اليابان | تشيكاماتسو مونزايمون: الرقة والقسوة عند أعظم الكتاب المسرحيين في اليابان

تشيكاماتسو مونزايمون يعد واحدًا من أعظم كتّاب المسرح في تاريخ اليابان. تنوعت أعماله بين مسرحيات بونراكو للعرائس ومسرحيات كابوكي. يصادف عام 2024 الذكرى المئوية الثالثة لوفاته بعد مسيرة مهنية حافلة، ألّف خلالها أكثر من 100 مسرحية بونراكو.

دعوة للتعاطف

انقضى 300 عام على وفاة الكاتب المسرحي الياباني الكبير تشيكاماتسو مونزايمون (1653-1724)، الذي اشتهر بأعماله ذات الجاذبية الدائمة في مسارح فنّ الكابوكي والبونراكو للعرائس. كان عالم تشيكاماتسو يمزج بين الرقة والقسوة في آنٍ واحد، كما سأبين من خلال استعراض بعض مسرحياته.

على سبيل المثال، مسرحية ”كييسيي هانغوكو“ من فن البونراكو لتشيكاماتسو، التي عُرضت لأول مرة في عام 1708. وما زال جزء من هذا العمل يُعرض حتى اليوم في مسارح الكابوكي والبونراكو تحت اسم ”دومو ماتا“، وهو جزء من مسرحية بونراكو بعنوان ”محظية بخور هانغون“.


نص من مسرحة ”محظية بخور هانغون“ بخط تشيكاماتسو مونزايمون، وتم التبرع به لمدينة أماغاساكي بمحافظة هيوغو (© صور كيودو)

بطل العمل هو فنان يدعى أوكييو ماتاهي يعاني من صعوبة في النطق تمنعه ​​من التحدث بسلاسة. ولذلك لم يمنحه معلمه اسما رسميا، في حين أن زملاءه الأصغر سنا كانوا أسرع في كسب شهرة على مستوى العالم. يبدي ماتاهي امتعاضه في أحد المشاهد قائلا: ”لماذا كان مقدّرا لي أن أولد بهذه الطريقة؟“، بينما كان يضرب على حصير التاتامي. ويعبر الراوي عن تعاطفه مع ماتاهي بينما تتردد موسيقى جوروري في الخلفية.

وفي حين أن هناك شعورا بالحزن على فنان لا يحظى بالتقدير، إلا أن مسرح الكابوكي المعاصر يعرض مشاهد محاكاة تأتأة بهدف إثار ضحك الجمهور. وبدلا من سلوك هذا النهج، ابتكر تشيكاماتسو دراما تدعو إلى التعاطف مع شخصية ماتاهي الضعيفة في غموضها غير المستحق.

”لا أكاذيب ولا حقائق في حبنا“

إن تعاطف تشيكاماتسو بلطف مع الضعفاء هو جانب يظهر في أعمال أخرى أيضا، مثل تصويره الرائع للمشاعر المريرة لبائعات الهوى، اللاتي تُشبَّهن بالطيور المحبوسة في أقفاص آنذاك بسبب فقدانهن للحرية. في عمل لتشيكاماتسو بعنوان ”سانزيسو“ تقول بائعة هوى ما يلي (تتكرر هذه الكلمات أيضا في كتابه الشهير ”مييدو نو هيكياكو“، ترجمه دونالد كين باسم ”المبعوث إلى الجحيم“):

”يقول الناس إنه المحظيات لا ينطقن حقا، لكنهم مخطئون. هذا كلام من لا يفهم خفايا المشاعر الإنسانية. الحقائق والأكاذيب تنبع من نفس المكان. على سبيل المثال، حتى لو ضحينا بحياتنا وأظهرنا أقصى درجات الإخلاص، إذا لم تصل أي رسالة من رجل، وكان بعيدا، بغض النظر عن مدى عشقنا له، فإن قدرنا أننا لا نستطيع أن نفعل ما يحلو لنا. بعد فترة وجيزة، يشترينا زبون آخر، وتتحول الوعود التي أقسمنا عليها إلى أكاذيب. أو إذا التقينا برجل في البداية في إطار عملنا، دون أن يكون لنا خيار في هذا الشأن، وتواصلت لقاءاتنا، فعندما نصبح أخيرا زوجا وزوجة، تتحول أكاذيبنا في البداية إلى حقيقة. ليس هناك أكاذيب أو حقائق في حبنا. الحقيقة هي العلاقة“.

وتصر على أنه بينما ينظر المجتمع إلى بائعات الهوى على أنهن مخادعات تغوين الرجال، فإنه هؤلاء النسوة اللاتي لا تستطعن ​​أن تفعلن ما يحلو لهن، لا يوجد شيء مثل الأكاذيب أو الحقيقة في الحب. كان تشيكاماتسو كاتبا قادرا على تخمين مشاعر الأشخاص خلال المواقف الصعبة وتصويرها بدقة. بالنسبة لأولئك الذين يستمتعون بأعماله، سواء عبر القراءة أو الاستماع إلى الأداء الفني، فإن اللطف المتدفق لرواته (وخلفهم الكاتب المسرحي نفسه) واضح. إن تعاطفه مع الآخرين من أهم عوامل الجذب في مسرحياته.

طعام للسلاحف النهّاشة

ولكن هناك جانب صارم لتشيكاماتسو أيضا موجه نحو الشخصيات التي ارتكبت نوعا من الجرائم، كما رأينا في العديد من أعماله اللاحقة.

ففي عمله ”تسونوكوني ميوتو إيكي (ترجمه أندرو غرستل بعنوان ’بركة عاشقين في مقاطعة سيتّسو‘)“، عُرض لأول مرة في عام 1721، يحكي قصة رجل يقتل صديقه ويدفنه ثم يتزوج أرملته.

كان هناك محارب ساموراي من مقاطعة سوؤ (محافظة ياماغوتشي حاليا) يُدعى رييزيي بونجيبيي يقع في حب ابنة أحد أتباعه من نفس المقاطعة. يطلب من صديقه المتزوج كوماغاتا إيتشيغاكو أن يكون وسيطا، لكن إيتشيغاكو يجيبه ”لو لم يكن لدي زوجة، لكنت تزوجتها أنا“. لاحقا تتوفى زوجة إيتشيغاكو أثناء الولادة، ثم يتزوج الفتاة قبل انتهاء فترة الحداد.

لم يكن بونجيبيي قادر اعلى احتواء غضبه، فعمد إلى قتل إيتشيغاكو سرا ثم الزواج من الفتاة وضم طفلها إلى عائلته. وبعد مرور 22 عاما، يغادر بونجيبيي عشيرته السابقة ويعيش كـ”رونين (ساموراي سابق)“ في مقاطعة سيتّسو (الآن جزء من محافظة هيوغو ومحافظة أوساكا). ويعترف لزوجته بجريمته ويحثها على الانتقام لزوجها السابق بقتله، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بعد أن عاشا سويا سنوات طويلة، وتغرق نفسها في بركة. ثم يغرق بونجيبيي نفسه في البركة نفسها.

يتجاهل هذا الملخص تفاصيل القصة، لكنه يعطي صورة عامة عن الجريمة وما حدث بعدها كما تبين بعد اعتراف بونجيبيي. كما يوضح سبب وجود ”بركة عاشقين“ في العنوان (أو حرفيا ”بركة زوج وزوجة“). وعلى عكس البركة الواردة في الأسطورة التي يأتي الاسم منها، لا يتم تمجيد غرق الشخصيتين بأي شكل من الأشكال.


كتاب جوروري لـ”بركة عاشقين في مقاطعة سيتّسو“ (بإذن من كلية الدراسات العليا للآداب والعلوم بجامعة طوكيو)

تنوح الزوجة قائلة: ”ظننت أنني كنت أعيش كامرأة فاضلة، لكنني كنت في الحقيقة وحشا“، قبل أن تغرس سيفا في حلقها وتدخل البركة. يقول بونجيبيي الذي لازمه الشعور بالذنب لفترة طويلة بينما كان يؤجل اعترافاته باستمرار: ”إن جسم الوحش هذا قتل رجلا وأخذ زوجته. لا تحرقوني ولا تدفنوني. سأصبح طعاما للسلاحف النهّاشة“، قبل أن يمضي إلى المياه الموحلة. وعندما يحاول طفله منعه، يقوم بقطع ذراعه في سبيل إنهاء معركة حياته. يُظهر مثل هذا الموت البائس موقف تشيكاماتسو القاسي تجاه أولئك الذين يرتكبون الجرائم. ولا يكاد المرء يستشعر أي شيء يمكن أن يجمل هذه المأساة.

عقوبة السماء

يمكن أيضا ملامسة هذا الجانب القاسي من تشيكاماتسو في أعماله المتعلقة بـ”شينجو (الانتحار المزدوج للعشاق)“. يُقال إن عمله ”شينجو تين نو أميجيما (ترجمه دونالد كين باسم ’انتحار الحب في أميجيما‘)“، عُرض لأول مرة في عام 1720، هو أعظم تحفة فنية له. بطل القصة هو كامييا جيهيي هو تاجر ورق، متزوج ولديه أطفال، ويهمل عمله بسبب علاقة غرامية مع بائعة هوى اسمها كوهارو. ويجعل زوجته أوسان وشقيقه ماغويمون يعانيان قبل أن ينتحر في النهاية مع كوهارو.

إن انتحار الزوجين الفاسدين يختلف تماما عن المشهد الجميل في عمل تشيكاماتسو بعنوان ”سونيزاكي شينجو (ترجمه دونالد كين باسم ’انتحار الحب في سونيزاكي‘)“، والذي يمكن اعتباره نموذجا للعشاق. يقتل جيهيي وكوهارو نفسيهما عمدا في أماكن مختلفة، خارج نطاق واجبهما تجاه أوسان. قام جيهيي أولا بطعن كوهارو على ضفة بالقرب من معبد دايتشوجي في أميجيما (الآن جزء من مدينة أوساكا) قبل أن يشنق نفسه بحزام أوبي عند بوابة سد مجاورة.

من المؤكد أن هذه الوفيات ليست جمالية. يحاول جيهيي قتل كوهارو بذبحها من عنقها، لكن النصل لا يمكّنه من عمل قطع نظيف، وتعاني من الألم ليعمد حبيبها الهائج أخيرا إلى قتلها بطعنة ثانية. عندما يشنق جيهيي نفسه عند بوابة السد، ويموت ببطء من الألم، يتم تشبيهه بقرعة تتمايل في مهب الريح، كما لو كان يريد تبديد كل المشاعر. يشير عنوان المسرحية إلى مثل يقول ”إن شبكة السماء تبدو واسعة، لكنها لا تسمح بمرور الأشرار“. من المؤكد أن أي أفعال شريرة سيكون لها عقوبة. يصور تشيكاماتسو تلك العقوبة السماوية بشكل واقعي بلا رحمة. إن هذه الشدة هي أيضا أحد عناصر جاذبية هذا الكاتب المسرحي.


صورة شخصية لتشيكاماتسو مونزايمون في ”نانيوا ميياغي (مقدمة بقلم هوزومي إيكان ترجمها مايكل براونشتاين باسم ’تذكارات نانيوا‘)“ (بإذن من مكتبة ناكاموزو بجامعة أوساكا ميتروبوليتان)

ولكن قد يشعر المرء أيضا ببعض الحنان وسط القسوة التي يظهرها تشيكاماتسو تجاه هذه الأنواع من الشخصيات. في العملين اللذين تمت مناقشتهما أعلاه، يعاني الأبطال ويموتون عقابا على خطاياهم، لكن تشيكاماتسو لا يتركهم هناك.

في نهاية ”بركة عاشقين في مقاطعة سيتّسو“، ذُكر أن القصة هي أصل اسم ”ميوتو إيكي (بركة العشاق)“. يقول الراوي أيضا إن المياه أصبحت ”يوروبي نو ميزو“ التي توضع في أوعية أمام الآلهة معتقدا أنهم سيدخلون فيها. وفي حين أن البركة وصفت سابقا بأنها مكونة من مياه عكرة أو موحلة، فإن هذه النهائية تعني ضمنيا أن أرواح العشاق الداخلين إليها تمت تنقيتها حتى يمكن استخدام المياه في مثل هذه الطقوس. وهذه الكلمات الأخيرة تشير إلى خلاص الزوجين.

هناك عملية مماثلة في نهاية ”انتحار الحب في أميجيما“، حيث يُشبَّه تعهد بوذا بإنقاذ جميع الكائنات الحية أيضا بشبكة. هناك إشارة إلى أنه على الرغم من أن كوهارو وجيهيي قد عانيا من عقوبة السماء، إلا أنهما سيقعان في شبكة بوذا وسيكونان قادرين في النهاية على تحقيق التنوير. مع أخذ جميع هذه النقاط في الاعتبار، يبدو أن تشيكاماتسو – بعد كل شيء – مليئا بالحنان والدفء تجاه شخصياته.

يُطلق على ”هييكي نيوغو نو شيما (ترجمه دونالد كين باسم ’الهييكي وجزيرة النساء‘)“ أيضا اسم ”شونكان“، وذلك على اسم الشخصية الرئيسية التي تُنفى إلى جزيرة نائية. يوصف تعبير شونكان عن أسفه – في أحد المشاهد –بأنه يمتلك قلب ”بونبو“، وهو مصطلح بوذي يعني الشخص غير المستنير الذي يعيش في عالم من الوهم.

من المحتمل أن تشيكاماتسو نفسه كان يعتبر شونكان، بالإضافة إلى بونجيبيي وجيهيي، أنهم غير مستنيرين. ولكن مصطلح بونبو يمكن أن يعني أيضا شخصا عاديا. بونجيبيي وجيهيي شخصان عاديان، ويمكننا أيضا أن نتصرف مثلهما إذا اتخذنا خطوة خاطئة. ومن هذا المنظور، يظهر تشيكاماتسو تعاطفه مع العديد من الأنواع المختلفة من الناس، ما يعني أننا لا نشعر بانطباع سيء عندما نقرأ أو نشاهد أعماله.

بعد مرور ثلاثة قرون على وفاة تشيكاماتسو، لا يمكنني إلا أن أقدر الفرصة التي أتيحت لي للاستمتاع بمسرحياته، وقد حاولت هنا تدوين انطباعاتي عن تلك المسرحيات مجددا.

(النص الأصلي منشور باللغة اليابانية بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: صورة شخصية لتشيكاماتسو مونزايمون. بإذن من متحف مسرح تسوبوؤتشي التذكاري بجامعة واسيدا)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | تشيكاماتسو مونزايمون: الرقة والقسوة عند أعظم الكتاب المسرحيين في اليابان لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :