اليابان | أوكوما شيغينوبو ”رابع أعمدة“ نهضة اليابان

لعب أوكوما شيغينوبو دورا أساسيا في تحديث اليابان، وقد نشر كتاب مؤخرا ينسب مؤلفه الفضل لأوكوما في ”تسوية الفوضى وإنقاذ البلاد من أزمة قومية“.

”تنين“ السياسة اليابانية

يعرف أوكوما شيغينوبو (1838-1922) في اليابان من قبل معظم الناس باعتباره مؤسس جامعة واسيدا في طوكيو، وهي إحدى مؤسسات التعليم العالي الخاصة المرموقة في البلاد. ومن المفارقات أن عددا أقل من الناس اليوم على معرفة بإنجازاته كرجل دولة أو يدركون مدى أهميته في السياسة في ذلك الوقت. وإن الهدف من إصدار هذا الكتاب الجديد هو تصحيح نظرة الناس حيال إنجازاته.

يصرح سوزوكي بعد تخرجه من قسم الاقتصاد في جامعة طوكيو، بأنه لم يكن لديه أي علاقة شخصية مع واسيدا. حيث يقول: ”كان اهتمامي منصبا على أوكوما باعتباره سياسيا، وأردت أن أناقش المساهمات المهمة التي قدمها باعتباره أحد أهم الشخصيات السياسية في عصره، فقد تمكن من انتشال اليابان من أزمة طويلة الأمد خلال العقدين الأوليين من القرن العشرين“.


تمثال لأوكوما شيغينوبو في واسيدا بطوكيو في ”يوم العودة للوطن“ في 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 (© إيزومي نوبوميتشي).

تقرّ وجهة النظر التقليدية للتاريخ الياباني بالنبلاء الثلاثة العظام الذين ساهموا في نهضة البلاد وهم سايغو تاكاموري وأوكوبو توشيميتشي وكيدو تاكايوشي. أما أوكوما فيعتبره سوزوكي ”الرجل الرابع“ في عصر نهضة ميجي وينسب الفضل إليه في ”تسوية الفوضى وإنقاذ البلاد من أزمة قومية“. يشبهه الكاتب بـ ”الرامي البديل“ في لعبة البيسبول الذي يدخل إلى الملعب عندما تبدأ قوة الرامي الأساسي بالتضاؤل.

ظل أوكوما بعيدا عن الأنظار منشغلا ببناء قوته ومنغمسا في الدراسة والتأمل حتى صعد إلى الساحة بهذه الصفة الطارئة، مثل سمكة تتخفى في قاع البحر. ولم يكن لدى العالم أجمع أي فكرة عما يعتزم فعله، إلى أن تعثرت الدبلوماسية اليابانية في طريق مسدود ودخلت في أزمة، عندها ظهر فجأة على المسرح لحل هذه المعضلة ووجد الحل للمصاعب التي كانت تؤرق البلاد. إلا أنه توارى بهدوء عن الأنظار بمجرد استعادة النظام وشعر جمهوره بافتقاده.

ذكّرني وصف سوزوكي لسنوات أوكوما الأولى بدورة حياة التنين كما هو موصوف في كتاب العرافة الصيني القديم ”كتاب التغيرات أو أيجنغ“. يبدأ التنين حياته متخفيا تحت الأرض ثم يمر بمراحل مختلفة من النمو والتطور قبل أن ينمو ليصبح تنينا طائرا رائعا يحلق في السماء ويرتفع بشكل مهيب قبل أن تتراجع قدراته ​​مجددا في النهاية.

أقيل أوكوما من منصبه الحكومي عام 1881 في أعقاب أزمة سياسية أثارتها الخلافات حول الشكل الذي يجب أن يتخذه دستور البلاد. (كان أوكوما يؤيد دستورل ليبراليا على النموذج البريطاني ولكن عارضه إيتو هيروبومي وآخرون ممن فضلوا دستورا على النمط البروسي يمنح الإمبراطور المزيد من السلطة). ولكن هذه النكسة كانت مؤقتة، فما لبث أن عاد في وقت لاحق إلى السلطة، حيث شغل منصب وزير الخارجية ومنصب رئيس وزراء مرتين. يسلط هذا الكتاب الضوء على حياته المضطربة والمتقلبة بشكل واضح، حيث تتداخل حياة أوكوما بإتقان مع تاريخ اليابان الحديث الأوسع.

أول ظهور مبهر

ظهر أوكوما على الساحة الدبلوماسية في عام 1868، بعد وقت قصير من استيلاء حكومة ميجي على السلطة. وبالرغم من طابعها الإصلاحي، إلا أنها حافظت على الحظر الذي فرضه النظام القديم على المسيحية. بدأ جماعات ”مسيحيين متخفين“ منذ خمسينات القرن التاسع عشر بالخروج من العزلة في ناغاساكي وأجزاء أخرى من كيوشو مع عودة المسيحيين إلى اليابان وبنيت الكنائس لأول مرة منذ قرون لتلبية احتياجات السكان الأجانب. وقد قامت الحكومة الجديدة بقمع هؤلاء المسيحيين اليابانيين ووقعت عدة حوادث قمع وتعذيب تم نشرها على نطاق واسع. فوّض الدبلوماسي البريطاني الكبير هاري باركس لتوجيه توبيخ شديد اللهجة للحكومة الجديدة نيابة عن القوى الغربية. لذا وجدت حكومة ميجي نفسها في موقف صعب حيث أن باركس كان قد قدم دعما مؤثرا للحكومة الجديدة أثناء صراعها ضد النظام القديم. وحسب ما ذكره سوزوكي في كتابه ”تم اختيار أوكوما الذي لم يكن معروفا تماما في ذلك الوقت لتمثيل الحكومة الجديدة وهزم خصمه البريطاني تماما في مناظرة حول التسامح مع المسيحية وأنقذ الحكومة الجديدة من مأزق صعب وصعد على الفور إلى الصدارة“.

ولد أوكوما في عائلة ساموراي في مقاطعة ساغا في كيوشو. سافر للدراسة في ناغاساكي في العشرينات من عمره، حيث تعلم اللغة الإنجليزية على يد مبشر هولندي أمريكي يدعى غويدو فيربيك. يقول سوزوكي إنه بفضل ما تعلمه في ناغاساكي، تمكن أوكوما من الوقوف في وجه باركس وحتى التفوق عليه: ”لأنه درس العهد الجديد وإعلان الاستقلال الأمريكي مع فيربيك، كان يعرف أن تاريخ المسيحية كان تاريخا من الحرب والغزو والقمع. وبفضل مهارات النقاش والمعرفة التي يمتلكها أوكوما فقد تمكن من قلب الطاولة على خصمه“.

تطوير علاقات وثيقة مع بريطانيا والولايات المتحدة

بعد أن فقد منصبه في الحكومة في اضطرابات عام 1881، أسس أوكوما جامعة ”طوكيو سينمون غاكّو“ التي تطورت فيما بعد إلى جامعة واسيدا. ولكن ما لبث أن استأنف مشواره السياسي عندما استدعاه إيتو هيروبومي إلى الحكومة كوزيرا للخارجية مكلفا بمراجعة ”المعاهدات غير المتكافئة“ سيئة السمعة مع القوى الغربية. وقد أوقفت المفاوضات مؤقتا بعد أن فقد ساقه اليمنى بسبب إلقاء أحد أعضاء جماعة قومية متطرفة قنبلة على عربته التي يجرها حصان. وترأس أول حكومة يقودها حزب في اليابان في عام 1898، حيث تولى منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية في نفس الوقت.

وفي عام 1914، أصبح أوكوما رئيسا للوزراء للمرة الثانية عن عمر يناهز 76 عاما. أشاد سوزوكي كثيرا بالفترة الثانية من توليه المنصب واصفا حكومة أوكوما الثانية بأنها ”الوزارة المتميزة في عصر تايشو (1912-1926)، والتي نجحت في حل المشكلات الشائكة التي كانت تواجهها اليابان منذ الحرب الروسية اليابانية، ولا سيما مواجهة إعادة هيكلة الشؤون المالية العامة“.

واستطاع أوكوما في ولايته الثانية كرئيس للوزراء، إدخال اليابان الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء على أساس معاهدة اليابان مع بريطانيا. وبذلك أصبحت اليابان على الجانب المنتصر حيث سيطرت على الممتلكات الألمانية في الصين والمحيط الهادئ في هذه العملية. ويقول سوزوكي في كتابه أن الولايات المتحدة بموجب خطة الحرب البرتقالية، كانت تطور خطة في ذلك الوقت من أجل القيام بغزو عسكري لليابان لتأمين الهيمنة الأمريكية في المحيط الهادئ.

يكتب سوزوكي: ”دعمت حكومة أوكوما الثانية حليفتها بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، وبالتالي أصبحت حليفة للولايات المتحدة وقاتلت معها ضد ألمانيا وجعلت خطة الحرب البرتقالية موضع نقاش“. اتبع أوكوما سياسة خارجية تقوم على الوفاق والتعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة وذلك بالتعاون مع وزير خارجيته الموالي لبريطانيا كاتو تاكاكي، وتبنت سياسته موقف ”تجنب أي زيادة في الميزانية العسكرية من خلال العمل على تخفيف التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي“.

ولكن أطيح بحكومة أوكوما من قبل المنافس السياسي ياماغاتا أريتومو وهو أحد أعضاء فصيل تشوشو ضمن مجموعة المتقاعدين الكبار غينرو ومعارض عنيد لبريطانيا. إلا أن الحقيقة التاريخية كما يذكرها سوزوكي في كتابه هي أنه ”قد ألغي التحالف الأنجلو ياباني وسقطت اليابان في هوة العزلة الدولية التي أدت في النهاية إلى كارثة حرب المحيط الهادئ“.

بطل من ساغا

يصف الكاتب شخصية بطله المولود في ساغا بالعبارات التالية:

لم يكن لديه شهوة للمال أو السلطة أو تحقيق النجاح الدنيوي. إلا أن قدراته في حل المشكلات وموهبته في تكوين صداقات ورغبته في التعبير عن الذات تجاوزت المألوف بكثير. وبهذا المعنى فقد كان شخصية غير معقدة يسهل التعامل معها، وهو أمر غير معتاد إلى حد ما عن الرجال اليابانيين في عصره.

كما كان لديه مجموعة واسعة بشكل غير عادي من المعارف من مختلف أنحاء الحياة السياسية والفكرية. حيث استضاف خلال سنوات شبابه في مقر إقامته في تسوكيجي شخصيات مثل إيتو هيروبومي وإينو كاورو من تشوشو ورجالا ممن خدموا حكومة الشوغون مثل شيبوساوا إييتشي ووزراء شبابا مثل مايجيما هيسوكا. ”كانت تلك الشخصيات التي أتت من خلفيات مختلفة تجتمع في مقر إقامة أوكوما في تسوكيجي لأيام متتالية وتناقش السياسة الخارجية والشؤون الدولية والمالية العامة طوال الليل. وأصبح منزل أوكوما يعرف باسم ”جبل ليانغ في تسوكيجي“ نسبة للجبل الذي يضم مستنقع الأشخاص الـ 108 الأبطال ”الخارجون عن القانون“ من الرواية الصينية الكلاسيكية ”شوي هو جوأن (حافة الماء)“.


تمثال لأوكوما في متحف تذكاري في مسقط رأسه في ساغا بمحافظة ساغا. التقطت الصورة في 22 سبتمبر/أيلول عام 2023 (© إيزومي نوبوميتشي).

كان أوكوما رجلا ببنية جسمانية مذهلة بالنسبة للوقت الذي عاش فيه (ربما كان يبلغ طوله 1.8 متر). وفي 22 نوفمبر/تشرين الأول عام 1908، مشى بساقه الاصطناعية على ملعب البيسبول توتسوكا في واسيدا، حيث قام بأول رمية في مباراة ودية بين مجموعة مختارة من المحترفين من الدوريات الأمريكية وفريق جامعة واسيدا، تذكر تلك المباراة اليوم على أنها أول مباراة دولية على الإطلاق بين فريقين من اليابان والولايات المتحدة، ولسوء الحظ كانت رمية طائشة وانحرفت بعيدا عن منطقة التسديد.

شعر كابتن فريق واسيدا أنه سيكون من غير اللائق تسمية الرمية الاحتفالية لرئيس الجامعة بـBall، ولذلك تعمد توجيه رمية طائشة لضمان الـStrike. واعتمد منذ ذلك الحين تقليد يتمثل في أن يقوم الرامي الذي يؤدي الرمية الاحتفالية الأولى بإخطاء الهدف دائما. ولعل ما يشير إلى اتساع نطاق مواهب أوكوما وتأثيره هو أن هذه السيرة الذاتية تغطي كل شيء بدءا من استراتيجياته الدبلوماسية الكبرى وحتى آداب السلوك في ملعب البيسبول.

كيف أنقذ أوكوما شيغينوبو اليابان من أزمة في أوائل القرن العشرين: النضال من أجل خلق سياسات حزبية

تأليف: سوزوكي سوئيتشي
حقوق النشر: كيوئي شوبو
ISBN: 978-4-7634-1113-6

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: من قبل كيوئي شوبو).

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | أوكوما شيغينوبو ”رابع أعمدة“ نهضة اليابان لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :