اليابان | محطة تاماتشي (JY27): من حقول الأرز إلى قلب طوكيو النابض بالحياة

منذ أن حمل اسم ”خط يامانوتي“ عام 1909، ظل هذا الخط الحديدي الشهير بمثابة الشريان الحيوي للعاصمة طوكيو، إذ رافق تطورها وازدهارها عبر أكثر من قرن. يضم اليوم ثلاثين محطة تُشكّل لوحة نابضة بتاريخ المدينة وحكاياتها المتشابكة. وعند تتبع أصول أسماء هذه المحطات، نجد أنفسنا أمام رحلة عبر الزمن تكشف وجوهاً خفية من ماضي طوكيو. في الحلقة الثالثة والعشرين من هذه السلسلة، نتوقف عند محطة تاماتشي (JY27)، المعروفة كموقع اللقاء التاريخي بين سايغو تاكاموري وكاتسو كايشو في أواخر عهد الشوغونية، لحظة فارقة غيّرت مجرى التاريخ الياباني.

مكان اجتماع سايغو تاكاموري وكاتسو كايشو

في مارس/آذار عام 1868، جرى اجتماع بين سايغو تاكاموري وكاتسو كايشو في خضم حرب بوشين، وهي أكبر حرب أهلية في التاريخ الحديث لليابان (1868–1869) التي شهدت بداية عصر ميجي. شكّل هذا الاجتماع خطوة تمهيدية نحو فتح قلعة إيدو، التي كانت رمزًا لسلطة الشوغونية. وبما أن المفاوضات الأولية كانت قد أُنجزت مسبقًا، فقد توصّل الطرفان إلى اتفاق نهائي خلال يومي الثالث عشر والرابع عشر من مارس، وبناءً عليه تم تسليم قلعة إيدو دون قتال، في حدث يُعدّ أحد التحولات السلمية النادرة في التاريخ الياباني.

وتختلف الروايات حول مكان الاجتماع، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه عُقد في قصر إقطاعية ساتسوما، بينما تذكر أخرى أنه تم في المقر التابع لها. كانت الإقطاعية تمتلك القصر الرئيسي في المنطقة التي يقع فيها اليوم المبنى الرئيسي لشركة NEC قرب محطة تاماتشي، إضافةً إلى مخزنٍ في موقع برج تاماتشي الحالي، وقصرٍ ثانويٍ أمام محطة شيناغاوا. ونظرًا لأن القصر الرئيسي احترق في العام السابق، يُرجّح أن اللقاء تم في القصر الثانوي أو المخزن.

والمكان المرجح هو المخزن حيث يوجد بجانب برج تاماتشي نُصب تذكاري يحمل عنوان ”مكان اجتماع سايغو نانشو (تاكاموري) وكاتسو كايشو“.


نُصب تذكاري بعنوان ”مكان اجتماع سايغو نانشو وكاتسو كايشو“. الكلمات المنقوشة على النصب كُتبت من قبل يوشينوسوكي حفيد سايغو (© بيكستا)


وقد كان المخزن يقع بجانب الساحل في الفترة التي جرى فيها الاجتماع، فعند الاطلاع على ”خرائط إيدو المصوَّرة، خريطة منطقة شيبا تاكاناوا“ التي أُعدّت بين عامي 1849 و1862، يتضح أن البحر كان أمام المخزن مباشرةً.

العلاقة المكانية بين المخزن والقصر الرئيسي لإقطاعية ساتسوما ومحطة تاماتشي (الدائرة الصفراء). المصدر: ”خرائط إيدو المصوَّرة، خريطة منطقة شيبا تاكاناوا“، أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية.

وبعد نهضة ميجي، تم ردم هذا الشاطئ ومرّت فوقه أول سكة حديد في اليابان في عام 1872. وبعد أربع سنوات، وفي عام 1876، أُنشئ رصيف مؤقت أمام الأرض التي كان يقع فيها المخزن، والذي كان المبنى السابق لمحطة تاماتشي الحالية.

وفي عام 1907، بدأت أعمال البناء تمهيدًا للافتتاح الرسمي. وتُظهر الصور من تلك الفترة البحر ممتدًا بجانب خط السكك الحديدية، وسفن شراعية تبحر في الأفق. وبعد الانتهاء من أعمال البناء، اكتمل خط السكك الحديدية الذي يمر فوق جسر مرتفع بين شينباشي وشيناغاوا، وتم افتتاح محطة تاماتشي رسميًا في السادس عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 1909.


منطقة محطة تاماتشي حوالي عام 1907، عند بدء أعمال الإنشاء. تم إنشاء الرصيف في الجزء الأبيض على الجانب الأيمن. المصدر: بطاقة بريدية من محفوظات الكاتب

وبعد أربع سنوات فقط، في عام 1913، كانت المصانع المتخصصة في الماكينات والحديد والتبغ وغيرها تحيط بمحطة السكك الحديدية (كما يظهر في صورة العنوان الرئيسي). فقد كانت أعمال الردم تسير بسرعة كبيرة، وتحول المكان إلى منطقة صناعية، مما يدل على سرعة التطور المذهلة في ذلك الوقت.

وفي عام 1926، ولتسهيل وصول العمال إلى المصانع، تم إنشاء مخرج جديد في المحطة يُعرف باسم مخرج شيباؤرا.

وفي عصر ميجي، كانت هذه المنطقة تُعرف باسم ”شيبا تاماتشي“، وكانت محطة تاماتشي تقع في شيبا تاماتشي 1 تشومي. وبعد صدور قانون تنظيم أسماء المساكن في عام 1962، تغيّرت الأسماء إلى شيبا، وميتا، وشيباؤرا، واختفى اسم ”تاماتشي“ كاسم إداري، وبقي فقط كاسم للمحطة.

تطوّر المناطق الريفية مع تطوير طريق توكايدو

يُقال إن اسم تاماتشي، والذي يعني حرفيًا بلدة الحقول، يعود إلى أن الأراضي الزراعية المليئة بالحقول قد تحوّلت إلى مناطق سكنية فأصبحت ”بلدة“.

ويذكر كتاب ”ماتشيكاتا كاكي أغي“ (سجل اجتماعات مجلس البلدية)، الذي أعدته الحكومة الشوغونية للتحقق من أسماء الأماكن، أن ”الأراضي الزراعية تحولت بالكامل إلى منازل البلدة فصارت تُعرف بتاماتشي“. كما يذكر كتاب ”غوفوناي بيكو“ (دليل إيدو الجغرافي)، الذي أعدته أيضًا الحكومة الشوغونية أيضًا، أن ”المنازل والمحال التجارية قد ظهرت في أجزاء من قرية تاكاناوا، والمنطقة التي تكثر فيها الحقول الزراعية“. وبالرغم من عدم وضوح ذلك بشكل دقيق، إلا أنه يُعتقد أن الاسم كان مستخدمًا منذ أوائل القرن السابع عشر.

وبسبب بساطة أصل الاسم، كان هناك سابقًا في إيدو وحدها أسماء مثل ”هونغو تاماتشي“ و”أساكوسا تاماتشي“ (غير موجودة الآن) وغيرها، وما زال الاسم باقٍ في أماكن مثل شارع تاماتشي في أكاساكا ومنطقة إيتشيا تاماتشي في شينجوكو. وإذا نظرنا إلى كامل اليابان، فهناك نحو خمسين مكانًا يحمل هذا الاسم.

إلا أن محطة تاماتشي على خط يامانوتي تختلف عن غيرها في أن تاريخها مرتبط بتحوّلها إلى منطقة حضرية نتيجة تطوير طريق توكايدو، والذي يُعتبر الطريق الرئيسي في عصر إيدو.

ففي حوالي عام 1590، عندما دخل توكوغاوا إيياسو إلى مدينة إيدو، لم تكن نقطة انطلاق طريق توكايدو عند نيهونباشي، بل عند شيبا، وأصبحت نيهونباشي نقطة الانطلاق في عام 1604. وكانت المنطقة قبل إيياسو موقعًا محوريًا على الطريق، ولا يمكن الاستغناء عنها في تطوير مدينة إيدو

وفي أواخر القرن السادس عشر، كان عائلة هوجو اللاحقة التي اتخذت من أوداوارا مقرًا لها تحكم المنطقة. وعند مصب نهر فوروكاوا شمال محطة تاماتشي، كانت هناك قرية كانيسوكي (في مكان جسر كانيسوغي حاليًا)، وكانت قاعدة لمجموعة ”مالكي السفن“ الذين يقومون بتزويد السفن أثناء الحروب. وعند بدء عصر إيدو، بدأت هذه المجموعة تشرف على مناطق الصيد في خليج إيدو، مما ساهم في نمو النقل المائي وصيد الأسماك. والآن، يُعد هذا الموقع محطة لانطلاق السفن التقليدية لرحلات خليج طوكيو.


منطقة جسر كاناسوغي كما صوّرها تسوكيؤكا يوشيتوشي في لوحة ”معالم طريق توكايدو الشهيرة، جسر كاناسوغي وشيباؤرا“. يظهر نهر فوروكاوا على اليمين وموكب الشوغون الرابع عشر توكوغاوا إييموتشي عند توجهه إلى كيوتو على اليسار. تم رسمها في عام 1863. المصدر: أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية

تقاطع ”ساتسو نو تسوجي“ الذي كان مدخل إيدو

لقد كان طريق توكايدو يشكّل ما يُعرف اليوم بطريق دايئيتشي كيهين الوطني، وكان تقاطع هذا الطريق مع شارع ميتا يُسمّى في فترة غينوا (1615–1624) باسم ”ساتسو نو تسوجي“، حيث تم نصب لافتة خشبية لإعلام عامة الناس بالقوانين وغيرها من الإشعارات.


يقع تقاطع ”ساتسو نو تسوجي“ على طريق دايئيتشي كيهين الوطني، على بُعد أربعمئة متر غرب محطة تاماتشي (© بيكستا)

وقد تم نقل لوحة الإعلانات الخشبية بعد ذلك في عام 1710 إلى تاكاناوا أوكيدو على بعد 1.2 كيلومتر من محطة تاماتشي غرب طريق توكايدو، وظل تقاطع ”ساتسو نو تسوجي“ بمثابة خط فاصل يمنع أي شخص من سكان إيدو، يُعاقب بالنفي، من الدخول إلى المدينة.

وكان موقع لوحة الإعلانات الخشبية في تاكاناوا يتميز بجدران حجرية يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار على جانبي الطريق، مع بوابة بينهما يحرسها الحراس. وكانت البوابة تفتح عند الفجر قبل شروق الشمس بحوالي نصف ساعة، وتُغلق بعد حوالي نصف ساعة من غروبها.


منطقة تاكاناوا أوكيدو كما تم تصويرها في ”دليل معالم إيدو المصوَّر“. يظهر في الزاوية العليا اليمنى الجدار الحجري. المصدر: أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية


بقايا جدار تاكاناوا أوكيدو في الوقت الحالي (© بيكستا)

ولكن بسبب استقرار الأوضاع وحلول السلام لفترة من الزمن، يُعتقد أن البوابة قد أُزيلت في فترة كانسي (1789–1801)، ويبدو أن المراقبة أصبحت شكلية فقط.

الحديقة التي كانت مسرحًا لقصة الراكوغو ”شيباهاما“

تُعرف تاماتشي لدى محبي الراكوغو (أحد فنون السرد الفكاهي) بأنها مسرح القصة الإنسانية ”شيباهاما“، والتي تدور أحداثها حول كاتسوغورو، بائع السمك الكسول الذي كان يشرب الخمر فقط، وزوجته. والمكان الذي كان يذهب إليه كاتسوغورو لتجهيز السمك بناءً على إلحاح زوجته، أي سوق السمك الصغير، كان يقع في حديقة هونشيبا على بعد دقيقتين سيرًا على الأقدام من المحطة.

ويوجد في الحديقة لوحة إرشادية ونُصب تذكاري لمكان سوق السمك الصغير. ووفقًا لموقع جمعية منطقة هونشيبا، كان هناك خليج تصل إليه سفن الصيد حتى حوالي عام 1964، حيث كان يتم صيد الكثير من الأسماك البحرية المحلية لمدينة إيدو. كما كان مشهورًا أيضًا كمكان لإنتاج نوري (طحالب بحرية مجففة) أساكوسا.

وعلى بعد حوالي ستمئة متر شمال شرق حديقة هونشيبا يقع معبد سايوجي. وبسبب وصول السفن الغربية التي ضغطت على الحكومة الشوغونية لإبرام اتفاقيات تجارية مع الدول الأجنبية، أبرم الشوغون في عام 1858 معاهدات تعرف باسم ”معاهدات الصداقة التجارية“ مع خمس دول هي الولايات المتحدة وهولندا وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا. وقد أقامت هولندا مكتب بعثتها الدبلوماسية في ذلك الوقت في معبد سايوجي.

وعندما قامت قوات الحكومة الشوغونية من إقطاعية شوناي بشكل رئيسي بمهاجمة قصر إقطاعية ساتسوما الرئيسي وقامت بإحراقه بالكامل في عام 1867، امتدت النيران لتصل إلى معبد سايوجي فاحترق بالكامل. وعلى الرغم من إعادة بنائه لاحقًا وتعرضه لحريق آخر نتيجة الحرب، إلا أن المعبد أصبح اليوم مكانًا هادئًا ومستقرًا.

وأصبح المكان الذي كان يضم سابقًا مكتب البعثة الدبلوماسية الهولندية روضة للأطفال يديرها معبد سايوجي، كما يوجد نُصب تذكاري لموقع مكتب البعثة السابق.

كما يقع منحدر ”شيومي زاكا“ على بُعد إحدى عشرة دقيقة سيرًا على الأقدام غرب المحطة. وفي عصر إيدو، وعلى عكس الوضع الحالي، كان على بعد حوالي أربعمئة متر بشكل مباشر من الساحل، وكان مكانًا مشهورًا يمكن منه مشاهدة البحر من الأعلى، وقد رُسمت هذه المناظر في ”دليل معالم إيدو المصوَّر“، أما اليوم، فلا يمكن رؤية البحر بالطبع.

ووفقًا لـ ”دليل معالم إيدو المصوَّر“ فقد كان الاسم القديم لمنحدر ”شيومي زاكا“ هو ”شيومي زاكي“، وقد ذُكر أنه كان واحدًا من سبعة رؤوس صخرية تُعرف باسم ”الرؤوس الصخرية السبعة“ إلى جانب ”تسوكي نو ميساكي“، و”صوديغا ساكي“، و”أوساكي“، و”أراي ساكي“، و”تشيوغا ساكي“، و”تشونانغا ساكي“. ويشير ذلك إلى وجود عدة تلال صغيرة على طول ساحل تاكاناوا كانت تتمتع بإطلالات رائعة، وهو منظر لا يمكن تخيله اليوم.


الصورة على اليسار لمنحدر شيومي زاكا في ”دليل معالم إيدو المصوَّر“. المصدر: أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية الصورة على اليمين لمنحدر شيومي زاكا الحالي. لا يمكن رؤية البحر بسبب حجب المباني السكنية له. تصوير: قسم التحرير في nippon.com

【معلومات محطة تاماتشي】

  • الافتتاح: 16 ديسمبر/كانون الأول 1909
  • متوسط عدد الركاب اليومي: 109,296 راكبًا (المرتبة 14 من بين 30 محطة وفقًا لإحصاءات شركة جي آر شرق اليابان للسكك الحديدية للسنة المالية 2022)
  • الخطوط التي تمر عبر المحطة: خط توئي أساكوسا وخط ميتا من محطة ميتا (حوالي دقيقتين سيرًا على الأقدام)، ويمر منها خط كيهين توهوكو التابع لشركة جي آر

【المراجع】

  • ”قراءة إيدو وطوكيو من خلال أسماء المحطات“، أوئيشي مانابو، دار PHP للنشر
  • ”معجم أصول أسماء الأماكن في طوكيو“، تحرير تاكيؤتشي ماكوتو، دار طوكيودو للنشر
  • ”مؤلفات ميتامورا إنغيو: المجلد الثامن“، دار تشوأو كورونشينشا للنشر
  • ”معجم معالم إيدو وطوكيو“، دار كاساما للنشر

(النص الأصلي باللغة اليابانية.صورة العنوان الرئيسي: محطة تاماتشي عام 1913. يظهر مبنى المحطة إلى اليسار، وإلى اليمين المنطقة الصناعية التي تم إنشاؤها بردم البحر. المصدر: أرشيف متحف السكك الحديدية)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | محطة تاماتشي (JY27): من حقول الأرز إلى قلب طوكيو النابض بالحياة لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :