فى عام ١٩٩٩ فاز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل فى الكيمياء، وفى العام التالى زاد عدد طلاب القسم العلمى فى الثانوية العامة على عدد طلاب القسم الأدبى لأول مرة، منذ سنوات طويلة. وقتها قال لى الدكتور زويل: إن هذا التحول هو إنجاز كبير لا تقل سعادتى به عن سعادتى بنوبل.
عبر التاريخ المعرفى كان هناك باستمرار انقسام بين الثقافة العلمية والثقافة الأدبية، أو بين العلوم والآداب، وبالتصنيف الحديث بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. لكن هذا لم يمنع أنه فى الحضارة المصرية ثم الحضارة العربية الإسلامية كان الجمع بين المنظومتين حاصلاً ومتكررًا، كان هناك الفيلسوف الطبيب والأديب العالم. وكان المثقف الموسوعى الذى يأخذ من العلوم والآداب بنصيب نموذجًا سائدًا من بغداد إلى قرطبة.
ولما جاء العصر الحديث غابت الموسوعيّة، وأصبح التخصص هو أساس الدراسة بالجامعات، والعمل بمراكز البحوث والمؤسسات والحكومات. وأصبحت العلوم الطبيعية بعيدة عن العلوم الإنسانية، بل وبعيدة عن بعضها البعض.. ولم يكن ممكنًا اللقاء بينهما إلا فى محطات قليلة.
ثم عادت الأمور بنهايات القرن العشرين إلى التقارب والتداخل من جديد، فهناك الفيزياء الحيوية والفيزياء الكيميائية والهندسة الطبية والطب النفسى وعشرات التشابكات والجسور العلمية بين علوم كانت شبه منفصلة لعقود طويلة.
ثم جاءت موجة أخرى لم تعد الجسور فيها بين العلوم الطبيعية بعضها البعض فحسب، بل جاء عصر تبسيط العلوم.. ليجعل العلوم المعقدة حاضرة بين أيدى دارسى العلوم الإنسانية وعموم القراء.
فى عام ١٩٥٩ أصدر الفيزيائى والروائى البريطانى البارون «تشارلز بيرسى سنو» كتابه الشهير «الثقافتان والثورة العلمية».. تحدث فيه عن أهمية التقارب بين الثقافة العلمية والثقافة الأدبية. وكانت هذه محاولة صلح كبرى بين العلوم الطبيعية والإنسانية، ومحاولة ترميم المسافة بين طرفين تباعدا لأزمانٍ طويلة.
وفى عام ١٩٩٥ أصدر الكاتب الأمريكى «جون بروكمان» كتابه «الثقافة الثالثة.. ما وراء الثورة العلمية»، وهو الكتاب الذى يمثل نقلة أكبر فى الصلح بين العلوم والآداب.
فى عام ٢٠٠٢ نشر بروكمان كتابه «الخمسون عامًا القادمة»، وفى عام ٢٠٠٣ نشر كتابه «الإنسانيون الجُدد.. العلم عند الحافة». ويُعد بروكمان ناشطًا أساسيًا فى موجة كبرى راحت تعمل على تبسيط العلوم. وقد نجحت هذه الموجة فى إزالة الخوف، كما نجحت فى جذب أعداد من المراهقين إلى دراسة العلوم الطبيعية.
أطلق «جون بروكمان» على تبسيط العلوم، وشرح نظريات الجاذبية والنسبية ونشأة الكون والكائنات المجهرية والانشطار النووى.. وغيرها من الأطروحات العلمية الكبرى اسم «الثقافة الثالثة». إنها الثقافة العلمية الأدبية، التى تهدف لإلغاء الجفاف والجفاء، وتقديم العلوم البحتة على طبق من الإثارة العلمية والجاذبية العقلية. وفى هذا السياق، قام عالم الفيزياء البريطانى «ستيفن هوكينج» بإطلاق جائزة لتبسيط العلوم عام ٢٠١٥.
فى مقال شيق للعراقية لطفية الدليمى.. اقترحت إطلاق اسم «الثقافة الرابعة» على موجة جديدة باتت تكتسح العالم المعاصر وهى موجة الذكاء الاصطناعى، أو ذلك المزج بين المعارف الإنسانية وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، وهى موجة تتجاوز تبسيط العلوم على النحو الذى كان عليه فى القرن العشرين.
ربما نكون بالفعل إزاء ثقافة رابعة أو أننا إزاء موجة أكثر تطورًا من الثقافة الثالثة، لكن الأهم هو أن إعادة تقديم العلوم الصعبة بطريقة سهلة، وشرح أعقد النظريات بأبسط الأساليب، والتسويق الشعبى لمعادلة مثل (E=MC٢).. قد دفع بالعلوم إلى موائد طعامنا، وردهات مقاهينا، وشاشات هواتفنا.
لا يعد تبسيط العلوم أمرًا جديدًا على القراء العرب، فقد نشر العالم المصرى الدكتور مصطفى مشرفة مقالات وكتبًا تُعد من أعلى نماذج «الثقافة الثالثة». ولقد تواصل ذلك عبر نجوم الإعلام العلمى فى مصر مثل صلاح جلال، وراجى عنايت، ثم كانت مقالات وحوارات ومذكرات الدكتور أحمد زويل نموذجًا رفيعًا لتبسيط العلوم، وتقديم كيمياء الفمتو والعالم متناهى الصغر لملايين القراء والمشاهدين.
بالتوازى مع ذلك جاءت موجة الأفلام الوثائقية والبرامج العلمية لتجذب أعدادًا أكبر من العامّة إلى العلم. ولايزال برنامج «العلم والإيمان» للدكتور مصطفى محمود.. الأكثر انتشارًا وتأثيرًا فى العالم العربى.
إن تبسيط العلوم أحد أكبر إنجازات عصرنا، ولولاها لما كنا نعرف الكثير عن العالم الذى نعيش فيه أو الكون الذى نسبح فى طُرقاته، ولما كنا نعرف الكثير عن أنفسنا أو كوكبنا.. من الخلايا إلى فيزياء الكمّ.
إن تبسيط العلوم واجب وطنى، ليس فقط لمتعة المعرفة، بل لجذب عدد أكبر من الطلاب للدراسات العلمية. إن الآداب والعلوم الإنسانية هى معارف قيمة ورائعة، ولكن عالمنا المعاصر هو عالم الرياضيات والفيزياء.
العلم هو الحل، وتبسيط العلوم هو الطريق إلى ذلك الحلّ.
أحمد المسلماني – المصري اليوم
كانت هذه تفاصيل خبر الثقافة الثالثة لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :