى هرمز الساحل وهي في منطقة البلوش، ومنها ينتقلون إلى منطقة كرمان وتكمل إلى أوروبا، لافتاً سموه إلى أن المنطقة كان لها نصيب من هذا الطريق بسبب المشاكل التي قد تحدث في المناطق، مما يجعل من صحار منطقة للنزول، وبعدها مع احتلال عمان كانوا يتجهون إلى دبا.
وحول انتقال تجارة الحرير من الصين التي كانت تشدد الرقابة على طول طريق مرور التجارة، ذكر صاحب السمو حاكم الشارقة قصة تجار كرمان الأذكياء الذين استطاعوا إخراج الشرنقة التي تنتج الحرير من الصين، بوضعها في شعر زوجاتهم ومن ثم عقصه وعقده لكي لا ترى الشرنقة، لينتقل بعدها إنتاج الحرير إلى كرمان.
وأشار سموه إلى أن الهولنديين كانوا ينقلون الحرير إلى أوروبا بأغلى الأثمان، مما جعل مجموعة من تجار لندن يحتجون، فقرروا عمل شركة تجار لندن، ووجدوا لهم مكاناً على ساحل الهند.
واستعرض سموه الوثائق التي يمتلكها والتي معظمها موجود في مجمع التواريخ، وهي موجودة كذلك للباحثين في دارة الدكتور سلطان القاسمي، وشملت الوثائق الهولندية والإنجليزية والفرنسية والعثمانية، منها وثائق أرشيف يوميات المكتب الإنجليزي في البصرة، والتي تأخذ محتوياتها من البصرة، وما حولها والجزيرة العربية وما تليها وما في العراق، وأرشيف يوميات مكتب الشركة الإنجليزي في غمبرون، حيث جمع سموه وثائق المكتبين خلال مرحلة الجمع الأولي للوثائق الإنجليزية، مبيناً أنه لا يوجد بينهما تعارض أو فروق، حيث إن لكل مكتب منهما مسؤوليته في التسجيل إما مدخل الخليج أو مخرج الخليج.
وأوضح سموه أن مكتب البصرة كان يحصل لديه الكثير من المشاكل التي تتسبب في إغلاقه، مما جعلهم يفكرون في الانتقال إلى الكويت وإلى قطر، ومن المشاكل التي حصلت احتلال البصرة من قبل كريم خان زند، والمشاكل مع القبائل الموجودة، أما مكتب غمبرون فلم يكن لديه الكثير من المشاكل والمعارضات لأنه كان في فترة حكم شاه عباس.
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة الفرق بين توثيق الإنجليز والهولنديين، حيث إن الهولندي أكثر ترتيباً وإيجازاً بأسطر قليلة، وحرص على تعديل وحذف الشيء المغلوط كالإشاعات، بينما الإنجليزي توثيقه طويل وتدخل فيه أمور التجارة، وأمور أخرى مما قد يضيع المعلومة، ويترك المعلومة الخطأ ولا يصححها.
وأشار سموه إلى الأرشيف العثماني الذي يتناول الجزيرة العربية، وفي العراق البصرة وما حولها والجزيرة الوسطى بين الفرات ودجلة من دون المناطق الجبلية والأكراد، لافتاً سموه إلى أن الوثائق العثمانية صعبة المنال، وهي باللغة التركية وتسمى «سيقه» حيث تعلمها سموه لقراءة الوثائق وبعدها تترجم إلى اللغة العربية، مبيناً أن مصدر الوثائق رئاسة الوزراء، وتكون الملفات بحسب الوزارة، بالإضافة إلى مصدر آخر وهو قصر طوب كابي، وهو قصر الملك الذي تأتي منه المراسيم والأوامر والمراسلات بين الملك والبشاوات المعينين في الأقاليم.
وتطرق صاحب السمو حاكم الشارقة إلى الملفات الفرنسية ومصدرها وزارة الخارجية، وهي قليلة بسبب الاصطدام الذي كان بين الإنجليز والفرنسيين عند قدومهم إلى المنطقة، ومن ثم رحلوا وعادوا ودخلوا إلى الخليج بعد فترة متأخرة ولكن كعلاقات سياسية وتجارية فقط، مشيراً سموه إلى ملفات مدينة كان، هي ملفات ديكان القائد الفرنسي على الجزر الفرنسية على المحيط الهندي مثل موريشيوس، وقد ألقي القبض عليه بعد احتلال بريطانيا للجزر، ليأخذ ديكان الملفات ويضعها في بلدية كان.
وسرد سموه قصة حصوله على الوثائق الهولندية، وذلك عندما اشتكى إليه صديقه الباحث الدكتور بين سلوت كاتب كتاب عرب الخليج، عن إهمال إدارة المركز الذي يعمل به للوثائق، حيث كانت الإدارة تريد إنهاءها لتوفير التكلفة التشغيلية وعدم الإحساس بأهميتها، ليقوم صاحب السمو حاكم الشارقة بعدها بدفع تكلفة تقاعد الدكتور بين سلوت، وليعمل بعدها مع سموه في تصوير وترجمة كافة الوثائق على مدى 4 سنوات، ونتج عنها بعد تحليلها 1000 ملف دون الوثائق، التي ليس لها فائدة بالنسبة لسموه مثل الأمور المتعلقة بالحسابات والتجارة.
ولفت سموه إلى أن الوثائق الألمانية وصلت إلى المنطقة متأخراً، وذلك في أيام دخول العثمانيين حيث كان للألمان قنصل يسجل الحوادث، وتوجد هذه الوثائق في وزارة الخارجية، مشيراً سموه إلى أنه طلب من وزارة الخارجية الاطلاع على أرشيف الوزارة، والذي استقبله فيها عند زيارته القنصل الألماني في دبي، والذي كان سابقاً يجالس سموه وهو صديق له، وسهل على سموه العناء بأنه، وفريقه عملوا على البحث في الأرشيف والترجمة وإرسال الوثائق إلى سموه، ولكنها كانت لحقبة متأخرة في 1910م.
وبين صاحب السمو حاكم الشارقة أنه وبناء على اطلاعه وإلمامه وخبرته وبحثه الممتد على سنوات طويلة، وضع سموه في هوامش الصفحات تصحيح وتوضيح لبعض المصطلحات، التي توجد في الوثائق، والتي قد تفسّر بطريقة خاطئة مثل مصطلحات كاسم أو قاسم، والتي قد تفهم أنها القاسمي، موضحاً أن ما بين الهلالين لا يكون من المتن مثل وضع (رأس الخيمة) بين قوسين عند ذكر جلفار وذلك للتوضيح، مشيراً إلى الأسلوب الآخر بوضع إشارة في الفقرة والتوضيح في الهامش، بالإضافة إلى تعريب الكلمة الأجنبية في بداية ذكرها فقط، وبعدها تستخدم الكلمة العربية في باقي المواقع من الكتاب.
وأكد سموه أن مجمع التواريخ يُعدُّ خدمة للباحثين، حيث إنه ليس من السهل على الباحثين التنقل بين الدول المتباعدة، وترجمة كل هذه الوثائق، مع احتمالية ضياع جهد الباحث بعدم الحصول على مطلبه من التنقل والبحث، لافتاً سموه إلى أنه وللتسهيل على الباحث ولكيلا يعتريه الخوف من كمية المجلدات والوثائق التي فيها وقد بلغت 1473 وثيقة، فإنه أرفق للمجلدات دليل الباحث الذي توجد به أرقام الوثائق المتوفرة في المجلدات وموضوعتها، وذلك لكيلا يضيع وقت الباحث، وإنما يبحث في الدليل عن موضوع دراسته مثل البحث عن سقوط هرمز وعند وجودها في الدليل سيتمكن من معرفة أرقام الوثائق المتعلقة بالموضوع وصفحاتها.
وشدد سموه على الباحثين بضرورة ذكر مرجع الوثيقة الأصلية في أبحاثهم وليس مجمع التواريخ، حيث إن سموه بإصداره مجمع التواريخ يضع الوثائق الأصلية في خدمة الباحثين ولتكون هي مرجعهم الأساسي، ومن باب الأمانة العلمية بإمكان الباحثين الإشارة في مقدمة أبحاثهم فقط إلى أن الوثائق معظمها كان مصدرها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ودون تكرار الاسم مع كل وثيقة.
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أن هنالك الكثير من الباحثين يبحثون في إصدار «البرتغاليون في بحر عُمان»، وهم من دول متنوعة من الصين وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية والبرتغاليين أنفسهم، راجياً سموه أن تكون نتائج البحث في مجمع التواريخ لشبه الجزيرة العربية وفارس، والبرتغاليون في بحر عُمان، قيمة وتضيف إلى التاريخ وتسهم في توضيحه، مستشهداً سموه بتفسيره عند سؤاله عن وجود مدافع في البحر عند جزيرة مصيرة في عُمان بحدوث معركة بين السفن التركية والبرتغالية، منوهاً بوجود تفاصيل القصة في إصدار البرتغاليون في بحر عُمان والتي يمكن رجوع الباحثين إليه للكتابة بشكل أكبر.
وتطرق سموه إلى تاريخ عُمان الغني بالمواقع والوضع الاستراتيجي، مشيراً إلى أن كل من أتى إلى السلطة كان حريصاً على الدولة والانتماء للجماعة وهي ظاهرة لا توجد، ولهذا أطلق سموه على تاريخ عُمان الذي تناوله منذ الاستيطان البشري إلى دولة آل بوسعيد اسم سلطان التواريخ بمعنى الحجة والبرهان، مبيناً سموه أنه ملامس لتاريخ عُمان، ووضع جميع القبائل التي حكمت في سلطان التواريخ ولم يستثنِ أحداً، وبهذه الإصدارات يكون العُماني فخوراً بنفسه وانتمائه لعُمان وتاريخها المشرف، ويتمكن الباحثون من دراسة تاريخ عُمان أيضاً.
وفنّد سموه أقوال الكثير من المؤرخين عن قلة المصادر حول تاريخ النبهانيين بأنه ومع بحثه الكبير وحصوله على المصادر والوثائق الكثيرة عمل مشجر عائلة النبهانيين، وكان لهم كتاب خاص في سلطان التواريخ.
ولفت صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أنه يحرص على أن تكون إصداراته مع انطلاقة معرض الشارقة الدولي للكتاب، لما للمعرض من أهمية وسمعة ويسهم في نشر المؤلفات والإعلان عنها، مشيراً إلى أن المعرض يلتقي به الناس من أجل غذاء العقل والروح، ويصرفون عليه المال من أجل الثقافة والمعرفة، مستذكراً سموه بدايات انطلاقة المعرض قبل 44 عاماً، والتي اشترى سموه خلال دورته الأولى كافة الكتب دعماً للناشرين والكتاب، وتعزيزاً للمكتبات في الشارقة، ويستمر دعم سموه سنوياً لحاجة المكتبات وتطور العلوم وزيادة المؤلفات، منوهاً إلى أن تراجع المعارض في المدن الأخرى يُعدُّ تراجعاً في الثقافة.
واختتم سموه اللقاء متمنياً أن يكون في كل بلد إشعاع علمي وثقافي، فمع وجود الجامعات في الدول العربية والخليجية يستطيع أبناؤها وبناتها الآن الاستفادة من هذه الأبحاث والوثائق ومصادر التعلم لدراسة وتوثيق تاريخ المنطقة بجهود أبنائها، والتمكن المعرفي في مختلف المجالات، والحفاظ على الهوية العربية الأصيلة ونشرها.
أخبار متعلقة :