البابا للُبنانيين: حذار الهُروب والبقاء في الوطن يتطلب شجاعة وبصيرة

في الثالثة و45 دقيقة، بعد ظهر الأحد 30 تشرين الثاني 2025، وبينما كان لُبنان، من أقصاه إلى أقصاه، مُستنفَرًا لمُلاقاة ​البابا لاون الرابع عشر​ في زيارته التاريخية، حطت الطائرة البابوية في ​مطار بيروت​ الدولي. هذا في المطار، وأما خارجه فقد قُرعت أجراس الكنائس على امتداد الـ 10452 كيلومترا مربعا.

عنوان الزيارة: "طوبى لفاعلي ​السلام​"، وقد تزامنت مع ظُروف تكاد أن تكون الأصعب في تاريخ ​لبنان​. ولكن المسيحيين اللُبنانيين يُؤمنون بأن "الروح القدس" يفعل فعله في وقت الضيق: الزيارات البابوية والإرشاد الرسولي تأتي لتُحيي الرجاء في نفوس المؤمنين.

إذًا، يُنتظر أن تكون الزيارة البابوية التي تستمر حتى غد الثلاثاء، بمثابة رافعة دعم معنوي كبير للبنان ولأبنائه، وأن تحمل بشائر أمل للبنان المُنهك. وزيارة الأيام الثلاثة لن تكون مُجردَ حدث ديني، بل جسرَ محبة يمتد فوق آلام اللبنانيين، ليُذكرهم بأن لبنان ما زال وسيبقى ارضا تحمل في روحها ونبـضها القدرة على النُهوض مهما اثقلتها الجراح. ولطالما كان ذلك موقف ​الكرسي الرسولي​ الثابت تجاه العالم بأسره... وأما الاهتمام ​الفاتيكان​ي الخاص بلبنان، فمرده إلى "لبنان الرسالة"، على ما أكد مرارا البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني.

فقداسته يعلم جيدا، ما يُعاني منه لبنان، الذي لطالما نُظر إليه على أنه نموذج للتنوع الديني والمذهبي في الشرق الأوسط، مُنذ العام 2019، من أزمات مُتلاحقة شملت انهيار العملة الوطنية والارتفاع الكبير في مُعدلات الفقر، وتدهور الخدمات العامة، فضلا عن انفجار مرفإ بيروت في العام 2020 والحرب مع "إسرائيل".

وقداسته يُقدّر الدور السياسي المهم الذي يؤديه المسيحيون في لُبنان، الدولة العربية الوحيدة حيث رئيس الجمهورية مسيحي، ولكنه في المقابل قلق من تراجع أعدادهم في شكل حاد، في العُقود الأخيرة، وبخاصة بسبب مُعدلات ​الهجرة​ المُرتفعة.

مُقاربة مع زيارة تُركيا

وصل البابا إلى لُبنان، بعد زيارة لتركيا كانت بدأت الخميس الماضي، واختتمها صباح الأحد، وهي الأولى له إلى الخارج منذ انتخابه، باحتفال طقسي مهيب تحت قبة كاتدرائية القديس جاورجيوس الأرثوذكسية في اسطنبول. وهُناك قال البابا: "في هذا الوقت من الصراعات الدموية والعنف، في أماكن قريبة وبعيدة، الكاثوليك والمسيحيون الأرثوذكس مدعوون إلى أن يكونوا بناة للسلام". فماذا عساه سيقول في بيروت خلال اليومين ونصف اليوم من الزيارة البابوية المُحيية للأمل والباعثة للرجاء؟.

وقبيل ذلك، في الكاتدرائية الأرمنية في اسطنبول، أشاد البابا بـ"الشهادة المسيحية الشجاعة للشعب الأرمني على مر العصور، غالبا في ظروف مأسوية". وقد كانت هذه إشارة، من دون تسميتها صراحة، إلى قضية المجازر الأرمنية، وهي مسألة شديدة الحساسية في ظل رفض أنقرة بشدة استخدام مصطلح الإبادة الجماعية لوصف هذه المجازر التي وقعت عامي 1915 و1916 في ظل السلطنة العثمانية. فماذا سيقول قداسته في الشأن اللُبناني الراهن، البالغ التعقيد محليا وإقليميا ودوليا؟.

رسالة البابا لاوون إلى تُركيا فهمها جيدا رجل أعمال أرميني يُدعى مارديك إيفاديان، حضر إلى الكاتدرائية في اسطنبول ليقول لمُراسل "وكالة الصحافة الفرنسية": "اليوم، ليس من المُهم استخدام مصطلح إبادة جماعية أم لا". وأوضح: "الموضوع قديم. تكبدنا خسائر بشرية وقضت عائلات بأكملها، ولكننا نعيش في هذا البلد ويسعدنا العيش فيه. ربما كانت ثمة مشاكل في الماضي، ولكن اليوم يسود السلام".

الوصول إلى لبنان

لقد انتقل البابا إلى بيروت في طائرة إيرباص من طراز "ايه 320" تابعة لشركة الخطوط الجوية الإيطالية ITA، وقد جرى إصلاحها السبت بسبب عطل في برنامج التحكم، على غرار آلاف الطائرات الأُخرى من الطراز نفسه حول العالم.

وللوصول إلى القصر الرئاسي في بعبدا يتعين العُبور في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تُعرض لافتات ترحيبية بالحبر الأعظم. وقد استقبلت "كشافة المهدي"، التابعة لـ"حزب الله" البابا على الطريق، بمُشاركة فرقها الموسيقية.

كما وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للحبر الأعظم في المطار، في حُضور رؤساء الجُمهورية والحكومة والبرلمان ورجال دين. وأطلقت مدفعية الجيش قذائف خلبية ترحيبا بوصوله، فيما أطلقت السُفن الراسية في مرفإ بيروت أبواقها ابتهاجا.

ومن المطار، توجه البابا، وهو أول حبر أعظم يزور لُبنان بعد بنديكتوس السادس عشر سنة 2012، إلى القصر الرئاسي حيث التقى الرئيس جوزاف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل أن يُلقي خطابه الأول أمام السلطات وممثلي المجتمع المدني والسلك الديبلوماسي.

وعلى طريق المطار، كانت زهرة نحلة (19 عاما) تنتظر مُرور موكب البابا بفارغ الصبر. وقالت الشابة التي تتحدر من قرية جنوبية حُدودية مع "إسرائيل" لـ"وكالة الصحافة الفرنسية": "جئت لأقول إن اللبنانيين شعب واحد، ونحن يدا واحدة، البابا لا يخص المسيحيين فقط بل المُسلمين أيضا. نحن نُحبه كثيرا. ونُريده أن يُبارك أرضنا وأتمنى لو يتمكن من زيارة أرض الجنوب".

وفي القصر الجمهوري دعا البابا اللُبنانيين إلى التحلي بـ"شجاعة" البقاء في بلدهم، مُشددا على أهمية "المصالحة" من أجل مُستقبل مُشترك. وقال: "ثمة لحظات يكون فيها الهُروب أسهل، أو ببساطة، يكون الذهاب إلى مكان آخر أفضل. يتطلب البقاء أو العودة إلى الوطن شجاعة وبصيرة".

ودعا اللُبنانيين الى اتباع "طريق المُصالحة الشاق"، موضحا أن ثمة "جراحا شخصية وجماعية تتطلب سنوات طويلة وأحيانا أجيالا كاملة لكي تلتئم".

وتتضمن ​زيارة البابا​ محطات عدة، وأبرزها لقاء يعقده مع الشباب في مقر البطريركية المارونية في بكركي الاثنين، وقداس يترأسه في واجهة بيروت البحرية يُتوقع أن يحضره أكثر من مئة ألف مُؤمن.

زيارة الأب الأقدس روحية بامتياز. كما وتُعيد الاعتبار إلى عُمق المسيحية. والمحطات التي سيزورها أسطع دليل على ذلك: من ضريح ​القديس شربل​، ومع هذه الزيارة يكون دير مار مارون عنّايا قد أصبح معلَما عالميا عنوانُه أن لبنان وطن قداسة وقديسين.

وفي محطة دير الصليب أكثر من معنى حيث سيُذكر العالم بأبونا يعقوب الكبوشي. وفي لقاء الشبيبة أكثر من معنى، والأساس أن المسيحية هي دين المستقبل والأجيال الطالعة وليست فقط تاريخا. كما وأن من المحطات البارزة وقفة المرفإ حيث يُعيد البابا إلى الذاكرة مأساة تدمير نصف العاصمة فيما الحقيقة ما زالت مجهولة...

ليتورجيًا، تزامنت زيارة البابا لاوون لبنان مع "أحد زيارة العذراء لنسيبتها إليصابات"، فكأن اللُبنانيين رددوا الأحد: "ومِنْ أين لنا هذا"، أن يأتي إلينا رأس الكنيسة؟.

فها مُنذ وقع صوت لاوون في آذان اللُبنانيين، انبعث الرجاء مُجددا فيهم!.

محطات ورسائل

لطالما كان الكُرسي الرسولي إلى جانب لبنان في تاريخه الحديث. فمُنذ العام 1964 تتجلى العناية الفاتيكانية الخاصة بلبنان. وفي ذلك العام، كان البابا بولس السادس أول حبر أعظم يطأ أرض الشرق. وقد كانت لحظات تاريخية بامتياز، إذ كانت أول زيارة يقوم بها حبر أعظم إلى الشرق الأوسط على الإطلاق. وقد جاءت الزيارة في سياق عودته من الهند. كانت محطة عابرة ولكنها ذات دلالة عميقة.

جرت هذه الزيارة في العصر الذهبي للبنان، قبل اندلاع الحرب اللبنانية، ما جعلها اعترافا ببيروت كعاصمة للتعايش والانفتاح الثقافي. كما وأكدت "الرابط الأبوي العميق" بين الكُرسي الرسولي والكنائس المارونية والشرقية، وعززت مكانة لبنان كمركز إشعاع مسيحي في المنطقة.

-في العام 1997: كانت زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني. وقد جاءت بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب اللبنانية، في وقت كان لُبنان في أمَسّ الحاجة إلى رسالة وحدة وسلام. وقد التقى البابا حينها بالشباب، واحتفل بقداس ضخم حضرته حُشود هائلة من مختلف الطوائف. وقد كان الإنجاز الأبرز تأكيد البابا أن "لبنان أكثر من وطن، هو رسالة"، داعيا اللبنانيين إلى التمسُك بالعيش المُشترك والثبات على أرضهم. وشكلت رسالته نفحة أمل لإعادة بناء الثقة الوطنية.

-في العام 2012: زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر في ظُروف أمنية وسياسية دقيقة أيضا، حيث كان البلد مُثقلا بالاستقطابات والشلل السياسي في خضم تداعيات "الربيع العربي" في المنطقة. والأهمية القُصوى لزيارته تمثلت في اختياره بيروت لتوقيع الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة". وأكد البابا أن "العيش المُشترك في لُبنان هو ضمانة لمسيحيي الشرق". ووجه رسالة قوية إلى الشباب قائلا: "لا تخافوا ولا تتجرعوا عسل الهجرة المُر"، في دعوة واضحة إلى التمسُك بالأرض والهوية.

لقد تجاوزت نتائج الزيارات البابوية لُبنان البُعد الديني البحت، لتُلامس صلب القضية اللبنانية. كما وتركت بصمات عميقة على الصعيد الوطني والروحي والدولي، يمكن تلخيص أبرز نتائجها في تثبيت الهُوية اللبنانية، وضمانة مسيحيي الشرق إذ اعتبرت الفاتيكان، أن استقرار لبنان ووحدة أبنائه يمثل ضمانة لوجود مسيحيي الشرق الأوسط كله.

ومن النتائج أيضا تأمين الدعم في فترة ما بعد الحرب. وقد جاءت زيارة يوحنا بولس الثاني لتكون "صك مصالحة وطنية ومعنوية" بعد الحرب اللبنانية. وفي إطار تعزيز الشرعية الدولية، وضعت الزيارات البابوية لُبنان في شكل دائم على خارطة الاهتمام العالمي للفاتيكان، ما شكل ضغطا معنويا على القوى الإقليمية والدولية لاحترام سيادته واستقلاله.

وفي السياق لا بُد من الإشارة أيضا إلى الدعوات الفاتيكانية إلى الثبات، إذ وجه الباباوات، وبخاصة بنديكتوس السادس عشر، دعوات واضحة وقوية للشباب اللبناني والمسيحيين إلى التمسك بأرضهم. وقد شدد على أن الهجرة هي "عسل مُر" وتُؤدي إلى خسارة لبنان لرسالته الفريدة.

وختاما، جددت الزيارات الالتزام الكنسي، إذ أكدت "الدور الأساسي الذي تُؤديه المُؤسسات الكنسية والكاثوليكية في لبنان، من مدارس وجامعات ومُستشفيات، كركائز لصُمود المُجتمع وتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية في أصعب الظُروف الاقتصادية.

الخيار الشجاع

في الرحلة الخارجية الأولى له، حافظ البابا لاوون الرابع عشر على أسلوبه الحذر الذي يعتمده منذ انتخابه في أيار الماضي، مراعيا الحساسيات السياسية لمن التقاهم، ومُجددا رسائله المُؤيدة للوحدة واحترام ​التنوع الديني​.

وفي مجال آخر، قال المونسينيور أوغ دو ويليمونت، رئيس منظمة "لوفر دوريان"l'Oeuvre d'Orient الكاثوليكية، المعنية بمُساعدة المسيحيين في الشرق الأوسط، إن زيارة البابا للبنان تعكس "خيارا شجاعا".

أضاف: "يُعاني نموذج لبنان المُتعدد الأديان الآن، من هشاشة بالغة بسبب ديناميات المواجهة، على رُغم أن البلاد لديها الآن رئيس جمهورية ورئيس وزراء يعملان معا".

الفاتيكان وصف أيضا هذه الزيارة بـ"اللحظة الفارقة"، تُعلَّق عليها الآمال في بلد يُصارع ضائقة اقتصادية خانقة ومخاوف وجودية تُهدد نسيجه الاجتماعي المتفرد، إضافة إلى استهداف إسرائيلي مع كل شروق شمس، على رغم اتفاق وقف اطلاق النار الموقع في 27 تشرين الثاني 2024.

هو كلام مُختصَر يوجز الإشكالية اللبنانية، ويضع الإصبع الفاتيكاني على الجرح اللُبناني، ويؤكد أن ما بعد الزيارة البابوية ليس كما قبلها.

كانت هذه تفاصيل خبر البابا للُبنانيين: حذار الهُروب والبقاء في الوطن يتطلب شجاعة وبصيرة لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :