بلومبرغ: غزة يمكنها أن تستلهم من تجربة السلام في كوسوفو

الرياص - اسماء السيد - تناولت الصحف الدولية اليوم قضايا متباينة تجمعها خيوط السياسة والهوية والتكنولوجيا، من تحذير في بلومبرغ من تعثر خطة السلام الأمريكية في غزة والدعوة إلى استلهام تجربة كوسوفو، إلى انتقاد الغارديان لسياسات حزب العمال البريطاني الجديدة تجاه المهاجرين بوصفها عقابية ومهينة، وصولاً إلى تساؤل فايننشال تايمز عن فقدان "السحر الإنساني" في زمن الذكاء الاصطناعي.

ونبدأ من بلومبرغ، وفي مقال بعنوان "جهود السلام في غزة يمكن أن تستفيد من تجربة كوسوفو"، يرى الكاتب مارك تشامبيون أن الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل عشرة أيام فقط بدأ يترنح سريعاً، مشيراً إلى أن المؤشرات على الأرض لا توحي بسلامٍ مستقر، بل بعودة الفوضى.

يشرح الكاتب أن حماس لم تُبدِ أي نية للالتزام ببنود الاتفاق، بل استغلت انسحاب القوات الإسرائيلية لتعيد فرض سيطرتها على بعض المناطق و"تصفّي خصومها من الفلسطينيين"، بينما تواصل إسرائيل قصف غزة وترفض إعادة فتح معبر رفح كما ينص الاتفاق. بذلك، يقول تشامبيون، فشل الاتفاق في تحقيق أبسط شروط التهدئة لأنه فُرض على طرفين لم يقتنعا به منذ البداية.

لكن المقال لا يتوقف عند هذا التشخيص، بل يقترح درساً عملياً مستفاداً من التاريخ الحديث: تجربة كوسوفو عام 1999، حين نجح تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في إنهاء "حملة التطهير العرقي التي شنّها الجيش اليوغوسلافي"، وأعقبها تشكيل قوة حفظ سلام تعرف باسم كفور (KFOR). هذه القوة، التي ما زالت تعمل بعد ربع قرن، اعتُبرت واحدة من أنجح تجارب فرض الاستقرار بعد النزاعات، رغم ما شابها من قصور.

يستعيد تشامبيون دور رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، الذي ساهم في إقناع الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون بضرورة التحضير المسبق لقوة حفظ سلام تكون جاهزة قبل وقف إطلاق النار، بحيث تملأ الفراغ الأمني فور انسحاب القوات الصربية. هذا التحضير المبكر، كما يقول، كان مفتاح النجاح في كوسوفو، على عكس نهج ترامب الذي "يفتقر إلى روح التخطيط المسبق" ويعتمد على "فن الصفقات" أكثر من بناء المؤسسات.

يقترح المقال أن أي قوة دولية ستتولى حفظ السلام في غزة ينبغي أن تستلهم دروس قوات كفور: أن تكون قوية، ذات تفويض واضح، ومكوّنة من دول تحظى بثقة السكان المحليين. ويشير إلى أن مصر قد تقود القوة المقبلة، بمشاركة دول مثل أذربيجان وإندونيسيا، مما يشكل توازناً مقبولاً بين الطابع الإسلامي والشرعية الدولية.

ويختم تشامبيون بتحذير من أن ملء الفراغ الأمني في غزة لا يحتمل الانتظار أو الحلول الجزئية، داعياً القاهرة إلى التحرك سريعاً لتأمين المناطق الحدودية – بدءاً من معبر رفح – قبل أن ينهار ما تبقى من اتفاق ترامب، بحسب الكاتب.

مشاعر الغضب توجّه نحو المهاجرين في بريطانيا

Getty Images

في مقال في صفحة الرأي في الغارديان بعنوان "العمل التطوعي ومستوى اللغة والانتظار لعشر سنوات: اختبار حزب العمال للمهاجرين"، تنتقد الكاتبة نسرين مالك ما تصفه ب "التحول العقابي" في سياسات حكومة حزب العمال الجديدة تجاه المهاجرين في بريطانيا.

ترى مالك أن سلسلة القرارات الأخيرة، من اشتراط إتقان اللغة الإنجليزية بمستوى A-Level إلى فرض العمل التطوعي كشرط للإقامة الدائمة، تشكّل ما يشبه "دقيقتي الكراهية" في رواية جورج أورويل، حيث تُوجه مشاعر الغضب نحو المهاجرين لتغطية فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

توضح الكاتبة أن هذه الإجراءات لا تقتصر على خطاب رمزي، بل تمس فئات أساسية في الاقتصاد البريطاني مثل الأطباء والمهندسين والعاملين في هيئة الصحة الوطنية (NHS). فالمهاجر الذي يعمل ويدفع الضرائب ويشارك في تمويل الخدمات العامة يُطالب الآن بإثبات إضافي على أنه "يساهم في المجتمع" عبر العمل التطوعي. كما تم تمديد فترة الحصول على الجنسية من خمس إلى عشر سنوات، في ما تعتبره الكاتبة "رسالة إذلال" أكثر منها سياسة اندماج.

تصف مالك مطلب إجادة اللغة بمستوى A-Level بأنه "عبثي وغير منطقي"، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من البريطانيين أنفسهم لا يملكون هذا المؤهل. وترى أن الهدف الحقيقي ليس تحسين التواصل أو الاندماج، بل "إرسال رسالة سياسية" إلى الجمهور مفادها أن الحكومة "تحكم قبضتها" على ملف الهجرة.

وتذهب أبعد من ذلك لتربط بين هذه السياسات وتآكل مفهوم "الاندماج" نفسه، موضحة أن الاندماج لا يتحقق عبر الامتحانات أو الخطابات، بل عبر بنية اجتماعية وخدمات عامة تتيح التواصل بين الناس مثل مراكز الشباب، المكتبات، الرعاية الصحية المجتمعية، والنوادي المحلية. لكن هذه المؤسسات، كما توضح، تضررت بفعل سنوات من التقشف، فضعف النسيج الاجتماعي بين المواطنين أنفسهم، قبل أن يُطلب من المهاجرين أن "يصلحوا ما انكسر".

تختم الكاتبة بتحذير من أن هذا الفراغ الاجتماعي يُملأ الآن بخطاب الهوية والولاء للعلم، وهي لغة سياسية "مشبعة برموز فاشية" كما تصفها، تُحوّل الانتماء الوطني إلى "طقس شكلي بينما يتعمق الانقسام في المجتمع".

وبلغة ساخرة تقول مالك: "ربما نُنظّم مباراة كريكيت بين فريقين من المهاجرين، والفائز يمنح الجنسية"، لتؤكد أن السياسة البريطانية تسير نحو "مسرحة" الانتماء بدلاً من معالجته.

الذكاء الاصطناعي يقتل السحر الإنساني

Getty Images

وفي مقال في صفحة الرأي في فاينانشال تايمز بعنوان "الذكاء الاصطناعي يقتل السحر"، تتأمل تتأمل الكاتبة جميما كيلي الأثر النفسي العميق الذي تركه الذكاء الاصطناعي على مفهوم الإبداع الإنساني.

تبدأ كيلي بمشهد عائلي: خطاب مؤثر ألقاه ابن عمها في عيد ميلاد والده الستين. كان الخطاب مؤثراً وصادقاً إلى حد جعلها تتساءل إن كان كُتب بمساعدة الذكاء الاصطناعي وتشات جي بي تي. هذا الشك وحده، تقول، "أفسد لحظة السحر". فمجرد احتمال تدخل الذكاء الاصطناعي جعلها تفقد الثقة بصدق التجربة، وأصبح الإبداع ذاته موضع ريبة.

توسّع الكاتبة هذا المثال لتطرح سؤالاً فلسفياً: كيف يمكننا الاستمتاع بالكوميديا أو الشعر أو الرسائل العاطفية إذا راودنا الشك في مصدرها؟ هل سنضحك على نكتة كتبها إنسان أم خوارزمية؟ هل سنبكي عند قراءة رسالة حب إذا ظننا أنها خرجت من مركز بيانات؟

تنتقد كيلي رؤية كبار المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسهم سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة OpenAI، الذي كتب في 2023 أن "كل ما هو إبداعي ليس سوى إعادة تركيب لما حدث في الماضي مع تحسين طفيف".

ترى الكاتبة أن هذه النظرة تنزع الروح عن الفن وتختزله في معادلة رياضية، متسائلة بسخرية: "هل يمكن تفسير لحظة إلهام بول مكارتني حين كتب أغنية Get Back في دقيقتين بهذه المعادلة؟ أو عبقرية موزارت وهو طفل؟"

تقول كيلي إن ما يُهدد اليوم ليس فقط الناتج الإبداعي، بل فعل الإبداع ذاته، أي تلك التجربة الإنسانية التي تربطنا بما هو أسمى، وربما بما هو إلهي.

فحين يلجأ الناس إلى الذكاء الاصطناعي لتوليد الأفكار أو النصوص، يتخلّون عن الرحلة الداخلية التي تُكوّن جوهر الإبداع. وتضيف أن "الإبداع ليس وسيلة إنتاج، بل تجربة وجودية"، تحفّز على المشاركة، والتعلّم، والفرح، والدهشة.

ورغم اعترافها بأن الذكاء الاصطناعي قد يخدم التقدّم العلمي، ترى كيلي أنه "يُجرّد الحياة من بعض سحرها"، لأن ما يميّز الإنسان ليس الكفاءة بل الخيال.

تختم الكاتبة بالقول إنها تتعلم العزف على الغيتار لا لتكسب المال، بل لتختبر متعة خلق الموسيقى مع الآخرين، مؤكدة أن "لا آلة يمكنها سرقة تلك اللحظة السحرية".

أخبار متعلقة :