نجوم تحدّوا الأمراض النفسية.. وتحولوا إلى رموز لدعم الصحة النفسية عالميًا

كتبت: ياسمين عمرو في الجمعة 10 أكتوبر 2025 03:58 مساءً - في العاشر من أكتوبر من كل عام، يتوقف العالم قليلًا، لا ليحتفل فحسب، بل ليصغي إلى الأصوات الخافتة التي تختبئ خلف الصمت الطويل. إنه اليوم العالمي للصحة النفسية، مناسبة إنسانية كبرى تستحضر في جوهرها معنى التراحم، وتدعو البشرية إلى كسر جدار العزلة الذي يحيط بالمصابين بالاضطرابات النفسية، وإلى إعادة الاعتبار للسلام الداخلي بوصفه حقًا إنسانيًا لا يقل أهمية عن الغذاء أو الأمان.

انطلقت هذه المبادرة عام 1992 بجهود الاتحاد العالمي للصحة النفسية (WFMH) بقيادة نائب الأمين العام الطبيب البريطاني ريتشارد هانتر، الذي حلم بأن يجتمع العالم سنويًا تحت راية واحدة من أجل كسر الوصمة التي تلاحق المرض النفسي. ومنذ ذلك العام، أصبح العاشر من أكتوبر موعدًا ثابتًا يذكّر العالم بضرورة الحديث عن الألم بدل إخفائه، ويمثل فصل الخريف، بتقلباته الحادة وسمائه الرمادية، خلفية رمزية لهذه المناسبة التي تسعى لإضاءة العقول والقلوب في أكثر الفصول حزنًا، وفي العام 2025، يكتسب اليوم العالمي للصحة النفسية بُعدًا أكثر إلحاحًا تحت شعار: الوصول إلى الخدمات: الصحة النفسية في الكوارث والطوارئ"، شعارٌ يعكس مأساة يعيشها أكثر من 300 مليون إنسان حول العالم ممن يحتاجون إلى دعم نفسي عاجل في ظل النزاعات والحروب والكوارث الطبيعية وتبدلات المناخ وضغوط الحياة الحديثة.

وسط هذا الوعي المتنامي، تحولت بعض الوجوه اللامعة في السينما والموسيقى إلى رموز ملهمة في المعركة ضد الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية. نجوم لم يكتفوا باعتلاء المسرح أو شاشة السينما، بل اعتلوا منصة الصدق مع الذات، وتحدثوا بشجاعة عن تجاربهم مع الانهيار، العلاج، والتعافي. ومع مرور الوقت، صاروا سفراء غير رسميين للأمل، يذكّرون الملايين بأن الألم لا ينتقص من المجد، وأن الحديث عن الضعف هو أول طريق القوة، وفي هذا التقرير، نروي قصص نجوم عالميين واجهوا العتمة بشجاعة، وحوّلوا معاناتهم الشخصية إلى رسائل نور وأمل تتجاوز حدود الشهرة لتلمس قلوب البشر في كل مكان.

ديمي لوفاتو: من حافة الهاوية إلى صوت الأمل

كانت ديمي لوفاتو واحدة من ألمع نجوم جيل ديزني، مراهقة موهوبة تفيض بالحيوية على الشاشة في Camp Rock وتخطف قلوب الجماهير بأغانيها المليئة بالطاقة. لكن وراء الكاميرات، كانت الفتاة الصغيرة التي اعتادت إضاءة المسارح تُطفئ أنوار غرفتها باكية، غارقة في صراعاتها الداخلية مع الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل.

تلك المفارقة القاسية بين صورة النجمة المثالية والإنسان المرهق في أعماقها كانت تزداد حدة عامًا بعد عام، إلى أن جاء صيف 2018 كنقطة انهيار كاملة — حين وُجدت ديمي فاقدة الوعي إثر جرعة زائدة من المهدئات، ووقفت على حافة الموت.

في تلك اللحظة التي كان يمكن أن تكون نهايتها، اختارت Demi Lovato أن تبدأ من جديد. لم تختبئ خلف الصمت أو الصورة اللامعة، بل واجهت العالم بشجاعة نادرة. في فيلمها الوثائقي الجريء Dancing with the Devil (2021)، تحدثت بصدق مزلزل عن رحلتها مع الاضطراب ثنائي القطب، عن السقوط والانتكاسة، وعن رحلة العلاج التي استغرقت سنوات من المواجهة والدعم الأسري والإيمان بجدوى النجاة. كانت كلماتها بمثابة اعتراف جماعي نيابةً عن جيلٍ كامل يشعر بالخوف من الهشاشة.

تحوّلت ديمي من ضحية إلى سفيرة للأمل. دعمت حملات التوعية العالمية بالصحة النفسية، من بينها مبادرة Seize the Awkward التي تحث الشباب على التحدث عن مشاعرهم دون خجل، وشاركت في فعاليات الاتحاد العالمي للصحة النفسية. وفي عام 2025، اختارت أن تربط رسالتها بشعار اليوم العالمي لهذا العام، مطالبة بضرورة توفير الدعم النفسي الطارئ للناجين من الكوارث والنزاعات، مؤكدة أن التعافي لا يعني غياب الألم بل القدرة على السير معه بثبات.

وفي أغانيها مثل Skyscraper وAnyone، تعود ديمي لتغني للجرح نفسه الذي كاد أن يبتلعها. كل نغمة، كل تنهيدة، تحمل نداءً إلى من يعيش العزلة ذاتها: "أنت لست وحدك... والتعافي ممكن."

اليوم، وبعد أعوام من التعافي والعمل المجتمعي، أصبحت ديمي لوفاتو رمزًا عالميًا للشجاعة النفسية، وصوتًا حقيقيًا للجيل الذي قرر ألا يخفي ضعفه، بل يحوله إلى طريق نحو الشفاء.

ليدي غاغا... من عتمة الصدمة إلى تأسيس حركة عالمية للشفاء

خلف الأزياء الغريبة والإطلالات المسرحية التي صنعت أسطورة ليدي غاغا، تختبئ حكاية إنسانية قاسية لامرأة واجهت الظلام مبكرًا وتحوّلت إلى منارة للآخرين. ولدت ستيفاني جيرمانوتا في نيويورك، فتاة خجولة تحمل حلمًا موسيقيًا، لكن طريقها لم يكن مفروشًا بالنجاح، بل بالآلام النفسية التي كادت أن تُخمد موهبتها قبل أن تولد. ففي سن التاسعة عشرة، تعرضت لاعتداء جسدي ترك جرحًا عميقًا في حالتها النفسية وتحوّل لاحقًا إلى اضطراب ما بعد الصدمة، لتجد نفسها في دوامة من القلق والاكتئاب المزمن.

لكنها، بدلاً من أن تختبئ خلف أقنعة الشهرة، واجهت هذا الماضي بشجاعة نادرة. في كل مرة صعدت فيها إلى المسرح، كانت تحمل رسالة غير معلنة: أن الفن يمكن أن يكون علاجًا، وأن الموسيقى قادرة على تضميد الجراح النفسية. ومن هذا الإيمان وُلدت عام 2012 مؤسستها الإنسانية Born This Way Foundation، التي أسستها بالتعاون مع والدتها سينثيا جيرمانوتا، لتصبح مظلة دعم نفسي للشباب في المدارس والجامعات، وفضاءً آمنًا يربط بين الأمل والعلاج والتعليم العاطفي.

المؤسسة — التي تُعد اليوم من أكثر المبادرات تأثيرًا في مجال الصحة النفسية — وصلت إلى أكثر من 100 ألف شاب في أنحاء العالم، عبر برامج تدريبية وورش تأمل ومبادرات رقمية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. ومع مرور السنوات، تحوّلت “Born This Way” إلى ما يشبه حركة اجتماعية، تُعلّم جيلًا كاملًا كيف يحب نفسه كما هو، وكيف يتحدث عن ألمه بلا خوف.

وفي عام 2025، ومع شعار اليوم العالمي للصحة النفسية "الوصول إلى الخدمات في أوقات الكوارث والطوارئ"، عادت غاغا لتؤكد في مقابلاتها أن “النجاة تبدأ بالاعتراف”، داعية إلى توفير خدمات دعم نفسي في مناطق الصراع والكوارث الطبيعية، حيث يُترك الملايين وحيدين في مواجهة الصدمة.

وبين صوتها القوي في أغنية “Born This Way” ورسائلها الإنسانية، رسّخت غاغا صورة الفنانة التي تجاوزت مفهوم النجومية لتصبح رمزًا عالميًا للقبول الذاتي والشفاء الجماعي. قصتها تشبه سيمفونية تبدأ بالحزن وتنتهي بالتحرر، تُذكّرنا بأن أعظم الحروب لا تُخاض على المسارح، بل في داخل النفس البشرية.

سيلينا غوميز... حين تحوّل الألم إلى طاقة شفائية

لم تكن رحلة النجمة الأميركية سيلينا غوميز مجرد قصة نجاح فني مبكر، بل حكاية صراع داخلي طويل مع الاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب. من فتاة ديزني المرحة التي رافقها الضوء منذ المراهقة، إلى امرأة واجهت في العلن أكثر ما يخشاه النجوم: هشاشتها النفسية.

في عام 2016، فاجأت العالم بإيقاف جولتها الغنائية العالمية لتعلن أنها تعاني من اضطراب ثنائي القطب وتحتاج إلى "وقت للشفاء"، خطوة بدت آنذاك مخاطرة مهنية، لكنها تحوّلت لاحقًا إلى إعلان شجاعة.

وفي عام 2022، أطلقت الفيلم الوثائقي المؤثر "Selena Gomez: My Mind & Me" الذي كشف سنوات من الألم والعزلة، لكنه قدّم أيضًا لحظات صدق نادرة حين قالت: "أتمنى لو أستطيع أن أحتضن كل من يشعر بما شعرت به"، جملة تحوّلت إلى شعار تعاطف عالمي.

لم تكتفِ سيلينا بالكشف عن معاناتها، بل أسست منصات توعية مثل Rare Impact Fund لدعم خدمات الصحة النفسية بين الشباب، وجعلت من علامتها التجارية “Rare Beauty” وسيلة لتمويل هذه المبادرات، مؤكدة أن الجمال الحقيقي يبدأ من التوازن الداخلي لا من ملامح الوجه.

اليوم، تُعتبر غوميز من أبرز الأصوات التي غيّرت نظرة هوليوود للمرض النفسي، وقد ألهمت ملايين المتابعين حول العالم ليطلبوا المساعدة دون خجل، مثبتة أن الشهرة لا تضمن السعادة، وأن الصدق مع الذات هو أول خطوة نحو الشفاء.

كيت وينسلت... حين تحوّلت الهشاشة إلى مصدر قوة نسائية ملهمة

بين ملامحها الهادئة وصوتها الرزين الذي يختزن دفء التجربة، تقف كيت وينسلت اليوم كواحدة من أبرز النجمات اللاتي جسّدن معنى الصمود النفسي الحقيقي. قد يعرفها الملايين كـ"روز" في فيلم Titanic، لكنها خارج الشاشة تحمل قصة أكثر عمقًا من قصص الحب السينمائية التي اشتهرت بها. في سنوات المراهقة، كانت كيت فتاة خجولة، تتعرّض للتنمر بسبب وزنها الزائد وشكلها المختلف عن معايير الجمال الهوليوودية. كانت تسمع من معلميها وزملائها كلمات جارحة عن جسدها، فزرعت تلك التجارب في داخلها بذور شكّ مؤلم في الذات، سرعان ما تحولت إلى اضطرابات نفسية في بدايات شهرتها.

بعد نجاح Titanic الساحق عام 1997، وجدت كيت نفسها في مواجهة عالم قاسٍ من المقارنات والانتقادات، حيث تحوّلت فجأة إلى رمز أنثوي عالمي، بينما كانت هي بالكاد تحاول التصالح مع صورتها في المرآة. في مقابلات لاحقة، اعترفت بأنها عانت من نوبات قلق متكررة ونظرة سلبية للجسد، وأنها لجأت إلى العلاج النفسي لتتعلم كيف تحب نفسها من جديد. قالت في أحد لقاءاتها: "كنت أكره نفسي حين كنت في العشرين، والآن أتعلم كيف أكون صديقة لذاتي."

من هذا الوعي ولدت رسالتها الإنسانية: تمكين النساء والفتيات من تجاوز القوالب الجسدية والنفسية المفروضة عليهن. أصبحت وينسلت سفيرة للعديد من المبادرات المعنية بالصحة النفسية وجمال الجسد الطبيعي، وألقت خطابات مؤثرة في الأمم المتحدة ومؤتمرات التعليم حول أهمية التربية العاطفية في المدارس. كما أطلقت حملة بالتعاون مع مؤسسة Mind البريطانية تحت شعار "It’s OK to be you"، لتشجيع الفتيات على الحديث عن مخاوفهن دون خجل.

وفي عام 2025، ومع تركيز اليوم العالمي للصحة النفسية على “الوصول إلى الخدمات في الكوارث والطوارئ”، شددت كيت على أهمية دعم الأمهات والنساء في الأزمات الإنسانية، مؤكدة أن “كل أم تحتاج من يسمعها، لا من يحكم عليها”. وفي مشهد رمزي مؤثر، قدّمت تبرعًا سريًا لإحدى الأمهات التي كانت تكافح تكاليف العلاج النفسي لطفلتها، قائلة: “كلنا نحتاج إلى من ينقذنا أحيانًا، حتى لو لم نغرق في المحيط.”

قصة كيت وينسلت ليست مجرد سيرة نجمة تحدّت المعايير، بل شهادة إنسانية على أن الهشاشة يمكن أن تكون أقوى دروعنا. فهي تُجسد الوجه الحقيقي للتعافي: ليس في إخفاء الندوب، بل في التحدث عنها بصوت واضح، ليعرف الآخرون أنهم ليسوا وحدهم.

دواين "ذا روك" جونسون... القوة التي وُلدت من الاعتراف بالضعف

خلف الابتسامة العريضة والعضلات التي جعلته أحد أكثر نجوم هوليوود تأثيرًا، يقف دواين جونسون، المعروف بلقب "ذا روك"، كرمز استثنائي للقوة التي تنبع من الصدق لا من الصمت. فالرجل الذي بنى مسيرة مبهرة في المصارعة والسينما، عاش في بداياته معارك داخلية لا تقل ضراوة عن تلك التي خاضها على الحلبة. في شبابه، بعد إصابات متكررة أنهت حلمه في كرة القدم الأمريكية، وجد نفسه في مواجهة اكتئاب عميق، وصفه لاحقًا بأنه "الظلام الصامت" الذي كاد يبتلعه.

في لحظة اعتراف نادرة، كشف جونسون أن والدته حاولت الانتحار أمام عينيه، حين كان في الخامسة عشرة من عمره، وهي الحادثة التي تركت أثرًا نفسيًا لا يُمحى. لم يتحدث عنها لسنوات، لكنه عاد إليها بعد عقود حين شعر أن ملايين الرجال حول العالم يعيشون في الصمت ذاته. ومن هنا بدأت رحلته الجديدة، لا كفنان، بل كصوت إنساني يجرؤ على كسر الصورة النمطية عن "الرجل القوي الذي لا يبكي".

في مقابلاته وبرامجه التلفزيونية، بدأ “ذا روك” يتحدث بصراحة عن العلاج النفسي والتمارين التأملية كوسائل للنجاة، مؤكّدًا أن “طلب المساعدة ليس ضعفًا، بل شجاعة”. أطلق حملات دعم بالتعاون مع مؤسسات الصحة النفسية في الولايات المتحدة، وشارك في مبادرات موجهة لقدامى المحاربين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، كما موّل برامج خاصة بالصحة النفسية للأطفال في المجتمعات الفقيرة.

عام 2025، وفي ظل الأزمات العالمية، جدّد دواين جونسون دعوته إلى “إنسانية بلا أقنعة”، عبر حملته الرقمية #TalkStrong التي حثّ فيها متابعيه (أكثر من 400 مليون على إنستغرام) على الحديث عن مشاعرهم وعدم الاختباء خلف المظاهر.

إن قصته تُمثل انعكاسًا حيًا لشعار اليوم العالمي للصحة النفسية: “لا صحة بدون صحة نفسية”. فبينما اعتاد الجمهور رؤيته كجبل من الصلابة، قدّم هو للعالم درسًا مختلفًا — أن أقوى الرجال هم أولئك الذين يملكون شجاعة الاعتراف بأنهم تألموا.

وهكذا تحوّل "ذا روك" من بطل أفلام الحركة إلى بطل من نوع آخر: رجل يُعيد تعريف القوة، لا بوصفها غياب الألم، بل بقدرته على تحويل الألم إلى رسالة حياة، تلهم الملايين على مواجهة ظلامهم الشخصي بشجاعة وصدق.

روبرت داوني جونيور... من السقوط في العتمة إلى رمز للنهضة النفسية والإبداعية

في ذاكرة هوليوود، نادرًا ما يجد المرء قصة عودة أكثر إلهامًا من قصة روبرت داوني جونيور. الممثل الذي يُجسّد اليوم شخصية Iron Man، رمز العبقرية والقوة والتجدد، عاش في واقعه فصولًا أشد ظلمة من أي فيلم. وُلد داوني في أسرة فنية غارقة في التناقضات، فوالده كان مخرجًا مستقلًا ومتعاطيًا للمخدرات، وسمح له بتجربتها وهو لم يتجاوز الثامنة. تلك التجربة المبكرة كانت بذرة مسار طويل من الإدمان والاكتئاب، جعلت حياته المهنية والشخصية تنهار أمام عينيه.

في التسعينيات، رغم موهبته الطاغية التي جعلت النقاد يصفونه بـ"العبقري الملعون"، عاش داوني سنوات من الاعتقالات المتكررة والعزلة النفسية. وصل إلى نقطة بدا فيها أن موهبته انتهت قبل أن تزدهر، حتى قال عنه أحد المخرجين: "إنه أفضل ممثل لن تراه مجددًا على الشاشة." لكن التحول بدأ حين قرر مواجهة نفسه، لا العالم. خضع للعلاج النفسي والسلوكي، ودخل برامج إعادة تأهيل طويلة، واستعان بتقنيات التأمل والعلاج بالطاقة، ليبدأ رحلة شفاء بطيئة، لكنها صادقة.

حين عاد إلى السينما في مطلع الألفية، لم يعد فقط كممثل ناجٍ، بل كإنسان جديد يدرك هشاشته وقوته في آنٍ واحد. عام 2008، جاء فيلم Iron Man كولادة رمزية ثانية، جسّد فيها داوني شخصية رجل يسقط في الظلام ليصنع من رماده درعًا من الضوء. لم تكن شخصية توني ستارك مجرد دور تمثيلي، بل كانت استعارة عن نفسه: رجل حوّل الألم إلى ابتكار، والفوضى إلى نظام داخلي جديد.

بعد نجاحه الساحق، أصبح داوني من أبرز الداعمين لمبادرات الصحة النفسية في صناعة السينما، حيث أطلق برامج لدعم الممثلين الشبان الذين يواجهون الإدمان أو اضطرابات القلق، كما موّل مراكز لإعادة التأهيل بالتعاون مع مؤسسات مثل NAMI وMental Health America. في عام 2024، صرّح في حديث لصحيفة The Guardian: "العلاج أنقذ حياتي، لكنه أيضًا أنقذ فني. لا يمكنك أن تكون مبدعًا إن كنت تحارب نفسك."

واليوم، في عام 2025، بات روبرت داوني جونيور شاهدًا حيًا على أن السقوط ليس النهاية، بل بداية الطريق نحو النور. قصته تذكّرنا بأن الصحة النفسية لا تخص الضعفاء، بل أولئك الأقوياء بما يكفي ليعترفوا بأنهم مكسورون.

فمن المجرّد إلى الميتافور، ومن قاعات المحاكم إلى شاشات العالم، صنع داوني ملحمته الخاصة: حكاية إنسان واجه ذاته وانتصَر — لا بسلاح خارق، بل بإيمان داخلي أن التعافي ممكن، وأن الحياة تستحق دومًا فرصة أخرى.

كريس إيفانز: من «كابتن أمريكا» إلى بطل التعاطف

عندما ارتدى كريس إيفانز درع Captain America، بدا للعالم نموذجًا للقوة والسيطرة والانضباط، صورة مثالية للبطل الذي لا يهتز. لكن خلف ذلك الوجه الهادئ كانت تختبئ نوبات قلق وهلع متكررة، بدأت منذ بداياته مع الشهرة، وتفاقمت مع تصاعد الأضواء حتى أصبحت تضغط على أنفاسه في كواليس العروض واللقاءات الصحفية.

في أكثر اللحظات تألقًا، كان يشعر أنه على وشك الانهيار — كما لو أن “الدرع الحديدي” الذي يحمي العالم لا يستطيع أن يحميه من نفسه.

إيفانز لم يتظاهر بالتماسك طويلاً. اختار أن يواجه خوفه بالصدق، فبدأ رحلة علاج نفسي منتظمة ساعدته على إعادة تعريف معنى القوة. في مقابلاته الأخيرة، قال:

“الشجاعة ليست في إخفاء القلق، بل في الاعتراف به والعمل على تجاوزه.”

منذ تلك اللحظة، تحوّل كريس من ممثل خارق إلى سفير للتعاطف الإنساني. شارك في حملات Seize the Awkward الداعية إلى فتح الحوارات حول الصحة النفسية، مشجعًا الشباب على مشاركة مشاعرهم وعدم خجلهم من طلب المساعدة. وفي عام 2025، تبنّى مبادرة تدعو إلى توفير برامج دعم نفسي في مناطق الكوارث والصراعات، مؤمنًا أن “التعاطف هو السلاح الأقوى في وجه الألم”.

أصبح كريس إيفانز اليوم نموذجًا للبطل الذي لا يُنقذ العالم فقط، بل يذكّر الناس أن الإنسانية نفسها بطولة. قصته التي بدأت خلف الكواليس تحوّلت إلى جسر من الفهم بين الجماهير والمشاهير، لتعيد تعريف البطولة في عصر تتسارع فيه الضغوط النفسية أكثر من المعارك الخيالية.

ستيفن فراي، فيولا ديفيس، وميغان ثي ستاليون: أصوات متنوعة لتغيير شامل

في قلب لندن، كان ستيفن فراي يعيش حياة تبدو مثالية — ممثل لامع، كاتب ذكي، ومقدم برامج محبوب. لكن خلف تلك النجاحات، كان يعيش صراعًا مريرًا مع الاضطراب ثنائي القطب الذي لازمه منذ شبابه. في عام 2006، حين قرر التحدث علنًا عن مرضه في وثائقيه The Secret Life of the Manic Depressive، فتح بابًا جديدًا للحديث الصادق عن الاضطرابات النفسية في المجتمع البريطاني.

تحوّل فراي بعدها إلى رئيس شرفي لمنظمة Mind البريطانية، مدافعًا شرسًا عن العلاج النفسي العام والمجاني، وعن أهمية الدعم المجتمعي لا الدوائي فقط. وفي كل عام، يشارك في فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية، مؤكدًا أن “الكلمة الصادقة قد تُنقذ حياة مثل الدواء تمامًا.”

أما فيولا ديفيس، فقد كانت رحلتها مختلفة تمامًا — من طفولة غارقة في الفقر والعنف الأسري إلى واحدة من أعظم ممثلات جيلها. في كل مقابلة، تتحدث فيولا بجرأة عن جراحها القديمة: الخوف، العزلة، وصدمات التمييز العرقي. لكنها لم تكتفِ بالكشف، بل جعلت من قصتها منصة للتغيير. أسست مبادرات تُعنى بالصحة النفسية للمجتمعات السوداء في الولايات المتحدة، معتبرة أن “الشفاء يبدأ عندما نجرؤ على الاعتراف بأننا تألمنا.”

تحوّلت فيولا إلى صوت المقهورين، ووجّهت طاقتها إلى تمكين النساء والفتيات اللواتي عشن صدمات مشابهة، مؤكدة أن الحديث عن الألم ليس عيبًا، بل خطوة نحو الحرية.

أما ميغان ثي ستاليون، فقد اختارت طريقها الخاص بعد سلسلة من الأزمات الشخصية التي ترافقت مع نجاحها الموسيقي الكبير. عانت من القلق والحزن إثر فقدان والدتها وصديقتها المقربة، لكنها حوّلت تلك الجراح إلى فعل إيجابي، فأطلقت مبادرتها الشهيرة “Bad B—ches Have Bad Days Too” التي تقدم موارد نفسية مجانية للنساء والشباب عبر الإنترنت.

بهذه الخطوة الجريئة، كسرت ميغان حاجز الخوف من الحديث عن الاضطرابات العاطفية في عالم الموسيقى الصاخب، وأثبتت أن الفن يمكن أن يكون بابًا للشفاء لا مجرد وسيلة للهروب.

في عام 2025، وقف الثلاثة — فراي وديفيس وميغان — على منصات مختلفة لكن بصوت واحد، يدعمون شعار اليوم العالمي للصحة النفسية الداعي إلى الاهتمام بالصحة النفسية في أوقات الكوارث والطوارئ، مؤكدين أن الحق في الدعم النفسي لا يميّز بين لون أو طبقة أو ثقافة.

أصواتهم الثلاثة — من المسرح البريطاني إلى هوليوود إلى مسارح الهيب هوب — جسّدت فكرة واحدة: أن الشفاء لا يُقاس بالشهرة، بل بقدرة الإنسان على تحويل ألمه إلى أملٍ مشترك.

قصص المليئة بالصراع والرجاء تذكرنا أن طلب المساعدة هو أول خطوة في طريق الشفاء، وأن العالم يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أصوات تحكي بصدق، وتحب بعمق، وتشفي بالكلمة والمثال.

يُمكنكِ قراءة: ليوناردو دي كابريو يؤكّد عمق صداقته بـ كيت وينسلت في العرض الخاص لفيلم "Lee"

لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام الخليج 365».

وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك الخليج 365».

ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «الخليج 365 فن».

 

أخبار متعلقة :