مصر تحقق حلمها النووي بعد انتظار نصف قرن

الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من القاهرة: تحركت القاهرة عقب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 من أجل الحصول على الطاقة النووية، في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار النفط، وكان سقف الطموح التنموي مرتفعاً في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، إلا أن الولايات المتحدة لم تسمح للقاهرة بقيام مشروعها النووي ووضعت أمامه العراقيل.

واليوم (الأربعاء) وبعد مرور أكثر من نصف قرن شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة في مرسى مطروح شمال مصر.

وتابع الرئيسان اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة عملياً، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وشاهدا توقيع أمر شراء الوقود النووي.

وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع محطة الضبعة النووية يعد من أهم المشاريع القومية في تاريخ مصر الحديث.

وأوضح الرئيس السيسي في كلمته خلال مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الأولى بالمحطة، أن محطة الضبعة تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة وابتكارًا في استخدام الطاقة النظيفة.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو من بادر بمشروع الضبعة النووي، وتابع :"أرى أن هذا شرف وفخر كبير أن أتشارك معكم هذه اللحظة".

وأضاف خلال مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة الضبعة النووية بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن هذه الوحدة يمكن أن تنتج 460 ميغاوات.

وأوضح الرئيس بوتين أن الشراكة بين مصر وروسيا فتحت آفاقاً جديدة لتبادل الخبرات، وسيكون هناك زيادة قدرها 35 ألف كيلوواط بعد هذه الوحدة.

وأضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "أعبر عن امتناني العميق لكل من شاركوا في هذا المشروع، أن محطة الضبعة النووية هي مثال على مشروع ناجح للتعاون بين مصر وروسيا، أشكر المهندسين المصريين والروس على هذا العمل لبناء تلك المحطة التي ستحل الكثير من المشاكل التقنية".

محطة الضبعة النووية.. حقائق وأرقام
المحطة النووية المصرية تقع في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح، على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة.

وتتكون المحطة من أربع وحدات للطاقة، بقدرة 1200 ميغاوات لكل منها، مزودة بمفاعلات الماء المضغوط من الطراز الروسي VVER-من الجيل الثالث المطور.

وأعلنت هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر أن وعاء ضغط المفاعل، الذي يتم تركيبه الأربعاء، هو أحد المكونات الرئيسية في المحطة النووية، ويحتوي بداخله على قلب المفاعل الذي تجرى فيه سلسلة التفاعلات النووية المتحكم بها.

يتميز الوعاء بقدرته العالية على تحمل الضغط ودرجات الحرارة المرتفعة، مع ضمان الإحكام الكامل ضد أي تسرب، مما يجعله عنصراً أساسياً في منظومة الأمان والموثوقية التشغيلية للوحدة النووية.

خفايا تعثر البرنامج النووي المصري
قال الدكتور المهندس محمد منير مجاهد، النائب الأسبق لرئيس هيئة المحطات النووية، إن قوى دولية سعت في مراحل متعددة إلى إيقاف البرامج الطموحة في مصر، وفي مقدمتها البرنامج النووي وبرنامج الطائرة «القاهرة 300»، مؤكداً أن هذه التحركات كانت تستهدف تعطيل مشروعات يمكن أن تدفع مصر خطوات واسعة إلى الأمام، وفقاً لما نقله موقع "المصري اليوم" عن المسؤول المصري.

وأوضح محمد منير مجاهد، أنه عقب حرب 1973 وارتفاع أسعار البترول، بدأت مصر التفاوض بشأن إنشاء محطات نووية، إلا أن المفاوضات تعثرت بعد إصرار الولايات المتحدة على الحصول على حق التفتيش على جميع المنشآت النووية المصرية، وهو ما رفضته القاهرة، مشيرا إلى أن القيادة السياسية آنذاك اختارت التصديق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية رغم عدم انضمام إسرائيل إليها.

الانتقال من سيدي كرير إلى الضبعة
وأضاف محمد منير مجاهد أن المشروع النووي تعطل لاحقاً مع غياب الردود الأميركية واستمرار العراقيل، قبل أن يتأثر أيضاً بالزحف العمراني في منطقة سيدي كرير، ما دفع إلى اختيار موقع الضبعة باعتباره الأنسب.

وأشار مجاهد إلى أن مصر بدأت منذ عام 1980 التوجه الجاد لإنشاء المحطات النووية، حيث جرى التفاوض مع فرنسا، ثم تغير المسار بعد اعتراض واشنطن والمطالبة بمناقصة مفتوحة، لتطرح مناقصة محدودة قبل أن يعطلها بيان صادر عن بنك الاستيراد والتصدير الأميركي الذي ادعى عجز الاقتصاد المصري عن تمويل المشروع.

تأثير حادثة تشيرنوبل
وتابع أن حادثة تشيرنوبل ساهمت كذلك في وقف المشروع رغم أن المفاعل الذي كانت مصر تعتزم استخدامه يختلف تماماً عن مفاعل تشيرنوبل، واستمر التوقف لما يقرب من 20 عاماً، في ظل الاعتقاد الخاطئ باكتفاء مصر من الغاز والبترول، قبل أن يتبين لاحقاً أن الدولة تحتاج بوضوح إلى مصدر طاقة بديل ومستدام.

وأوضح أن الحزب الوطني اتخذ لاحقاً قراراً بالعودة إلى البرنامج النووي، لكن بخطوات وُصفت بالخجولة، وسط محاولات لتحويل موقع الضبعة إلى مشروعات سياحية واجهت معارضة شعبية وعلمية واسعة أجبرت على وقفها، وفي عام 2010 صدر قرار جمهوري بإقامة المشروع في موقع الضبعة.

وأشار إلى أن ثورة يناير أوقفت المسار لفترة، قبل أن تُستأنف الخطوات الجادة مع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم، حيث جرى التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتمهيد الطريق عبر دراسات وتوصيات أعدتها هيئة المحطات النووية.

وأكد محمد مجاهد أن الفترة الزمنية التي استغرقها العمل في السنوات الأخيرة تضمنت في بدايتها بعض التأخير، لكنها جاءت نتيجة طبيعية لحجم المشروع وتعقيداته الفنية والتنظيمية.

أخبار متعلقة :