تجربتي في تعليم طفلتي حدود التعامل مع زملائها.. تضم 5 حكايات!


كتبت: ياسمين عمرو في الأحد 28 سبتمبر 2025 08:07 صباحاً - يعيش أطفالنا مواقف صغيرة كل يوم في المدرسة أو الحي أو بين أفراد العائلة، وهي ما تحدد طبيعة علاقاتهم المستقبلية، وقدرتهم على مواجهة المواقف المختلفة. وهنا تظهر مسؤولية الأمهات والآباء بالتوجيه المتوازن الذي يحفظ للطفل براءته، ويمنحه في الوقت ذاته تجربة تساعده على النمو الصحي نفسياً واجتماعياً.
في هذا التقرير، سنتابع تجربة "الأم رانيا" لتعليم طفلتها حدود التعامل مع الزملاء، والتي خصَّت بها قراء "الخليج 365 وطفلك"، وتشمل خمسة مواقف أو قصص قصيرة عاشتها طفلتها وقَصَّتها عليها؛ لتحولها الأم إلى درس يُفيد كل أمّ.
"تجربتي" في تعليم طفلتي حدود التعامل مع زملائها.. اجتماعياً، وكيف يقي الطفل نفسه من العنف، وأهمية المشاركة بالنشاط الجماعي، وأخيراً كيف يحتفظ الطفل بخصوصيته. وفي النهاية نُطالع تقييم أستاذة التربية الدكتورة مها سيد عمران للتجربة وإضافة بعض النصائح.

القصة الأولى: تعليم كيفية التعارف الاجتماعي

طفلة تعرض رسمتها الجميلة

في صباح مشمس من أيام الدراسة: جلست "ولاء"، ذات الأعوام السابعة، إلى جانب زميلتها الجديدة في الصف، ابتسمت لها بخجل، وأخرجت علبة ألوانها؛ لتشاركها في تلوين واجب الرسم.
ولم تكن "ولاء" ابنتي الصغيرة تعلم أن هذا الموقف البسيط، وما يشبهه من مواقف يومية، سيشكل اللبنات الأولى لفهمها للعلاقات الاجتماعية، ولحدود التعامل مع الآخرين، وحتى تدرك أن الاحترام والخصوصية والتعاون مهارات حياتية تُبنى منذ الصغر.
وتضيف الأم "رانيا": إن تربية الأطفال على هذه المبادئ تعد استثماراً طويل الأمد في بناء شخصيات متوازنة قادرة على مواجهة الحياة بثقة واحترام للذات وللآخرين.
فكما يبدأ كل شيء بابتسامة صغيرة على مقعد الدراسة، يمكن لكل قيمة نتشاركها معهم اليوم أن تنمو لتصبح جداراً يحميهم غداً.

القصة الثانية: الفروق الفردية واحترام الاختلاف

طفلة شغوفة بالقراءة

في إحدى الحصص، لاحظت "ولاء": أن زميلتها لا تحب اللعب كثيراً في الفسحة، وتفضل الجلوس بهدوء لقراءة كتاب صغير تحمله دائماً معها، بينما اعتدت- أنا- الجري مع أصدقائي في الملعب، استغربت في البداية وسألتها بإلحاح: لماذا لا تأتين للعب معنا؟ هل تخافين؟ ابتسمت الزميلة بخجل وأجابت: لا، لكنني أحب القراءة أكثر.
في اليوم التالي عادت "ولاء" لتجلس بجانبها، ورغم أنها لم تفهم تماماً معنى الشغف بالكتب، إلا أنها قررت احترام اختيار صديقتها، بل وعرضت عليها أن تتبادل معها بعض القصص.
الخليج 365 الأم: بعد أن استمعت لحكاية "ولاء" مع زميلتها أخبرتها: أن هذا الموقف الصغير يدل على أن الناس مختلفون، وهذا الاختلاف لا يعني التقليل من قيمة الآخر.
وأن لكل إنسان طباعه واهتماماته، وأن إجبار الطفل على تكوين صداقات أو المشاركة في أنشطة لا يرغب فيها ليس الحل، وبدلاً من ذلك، علينا تشجيعه على احترام الفروق الفردية، فالصداقة لا تعني التطابق الكامل بل التنوع والاختيار الحر.

القصة الثالثة: حين يصبح المزاح مؤذياً!

أمٌّ تحتضن طفلتها

في ساحة المدرسة، كانت "ولاء" تلهو مع أصدقائها، فجأة، بدأ أحد الأولاد في تقليد صوتها بطريقة ساخرة، ضحك البعض، لكن "ولاء" شعرت بالحرج الشديد، ولم تعرف كيف تتصرف؟
ولما اقتربت المعلمة وسألتها: هل ضايقك ما حدث؟ هزت "ولاء" رأسها بالإيجاب، فقالت لها: من حقك أن تقولي (لا) بصوت واضح؛ إذا شعرت أن شيئاً يزعجك، السخرية ليست مزاحاً، والاحترام واجب دائم.
وفي اليوم التالي، حين حاول الطفل نفسه إعادة السخرية، رفعت "ولاء" رأسها وقالت بثقة: لا، هذا يزعجني، ولا أريدك أن تكرر ذلك، صُدم زميلها من ردة الفعل، وتوقف على الفور.
الخليج 365 الأم: تجربتي مع طفلتي "ولاء "علمتني كأم؛ أنه يجب أن نزرع في أطفالنا وعياً مبكراً بأن أي تصرف مؤذٍ، سواء جسدياً أو لفظياً غير مقبول، رغم أنه يقُدم على شكل "مزاح".
يجب الاعتراض عليه ورفضه، والأهم أن يعرف الطفل أن قول "لا" ليس وقاحة، بل وسيلة لحماية نفسه، كذلك، وأن نوضح له كذلك، أن الإبلاغ عن الأذى ليس فتنة أو وشاية، وإنما تصرف يحميه ويحمي الآخرين.

لمزيد من المعرفة: متى يحتاج الطفل إلى تعديل سلوك؟

القصة الرابعة: التعاون دون ذوبان الشخصية

صديقتان تجلسان معاً

في أحد المشاريع الصفية: كُلّف الأطفال بإعداد لوحة كبيرة تعبر عن "الطبيعة"، اجتمع الفريق، وكان بينهم ابنتي "ولاء"، التي أحبت أن تضع فكرتها في الرسم وهي: رسم شجرة كبيرة تتوسط اللوحة، لكن صديقة أخرى أصرت أن يكون هناك بحر واسع بدلاً من ذلك.
هنا كاد النقاش يتحول إلى خلاف، لولا تدخل المعلمة التي قالت: العمل الجماعي يعني أن نستمع لبعضنا، ونجد مكاناً لكل فكر، هنا فكرت "ولاء" قليلاً وقالت: ماذا لو وضعنا البحر بجانب الشجرة، لتجتمع الطبيعة كلها في اللوحة؟ ابتسمت الصديقة ووافق الجميع.
هنا أخبرت ابنتي: أن التعاون لا يعني التنازل عن الشخصية أو تغيير أفكارك الخاصة، بل القدرة على إيجاد مساحة مشتركة تُرضي الجميع.
النجاح الجماعي مهم بقدر النجاح الفردي، وأن لكل فرد دوراً لا يقل أهمية عن الآخر، وفي الوقت نفسه، يجب أن نوضح أن التعاون لا يعني أن يذوب صوته أو شخصيته داخل الجماعة، بل أن يشارك بفعالية ويحترم إسهامات الآخرين.

القصة الخامسة: سرّ صغير وخصوصية كبيرة

أطفال يلعبون بفناء المدرسة

في إحدى المرات: التقطت "ولاء" صورة لصديقتها أثناء اللعب، وقررت أن تشاركها مع باقي الزملاء في مجموعة الصف على الهاتف، وما إن رأت الصديقة الصورة حتى شعرت بالانزعاج، وقالت لولاء: لم أطلب منك نشر صورتي، وهذا يجعلني غير مرتاحة، تفاجأت ولاء، ولم تدرك في البداية أن ما فعلته قد يكون تعدياً على خصوصية صديقتها.
هنا سارعت الأم بشرح الأمر لابنتها "ولاء": لكل شخص حق في أن يحتفظ بصوره وأسراره لنفسه، ولا يجوز مشاركتها من دون إذنه، كما لا يحق لأحد أن يضغط على زميلته؛ ليكشف أسرارها أو تفاصيل حياتها الخاصة. ومنذ ذلك اليوم، تعلمت "ولاء" درساً لن تنساه: أن الخصوصية حق أساسي، وأن احترامها دليل على الصداقة الحقيقية.
الرسالة هنا صديقاتي الأمهات: أن الأطفال يحتاجون إلى وعي مبكر بأن أفكارهم وأغراضهم ومشاعرهم ملك لهم، وأنهم غير ملزمين بالكشف عنها، كذلك يجب أن يتعلموا أن مشاركة الصور أو المعلومات الشخصية تحتاج دائماً إلى إذن صريح.

هل تودين التعرف إلى: أهمية مرحلة رياض الأطفال؟

نصائح عملية للأمهات والآباء

أمٌّ تمرح مع طفلتها

تتعدد المواقف: التي يواجهها أطفالنا كل يوم، لكن خيطاً واحداً يجمعها: حاجتهم إلى توجيه واعٍ من أسرهم، وخاصة من الأمهات اللواتي يقضين وقتاً أطول معهم في أغلب الأحيان.
الحوار المفتوح: خصصي وقتاً يومياً لسماع قصص طفلك عن يومه في المدرسة، وامنحيه مساحة للتعبير عن مشاعره بلا خوف من النقد.
التشجيع على قول "لا": درِّبي طفلك على استخدام هذه الكلمة عند شعوره بعدم الارتياح، سواء في اللعب أو المزاح أو أي موقف آخر.
تمارين التعاون: شاركي طفلك في أنشطة منزلية أو ألعاب جماعية تعلمه قيمة التعاون، مع الحفاظ على استقلاليته كخطوة تمهيدية للمشاركة في اللعب الجماعي بالمدرسة.
تعزيز الخصوصية: احترمي أسرار طفلك الصغيرة، وعلّميه بالمقابل أن يحترم خصوصية زملائه، سواء في الصور أو الأغراض أو المشاعر.
القدوة العملية: تذكري أن طفلك يقلدك أكثر مما يسمعك، فكوني المثال الأول له في التعامل باحترام، وقول الحقيقة، وحماية خصوصية الآخرين.

أخبار متعلقة :