في فيلم الرعب الياباني الجديد ”مكان ما في منطقة كينكي“، تتحول رواية نُشرت على الإنترنت إلى تجربة سينمائية تتجاوز حدود الخيال الإلكتروني. استند الفيلم إلى سلسلة قصصية انتشرت عام 2023، عُرفت بأجوائها المربكة التي جعلت القرّاء يتساءلون إن كانت أحداثها من نسج الخيال أم جزءًا من واقع غامض. تتبع الكاميرا اثنين من المحققين الهواة في رحلةٍ تقودهما إلى “المكان المجهول” الذي يتوارى خلفه سرّ غامض، ليكشف في الوقت نفسه جانبًا من العلاقة المتشابكة بين الرعب الياباني المعاصر وثقافة الإنترنت التي أعادت تشكيل الخوف الجماعي في العصر الرقمي.
رواية غريبة تُزرع في السينما
يبدأ الفيلم بحادثة اختفاء غامضة تطال رئيس تحرير مجلة متخصصة في الظواهر الخارقة. كان الرجل يخطط لملفٍ جديد يجمع فيه تحقيقاته حول مجموعة من الأحداث الغريبة: اختفاء طفلة لم يُعرف مصيرها، واقعة هستيريا جماعية داخل مدرسة، وأساطير حضرية وبث مباشر لفرق مطاردي الأشباح. للوهلة الأولى تبدو هذه القصص عشوائية بلا خيط يجمعها، لكن مع تطور الأحداث يتضح أن ما يربطها أعمق بكثير من مجرد صدفة.
بعد اختفاء رئيس التحرير، يتقدم الصحفي الشاب أوزاوا يُوسيئه (يجسده الممثل إيجي أكاسو) ليتولى المهمة الغامضة التي تركها وراءه. وإدراكًا منه أن الأمر يتجاوز تحقيقًا صحفيًا عاديًا، يستعين بصديقة قديمة، الكاتبة سينو تشيهيرو (تؤدي دورها ميهو كانّو)، لتساعده على فكّ طلاسم ما تركه رئيس التحرير من ملفات. ومع تصفحهما للوثائق والملاحظات، تبدأ خيوط القصة بالتجمع حول محور واحد: “مكانٍ ما في منطقة كينكي” — ذلك الموقع الغامض الذي يمنح الفيلم عنوانه ويغدو مفتاحًا لاكتشاف سرّ يربط بين الماضي والحاضر في نسيجٍ من الرعب والذاكرة.
يبدأ يوسيئه (أكاسو إيجي، على اليسار) وتشيهيرو (كانو ميهو) تحقيقهما في أرشيفات الطابق السفلي للمجلة (© 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
يعود أصل الفيلم إلى رواية إلكترونية من تأليف الكاتب سِسوجي، نُشرت عام 2023 على موقع كاكويومو، ضمن سلسلة قصصية أثارت اهتمام القرّاء بأسلوبها الواقعي المرعب. هذا العمل، الذي يمزج بين الخيال والسرد الوثائقي، يتكوّن من مجموعة نصوص قصيرة تتناول ألغازًا لم تُحلّ، جمعت بين حوادث منشورة في الصحافة، وشائعات الإنترنت، والأساطير الحضرية، ومقابلات مع من يُفترض أنهم شهود أو أطراف في تلك القصص. بهذا المزج الذكي بين الموثّق والمتخيل، وضع سِسوجي أساسًا لعالمٍ من الرعب المعاصر يعكس القلق الجمعي لعصرٍ يعيش على حدود الحقيقة والافتراض.
يُبقي الكاتب حقيقة كل حكاية في حالة من الغموض المتعمّد، فيمزج بين السرد الأدبي وملاحظات تحقيقية تبدو كأنها مقتطفات من ملفات واقعية. وبينما تتوالى القصص القصيرة، يتشكّل شيئًا فشيئًا خيط خفيّ يقود نحو “مكان ما في منطقة كينكي” — ذلك الموقع الغامض الذي يتكشّف تدريجيًا.
أثار الأسلوب الغامض الذي كُتبت به الرواية تساؤلات بين القرّاء: هل ما يرويه الكاتب خيال محض، أم يستند إلى أحداث حقيقية تخفى وراء واجهة الإنترنت؟ هذا الغموض كان سرّ نجاح العمل، إذ تجاوزت مشاهداته على موقع كاكويومو ثلاثةً وعشرين مليون قراءة، ليصبح ظاهرة رقمية غير مسبوقة. ومع نشره لاحقًا في طبعة ورقية، تحوّل إلى أحد أبرز الكتب مبيعًا في اليابان، متجاوزًا سبعمئة ألف نسخة، — إنجاز يؤكد جاذبية الرعب الياباني حين يتقاطع مع الغموض الرقمي وفضول القرّاء المعاصرين.
بعد اختفاء غامض، تلجأ تشيهيرو إلى وسائل التواصل الاجتماعي لطلب المعلومات (© 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
يحافظ الفيلم على روح العمل الأصلي من خلال اعتماده أسلوب الفيلم الوثائقي المزيف، حيث يمتزج الخيال بالواقعية في بناءٍ يجعل المشاهد يتساءل عمّا إذا كان ما يراه تمثيلًا أم توثيقًا. يتتبع كلٌّ من تشيهيرو ويوسيئه خيوط التحقيق التي بدأها رئيس التحرير، ويعرضان مقاطع مصوّرة كان قد جمعها قبل اختفائه. ومع كل مشهد جديد، تزداد الشكوك وتتكشف إشارات تقود إلى موقع محدد في منطقة كينكي. يتنقّل الفيلم ببراعة بين قصص المحققين الواقعية، ومقاطع سينمائية قصيرة تُجسّد الأساطير كأن الشاشة نفسها مسكونة.
الفيلم من إخراج شيرايشي كوجي، أحد أبرز صُنّاع الرعب في السينما اليابانية. اشتهر بسلسلة أفلام ”ملفات غامضة ومرعبة للغاية“، التي صدرت بين عامي 2012 و2023. منذ بداياته، برع شيرايشي في تقديم الأفلام الوثائقية الزائفة، مستخدمًا الكاميرا كعينٍ تبحث عن الحقيقة وسط عالمٍ يزداد التباسًا. في هذا العمل، يواصل تطوير هذا الأسلوب ليقدّم رعبًا هادئًا لكنه عميق الأثر، يختلط فيه الخوف بالفضول.
يقوم تحقيق الثنائي بتجميع قطع اللغز تدريجيًا (© 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
الأسلوب الكتابي مقابل الأسلوب المرئي
منذ أن نُشرت الرواية لأول مرة بشكلٍ متسلسل، استطاعت أن تأسر القرّاء بما تبثّه من إحساس واقعي بالرعب. يتصاعد التوتر فيها تدريجيًا عبر تداخل أنماط متعددة من السرد: تقارير أسبوعية، وقصص قصيرة، وتعليقات من القرّاء، ومنشورات على المنتديات الإلكترونية، وحكايات أطفال مرعبة، وتسجيلات لمقابلات مع أشخاص تورطوا في الأحداث الغامضة. بهذا الأسلوب المتشابك، نجح الكاتب في خلق عالمٍ يبدو حقيقيًا إلى حدٍّ يثير القشعريرة، حيث تمتزج الحقيقة بالخيال لتصنع تجربة قرائية تحاكي الرعب اليومي الذي يمكن أن يختبئ خلف الشاشة أو في تفاصيل الحياة العادية.
يحاول الفيلم أن ينقل تلك التجربة إلى الشاشة، مجسدًا إحساس الرعب ذاته بطريقة بصرية معاصرة. تُقدَّم التقارير الواردة في الرواية على شكل برامج حوارية، وتتحول منشورات الإعلانات إلى بث مباشر، بينما تُعرض المقابلات بأسلوب تقارير ميدانية واقعية. كما يستخدم الفيلم وسائل توثيق زائفة أخرى، مثل مقاطع الفيديو المرعبة المنتشرة على الإنترنت، وتدوينات الفيديو الشخصية، ولقطات مهزوزة مصوّرة بهاتف ذكي — في محاكاة دقيقة لأساليب التصوير المنتشرة في زمننا الرقمي، مما يجعل الرعب يبدو أقرب إلى واقع المشاهد من أي وقت مضى.
دمى محشورة داخل ضريح غابة منعزل (© 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
تتبنى الرواية الأصلية أسلوبًا أدبيًا تجريبيًا، والفيلم يحمل النكهة ذاتها. يغيّر شيرايشي باستمرار أسلوب التصوير والزوايا وتكوين اللقطات، مستخدمًا مؤثرات مقصودة وتشويشًا على الشاشة، وأعطالًا شائعة وجودة الصورة السيئة في محاكاة لمشاهد الفيديو القديمة، إلى جانب أسلوب ترجمة فرعي عتيق يضفي جوًّا من الغموض والحنين في آن واحد، كل ذلك لتعزيز التأثير. لقد أتقن شيرايشي فن صناعة الأفلام الوثائقية المزيفة، ويقدّم من خلال هذا العمل عرضًا متقنًا لمهارته في الإخراج وبناء المشاهد. يضع تلميحات دقيقة للأحداث التالية بطريقة ذكية لا يلتقطها إلا من يعرف الرواية الأصلية، مما يجعل المشاهدة تجربة غنية ومليئة بالإشارات الخفية.
يستهلّ الفيلم نصفه الأول بإيقاع بصري سريع، تتحكم فيه لقطات قصيرة متتابعة تذكّر بلغة الفيديوهات السريعة على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاكاة واعية لأسلوب الجيل الرقمي. هذا التقطيع المكثف يعيد إنتاج طاقة الرواية الإلكترونية الأصلية، التي تعتمد على جمل قصيرة ومتلاحقة تدفع القارئ قدماً بلا توقف. في الفيلم، يتحول هذا الإيقاع السردي إلى تجربة بصرية نابضة، تترجم إيقاع القراءة إلى نبض سينمائي متدفق يشدّ المشاهد منذ اللحظة الأولى.
شيء ما يلفت انتباه شيهيرو. . . (© 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
من أسلوب سِسوجي إلى شيرايشي
يُعد فيلم «مكانٍ ما في منطقة كينكي» أول عمل روائي للكاتب المتخصص في أدب الرعب سِسوجي. كان الكاتب من المعجبين بأعمال المخرج شيرايشي منذ وقتٍ مبكر، وقد أقرّ بتأثيره الواضح في أسلوبه الكتابي. شارك سِسوجي في عملية كتابة السيناريو، لكنه طلب من شيرايشي أن يصوغ الفيلم بطريقته الخاصة، ليحافظ على بصمته الإخراجية التي تمتاز بها أعماله السابقة.
أحد الجوانب اللافتة في هذه المعالجة السينمائية التي قدّمها شيرايشي—وهو كاتب موهوب بقدر ما هو مخرج—يكمن في التحوّل التدريجي الذي يقوده الفيلم من أسلوب سِسوجي في نصفه الأول، إلى بصمة شيرايشي الإخراجية الواضحة التي تتكشّف مع تصاعد الإيقاع نحو ذروة متوترة وبطيئة الاحتدام.
عندما يكتشف تشيهيرو ويوسيئه أن سر اللغز يكمن في منطقة كينكي، يغادران المكتب مسرعين، وكأن المشهد يُفتتح بإيقاع متسارع يليق بأجواء الإثارة. عشاق شيرايشي سيجدون في هذا الأسلوب علامة مألوفة: مدير شركة الإنتاج الذي يحقق في الظواهر الغامضة عبر مقاطع الفيديو على الإنترنت، يتحرك إلى قلب الحدث ليواجه الغموض وجهاً لوجه، في لقطة سينمائية تجمع بين التشويق والغموض.
أخيرًا، التقطت كاميرا يوسيئه هذه الوحشية (© 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
في النصف الأول، يقوم الثنائي بمراجعة المصادر التي تركها رئيس التحرير، أما في النصف الثاني، فيتجه التركيز إلى المشاهد التي صورها يوسيئه. ويستبدل الهدوء النسبي لتطورات الأحداث الأولى إلى تصاعد درامي سريع، يقود الأحداث نحو نهاية مذهلة، بأسلوب شيرايشي المميز. وقد كان هذا التحوّل الجريء، وإن بدا حتميًا، ممكنًا ربما بالذات لأن الرواية الأصلية توظف تنوعًا واسعًا من الأساليب لبناء شعور بالخوف تدريجيًا.
رغم أن الفيلم يتميز بطابعه التجريبي المعقد، إلا أنه ممتع للغاية، ومن المؤكد أنه سيرضي محبي الرواية والمخرج على حد سواء. فبدلاً من الاكتفاء بالمفاجآت أو الرعب السطحي، يقدم الفيلم قصة رعب يابانية تصيب المشاهد بالقشعريرة، محافظًا على توتره حتى النهاية. مثل منزل مسكون في فصل الصيف، هذا الفيلم المرعب سيأسر ويقشعر له أبدان رواد السينما هذا الموسم.
معلومات عن الفيلم
الموقع الرسمي: https://wwws.warnerbros.co.jp/kinkimovie/
الإعلان التسويقي (باللغة اليابانية)
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ملصق لفيلم مكان ما في منطقة كينكي. © 2025 لجنة الإنتاج كينكي تشيهو نو آرو باشو نيتسويتى)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | لا تُطفئ الشاشة... فيلم ”مكان ما في منطقة كينكي“ يخطف الأنفاس بين الواقع والإنترنت لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :