الرياص - اسماء السيد - تواردتْ أنباء عن اتصال هاتفي جرى بين الرئيسَين الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس واستمر لنحو ساعتين ونصف الساعة، حيث اتفق الجانبان على لقاء مباشر لبحث الحرب في أوكرانيا.
وتحمل هذه الأنباء مفاجأة غير سارّة لأوكرانيا، التي تتعرّض لضرب شديد؛ حيث شهدت الـ 24 ساعة الأخيرة وحدها إطلاق روسيا عشرات الصواريخ وأكثر من 300 مسيّرة ضد أهداف متعددة.
ومرة أخرى، تضمّنتْ هذه الأهداف مواقع بِنية تحتيّة مدنية، مُلحقةً المزيد من الأضرار بشبكة إمدادات الغاز، مع قدوم طلائع شتاء قارس.
كما أدّتْ الهجمات على شبكة الكهرباء الأوكرانية إلى انقطاعات في الكهرباء في أنحاء البلاد.
وترى الحكومة الأوكرانية في تلك الضربات علامة على اليأس الروسي؛ في ظل تجمُّد فِعليّ للوضع على الجبهات، وخسائر كبيرة في الأرواح في مقابل مكاسب هزيلة للأرض.
كما يستشعر الاقتصاد الروسي وطأة الهجمات الأوكرانية المتزايدة بالمسيّرات على مستودعات النفط.
وعلى ضوء ذلك، كانت آمال الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي كبيرة في الحصول على مزيد من الدعم العسكري الأمريكي من أجل مواصلة هذا الضغط على روسيا.
وقبل أن يستقل طائرته ويتوجّه إلى واشنطن، بدا زيلينسكي مُعتقداً أن الأمور تسير في الاتجاه الذي يريد لها السَير فيه.
وكانت هناك أحاديث متفائلة عن أنّ ترامب بدأ يرى العالم بعيون أوكرانيا، في تحوّل كبير عن ذلك الموقف الغاضب والمُذلّ الذي شهده المكتب البيضاوي في فبراير/شباط عندما وجّه ترامب اتهاماً لزيلينسكي بـ "المقامرة بحرب عالمية ثالثة".
وكان لفشل قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين في أغسطس/آب، ثم تكثيف القصف ضد أوكرانيا، أثراً فيما يُعتقَد، على فُقدان الرئيس الأمريكي الصبر مع "صديقه الجيد"، كما دأب على مناداة بوتين.
وكانت الآمال مرتفعة في أن يُثمر اجتماع الجمعة أخيراً عن الجائزة التي طالما انتظرتها أوكرانيا، والتي تتمثل في سماح ترامب ببيع صواريخ توماهوك كروز بعيدة المدى.
وكان إحباط ترامب من بوتين واضحاً يوم الأحد حينما قال للصحفيين: "تُرى هل يرغب الروس في انطلاق صواريخ توماهوك باتجاههم؟ لا أظن ذلك".
على أنّ للخبراء العسكريين وجهات نظر مختلفة حول مدى قدرة تلك الصواريخ على تغيير معادلة القوة في الحرب الروسية-الأوكرانية؛ هذا فضلاً عن أنّ الأمر قد يستغرق شهوراً قبل أن تُنشَر تلك الصواريخ، بفضل التعقيدات اللوجستية.
لكنها على أقلّ تقدير ستضيف إلى مقدرة أوكرانيا على ضرب العُمق الروسي بسلاح أقوى من كل الأسلحة التي بحوزتها الآن.
أيضاً، سترسل هذه الصواريخ رسالة مادية قوية إلى بوتين بشأن تحوّل الولاءات الأمريكية.
وفي ظل ذلك، جاءت مكالمة ترامب وبوتين الهاتفية لمدة ساعتين ونصف الساعة بينما كان زيلينسكي لا يزال في الطائرة، وحطّمت آمال الأخير.
ومع ذلك، يضع زيلينسكي حتى الآن قناع الشجاعة، حتى أنه كتب على وسائل التواصل الاجتماعي لدى وصوله إلى واشنطن يقول إنّ روسيا تعيش في حالة من الذعر.
ومضى الرئيس الأوكراني قائلا إن الكرملين "اندفع إلى تجديد الحوار" بعد أنْ سمع عن المحادثات بشأن صواريخ توماهوك كروز.
غير أنّ محللين لا يرون الأمر كما يصوّره زيلينسكي من ذُعر الروس؛ وإنما يرون فيه لعبة قديمة تمرّس عليها بوتين – عبر هذه المكالمة الهاتفية، التي جرتْ بطلب من روسيا وفقاً للكرملين.
وبالفعل نوقشت مسألة صواريخ توماهوك، وأكد بوتين أن نشْرها سيُنظَر إليه على أنه عمل استفزازي.
وعلى ما بدا، فقد ناقش الطرفان "الفُرص الضخمة" -وفق الصياغة الروسية- المتوقعة من التبادل التجاري في حال التوصل إلى اتفاق سلام.
ثم اتفقا بعد ذلك على قمّتهما في المجر، والتي من المرجّح انعقادها في غضون أسبوعين، وفقاً لترامب.
وبينما تتأهب أوكرانيا لمواجهة الشتاء الرابع تحت الحرب، يأمل كثير من الأوكرانيين في أن ينجح ترامب في تحويل نجاحه في الشرق الأوسط إلى زخم لتحقيق سلام في أوكرانيا.
ومن إحدى المستشفيات، قالت امرأة مصابة بجروح بليغة جرّاء هجوم روسيّ على قاطرة سكّة حديد مدنيّة، لبي بي سي: "إنّ شخصاً مثل بوتين لا يمكن الوثوق به".
وفور وصوله إلى واشنطن مساء الخميس، التقى زيلينسكي ممثلين عن شركات دفاع تُنتج أسلحة قوية، قال إنه يحتاجها من أجل تعزيز حماية أوكرانيا.
وسيواصل زيلينسكي مطالبة البيت الأبيض بالحصول على صواريخ توماهوك.
غير أنّ استعداد ترامب لتزويد أوكرانيا بتلك الصواريخ طالما كان محلّ تساؤل، ومما لا شك فيه أن نبرة هذا التساؤل سترتفع في الوقت الراهن.
وفي الوقت ذاته، تحصل روسيا على شيء ما؛ فثمة سيناريو قديم قيد التطوير – فكلما زاد إحباط ترامب من بوتين في أوكرانيا، وجد نفسه مدفوعاً إلى إجراء محادثة مع الرئيس الروسي.
وفي كل مرة يتحدثان فيها، يبدو ترامب مائلاً إلى وجهة نظر بوتين فيسحب تهديداته بتطبيق عقوبات أقسى على روسيا أو بتزويد أوكرانيا بأسلحة أكثر تدميراً.
ولا تبدو قمة المجر، التي عُرضت دون تقديم أي تنازلات، مؤشراً على فقدان الصبر الأمريكي.
وعلى ضوء ذلك، تكون أوكرانيا قد حصلتْ الآن على تحَدّ بعيد المدى، بدلاً من الحصول على صواريخ توماهوك.
أخبار متعلقة :