بوتين يتعهد بعدم شنّ حروب أخرى إذا عامل الغرب روسيا باحترام

الرياص - اسماء السيد - صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الجمعة، بأنه لن تكون هناك حروب أخرى بعد أوكرانيا إذا عوملت روسيا باحترام، ووصف مزاعم تخطيط موسكو لمهاجمة الدول الأوروبية بأنها "هراء".

وقال في مقابلة تلفزيونية مجيباً عن سؤال محرر الشوؤن الروسية في بي بي سي حول ما إذا كانت ستكون هناك "عمليات عسكرية خاصة" جديدة - وهو المصطلح الذي يستخدمه بوتين للإشارة إلى الغزو الشامل لأوكرانيا، "لن تكون هناك أي عمليات إذا عاملتمونا باحترام، إذا احترمتم مصالحنا كما حاولنا دائماً احترام مصالحكم" أجاب بوتين.

وأضاف بوتين في رده على سؤال بي بي سي، في المقابلة التي استمرت 4 ساعات ونصف، شرطاً آخر، وهو عدم خداع روسيا مرة أخرى، قائلاً "إذا لم تخدعونا كما خدعتمونا بتوسع الناتو شرقاً".

ولطالما اتهم بوتين الناتو بالتراجع عن وعد غربي مزعوم قُطع عام 1990 للزعيم السوفيتي، آنذاك، ميخائيل غورباتشوف، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، فيما نفى غورباتشوف لاحقاً الإدلاء بهذا التصريح.

وكان بوتين قد قال في وقت سابق من هذا الشهر، إن روسيا لا تخطط لخوض حرب مع أوروبا، لكنها مستعدة "الآن" إذا رغب الأوروبيون في ذلك.

وقد جمع البرنامج التلفزيوني الماراثوني الروسي المسمى "الخط المباشر"، الذي استضاف بوتين، أسئلة كثيرة من عامة الشعب وصحفيين من مختلف أنحاء روسيا في قاعة بموسكو، حيث جلس بوتين تحت خريطة ضخمة لروسيا تشمل المناطق الأوكرانية المحتلة، بما فيها شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.

وزعم التلفزيون الروسي الرسمي أن عدد الاسئلة التي وصلت أكثر من ثلاثة ملايين سؤال.

وبعد ساعات قليلة من الماراثون المتلفز، أعلن مسؤولون أوكرانيون عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة 15 آخرين في غارة صاروخية روسية على منطقة أوديسا جنوبيّ أوكرانيا، وكان الغزو الروسي لأوكرانيا قد بدأ في فبراير/ شباط 2022.

EPA
قال منظمو الفعالية إنّ أكثر من ثلاثة ملايين سؤال وصلت إلى بوتين

وعلى الرغم من الاستعدادات المسبقة التي بذلها التلفزيون الروسي قبيل برنامج "الخط المباشر"، إلا أن بعض التعليقات النقدية من الجمهور ظهرت على الشاشة الكبيرة للبرنامج، ومن بينها تعليق وصف الفعالية بأنها "سيرك"، وآخر اشتكى من انقطاع الإنترنت، وثالث أشار إلى رداءة المياه المستخدمة في المنازل. وقد ألقت السلطات باللوم في انقطاع خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول على هجمات الطائرات الأوكرانية المسيّرة.

وتطرق بوتين في اللقاء إلى الاقتصاد الروسي المتعثر، وارتفاع الأسعار وتراجع النمو وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 20 في المئة إلى 22 في المئة في الأول من يناير/ كانون الثاني. وجاء في إحدى الرسائل الموجهة إلى الرئيس: "أوقفوا هذا الارتفاع الجنوني في أسعار كل شيء!".

وعادة ما يستغل الكرملين هذه الفعالية السنوية بانتظام لإبراز مرونة الاقتصاد، وبينما كان بوتين يلقي كلمته، أعلن البنك المركزي الروسي عن خفض أسعار الفائدة إلى 16 في المئة.

وتضمنت الفعالية التلفزيونية مزيجاً من قضايا السياسة الخارجية، وتأملات حول الوطن، وإشادة بالشركات المحلية، وأسعار الأسماك، وأهمية رعاية المحاربين القدامى.

لكن قضية الحرب الشاملة التي استمرت قرابة أربع سنوات في أوكرانيا ظلت حاضرة بقوة، وكثيراً ما كانت تُطرح في خلفية العديد من الأسئلة.

وزعم بوتين مجدداً أنه "مستعد وراغب" في إنهاء الحرب في أوكرانيا "سلمياً"، لكنه لم يُبدِ أي مؤشر يُذكر على التوصل إلى حل وسط.

وكرر إصراره على المبادئ التي طرحها في خطاب ألقاه في يونيو/ حزيران 2024، حين طالب القوات الأوكرانية بالانسحاب من أربع مناطق تحتلها روسيا جزئياً، وأن تتخلى كييف عن مساعيها للانضمام إلى حلف الناتو.

وتتمثل أبرز مطالب روسيا في السيطرة الكاملة على منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا، بما في ذلك نحو 23 في المئة من منطقة دونيتسك التي لم تتمكن روسيا من احتلالها.

وزعم بوتين أن القوات الروسية تُحرز تقدماً على طول خط الجبهة في أوكرانيا، وسخر من زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى خط الجبهة في كوبيانسك الأسبوع الماضي، حين تمكن الزعيم الأوكراني من دحض مزاعم روسيا بالسيطرة على المدينة.

وطالب بوتين أيضاً بإجراء انتخابات جديدة في أوكرانيا ضمن مقترحات السلام التي قدمها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في إطار جهوده لإنهاء الصراع. وفي مؤتمره الصحفي، عرض بوتين وقف قصف أوكرانيا خلال فترة الانتخابات.

وأعلن جهاز الأمن الأوكراني (SBU) يوم الجمعة أنه أصاب، ولأول مرة، ناقلة نفط تابعة لـ"الأسطول الخفي" الروسي في البحر الأبيض المتوسط. وقال بوتين إن ذلك لن يؤدي إلى النتيجة التي ترغب بها كييف ولن يعرقل الصادرات الروسية.

ولم تُبدِ معظم أسئلة وسائل الإعلام الروسية أو الجمهور أي محاولة تُذكر لتحدي بوتين، إلا أنه سُمح لمراسلين غربيين، هما كير سيمونز من شبكة إن بي سي NBC الأمريكية وستيف روزنبرغ من بي بي سي BBC، بطرح سؤالين.

وعندما سأل سيمونز بوتين عما إذا كان سيشعر بالمسؤولية عن مقتل الأوكرانيين والروس في حال رفضه خطة ترامب للسلام، أشاد بوتين بجهود الرئيس الأمريكي "الصادقة" لإنهاء الحرب، لكنه قال إن الغرب، وليس روسيا، هو من يعرقل التوصل إلى اتفاق.

وقال "الكرة في أيدي خصومنا الغربيين، وبالأخص قادة نظام كييف، وفي هذه الحالة، وقبل كل شيء، رعاتهم الأوروبيين".

وصرّح ترامب بأن اتفاق السلام بات أقرب من أي وقت مضى، ورغم رفض بوتين الواضح للتنازل، أعرب الرئيس الأمريكي عن أمله في أن "تتحرك أوكرانيا بسرعة لأن روسيا حاضرة".

في الوقت نفسه من المفترض أن وفداً أوكرانياً عقد محادثات في ميامي الجمعة مع مبعوث ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، وصهره، جاريد كوشنر، وذلك بوجود مسؤولين ألمان وفرنسيين وبريطانيين، وذلك بعد أيام من لقائهم بالمسؤولين الأمريكيين في برلين.

ومن المتوقع أيضاً وصول مبعوث الكرملين كيريل ديميترييف إلى ميامي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفقاً للتقارير.

وقال بوتين لمحرر الشؤون الروسية في بي بي سي "نحن على استعداد للعمل معكم - مع المملكة المتحدة ومع أوروبا عموماً ومع الولايات المتحدة، ولكن على قدم المساواة، ومع الاحترام المتبادل".

ونحن على استعداد لوقف هذه الأعمال العدائية فوراً، شريطة ضمان أمن روسيا على المديين المتوسط والطويل، "نحن على استعداد للتعاون معكم".

واتهم بوتين الغرب بخلق عدو من روسيا. متجاهلاً قراره شنّ غزو شامل في فبراير/ شباط 2022، وقال: "أنتم تشنون حرباً ضدنا بأيدي النازيين الجدد الأوكرانيين"، قبل أن يكرر هجومه المعتاد على القادة المنتخبين ديمقراطياً في أوكرانيا.

وقد حذرت أجهزة الاستخبارات الأوروبية من أن روسيا على بعد سنوات قليلة فقط من مهاجمة حلف الناتو. وقال مارك روته، رئيس التحالف الدفاعي الغربي، هذا الشهر، إن روسيا تُصعّد بالفعل حملة سرية، وأن على الغرب أن يكون مستعداً للحرب.

وبينما كانت العديد من الأسئلة بريئة، بما في ذلك أسئلة من أطفال، إلا أن سؤالاً من إحدى المراسلات من منطقة ياقوتيا، الواقعة شمال شرق سيبيريا، سلط الضوء على الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، الذي بلغ عشرة أضعاف خلال السنوات الأربع الماضية. وأخبرها بوتين أن فريقه سيبحث في مصادر الطاقة البديلة، وسيضع ياقوتيا في الحسبان.

وفي ختام المقابلة التلفزيونية المطولة، وُجّهت إلى بوتين سلسلة من الأسئلة السريعة، تناولت آراءه حول الصداقة والدين والوطن والحب من النظرة الأولى. قال إنه يؤمن بالحب من النظرة الأولى، ثم أضاف أنه هو نفسه واقع في الحب، دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

أخبار متعلقة :