اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

معركة القلب

معركة القلب

من عمق الفلسفة الفرنسية ندرك أن الإنسان ليس كائنًا منطقيًا محضًا، ولا عاطفيًا خالصًا؛ بل هو بنية معقّدة يتحرك فيها العقل والقلب بتوترٍ دائم، كأنهما قطبان يمدّ كلٌّ منهما الآخر بالطاقة، ويكملان ما لا يستطيعه أحدهما منفردًا. فالقلب يفكّر بطريقته الخاصة، والعقل يشعر بأسلوبٍ لا نعترف به دائمًا، وما بين التفكير والشعور تولد تلك المساحة التي تُعرِّف الإنسان وتتجاوز كل تعريفٍ آخر.

حين يفكر القلب، لا يلجأ إلى المقدمات، ولا ينتظر النتائج، ولا يتكئ على قوانين المنطق، إنه يهتدي بما يشبه الحدس المضيء، ذلك الصوت الخافت الذي يسبق الكلمات ويعلو فوق الحساب.

القلب لا يقول: «لماذا؟» بل يقول: «هكذا أشعر»، وهذا الشعور ـ مهما بدا غامضًا ـ يحمل في عمقه بصيرة قد تتفوّق على استنتاجات العقل في لحظات كثيرة، فالحب، والخوف، والطمأنينة، والألفة… كلها أفكار قلبية تُبنى على يقينٍ داخلي لا تستطيع النظريات تفكيكه.

أما حين يشعر العقل، فإن الأمر يبدو أشبه بمعجزة صامتة، فالعقل الذي نظنّه آلة جامدة، يمتلك القدرة على أن يتألّم ويتحمّس وينفر ويحبّ بطريقته الخاصة، ونشعر أحيانًا أن العقل يرهقنا من كثرة التفكير، وكأن الفكر ذاته يتحول إلى عبءٍ عاطفي يضغط على الروح قبل الجسد، وقد يكره العقل كما يكره القلب، وقد يخشى، لكنه يفعل ذلك في الخفاء، وطريقته هذه قد تكون أشدّ قسوة، لأنها لا تُرى إلا حين تنهار النفس فجأة تحت ثقل الأفكار.

هذا التداخل يصنع الإنسان، إذ لا يكتمل بعقلٍ بلا قلب، ولا بقلبٍ بلا عقل، فالعقل وحده يحوّل الحياة إلى معادلات جافة، والقلب وحده يحوّلها إلى فوضى حالمة، وبين هذين الطرفين تولد الحكمة التي لا يصنعها العلم وحده، ولا تصنعها العاطفة وحدها.

الحكمة هي النقطة التي يلتقي فيها القلب المفكّر والعقل الشاعر، ليُنتجا رؤية متوازنة تمنح الإنسان القدرة على استمرار السير دون أن يسقط في وهم العقل أو ضباب العاطفة.

ولأننا نعيش في زمن يتمايل بمنطق التحليل، نتوهّم أن العقل هو السيد المطلق، وأن المشاعر مجرّد عوائق، إلا أن المشاعر ليست عائقًا، بل دليلًا؛ وليست ضعفًا، بل جزءًا من البصيرة الإنسانية. وكم من قرارٍ اتخذه القلب فكان أصوب من حسابات العقل، وكم من إحساسٍ داخلي أنقذنا مما لم نكن نراه.

القلب يرى بالحدس، والعقل يرى بالبرهان، ومن جمع بينهما رأى الحقيقة بنصفين يكتملان.

إذاً، الإشكال هنا هو الإنسان، نعم، الإنسان الذي يريد أن يصمت أحدهما ليُسمَع الآخر، بينما جمال التجربة الإنسانية يقوم على حوار داخلي بين صوتين مختلفين.

المطلوب هنا وعلى وجه الدقة ليس إلغاء العقل لصالح القلب، ولا إسكات القلب باسم العقل، بل الإصغاء لهما معًا، والسماح لكلٍّ منهما بأن يكمل نقص الآخر، وربما قد تبدو هذه الصورة مثالية، لكنها تظلّ ممكنة حين يقطع الإنسان الشوط الأول سيستسلم له الشوط التالي طواعية، حتى يجد نفسه محكومًا بالعقل، محكّمًا للقلب، منتجًا تجربة قابلة للتطوير، ونمطًا إنسانيًا قادرًا على التوليد.

ختاماً.. إن أعظم لحظات الإنسان تلك التي يتصالح فيها مع صراعه الداخلي، فيعترف بأن التفكير يمكن أن يكون شعورًا، وأن الشعور يمكن أن يكون تفكيرًا. وعندها فقط يدرك أن الحكمة ليست في انتصار أحدهما، بل في أن يصبح القلب أكثر قدرة على التفكير، وأن يصبح العقل أكثر قدرة على الشعور. وهناك، في تلك المنطقة العميقة من الاتزان، يبدأ الإنسان الحقيقي بالظهور، ويعلن عن نفسه، وينتصر للإنسانية من طغيان الشعور ومن إرهاق المعادلة الجامدة.

رياض عبدالله الحريري – جريدة الرياض
9790292510.jpg

كانت هذه تفاصيل خبر معركة القلب لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا