ابوظبي - سيف اليزيد - أحمد شعبان (باماكو، القاهرة)
تشهد مالي مرحلة جديدة في مقاربة جهودها لمكافحة الإرهاب، ترتكز على الجمع بين تعزيز السيادة الوطنية والانفتاح البراغماتي على المبادرات الإقليمية.
فبعد الانسحاب من منظمة «إيكواس»، سعت باماكو إلى تحويل التحديات السياسية إلى فرص لتعزيز موقعها داخل «تحالف دول الساحل» عبر استثمار مبادرة أكرا للحوار، التي أطلقتها غانا مع بوركينا فاسو.
هذه المبادرة لم تُعد مجرد خطوة لتخفيف التوترات الحدودية أو تنسيق أمني تقليدي، بل مثلت فضاءً استراتيجياً أوسع مكّن مالي من توسيع دائرة تحالفاتها وتوظيفها في خدمة معركة ممتدة ضد الإرهاب والعنف العابر للحدود.
ومن خلال التركيز على الأمن المشترك، وبناء ممرات لوجستية واقتصادية بديلة، تسعى مالي بقيادة الجنرال آسمي غويتا إلى تحويل التعاون الإقليمي إلى أداة فعّالة تحصّن فضاء الساحل، وتدعم قدرته على مواجهة التهديدات المتصاعدة.
وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، إن انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من منطقة الساحل خلّف فراغاً أمنياً واضحاً، وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية لتوسيع أنشطتها المسلحة، وزيادة عملياتها في مالي والدول المجاورة.
وأضاف حليمة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الانسحاب الفرنسي والأميركي تزامن مع انشغال المجتمع الدولي بملفات إقليمية وعالمية أخرى، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد الأزمات في الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى تراجع الأولوية الأمنية لمنطقة الساحل الأفريقي في الأجندة الدولية.
وشدّد الدبلوماسي المصري على أن تعليق التعاون الفرنسي مع مالي فتح الباب أمام تمدد التنظيمات الإرهابية، داعياً إلى تأسيس تحالف دولي جديد لدعم دول الساحل عسكرياً، ومواجهة هذه التحديات بالتنسيق مع الحكومات المحلية.
من جانبه، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، منير أديب، إن التنظيمات المتطرفة في دول الساحل الأفريقي، خاصة في مالي، أصبحت أكثر تطوراً وخطورة.
وأضاف أديب، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن التنظيمات الإرهابية طوّرت استراتيجيتها بشكل لافت، حيث أصبحت تتبنى تكتيكات عسكرية متقدمة.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة لم تعد مجرد تنظيمات مسلحة، بل تحوّلت إلى كيانات اقتصادية قوية، إذ باتت تسيطر على المناجم والمعابر الحدودية، وتفرض الجباية على الحركة التجارية، وتستخدم عائداتها في تمويل العمليات المسلحة، مما يزيد من صعوبة مواجهتها.
ولفت أديب إلى أن ما يجري في مالي لا يهددها فقط، بل يمتد أثره إلى الدول المجاورة في غرب أفريقيا، مؤكداً أن الحدود المفتوحة تسمح بحرية تنقل العناصر الإرهابية، وتنقل السلاح والمعدات، مما يوسّع رقعة الخطر، داعياً إلى تحرك دولي عاجل لتفكيك هذه التنظيمات.
وأكد أن الجيوش الوطنية في دول الساحل الأفريقي الثلاث لا تملك القدرة الكافية لمواجهة هذه التحديات منفردة، مشدداً على أن هناك حاجة ملحة لتعاون إقليمي ودولي واسع النطاق، يأخذ في الاعتبار الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية للأزمة.
أخبار متعلقة :