الارشيف / فن ومشاهير

مصنع‭ ‬السكر .. ‬رحلة‭ ‬فى‭ ‬معانى‭ ‬الإنسانية

ياسر رشاد - القاهرة - عندما‭ ‬تشعر‭ ‬وكأنك‭ ‬حلقت‭ ‬فى‭ ‬السماء‭ ‬تنظر‭ ‬للأمور‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬او‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬كبير‭ ‬تتباين‭ ‬المشاعر‭ ‬وتختلف‭ ‬الاحاسيس‭ ‬تمتزج‭ ‬بداخلك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬والسرور‭ ‬تارة‭ ‬وبين‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬والآلام‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬ذاك‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬معنا‭ ‬رواية‭ ‬مصنع‭ ‬السكر‭.‬
رحلة‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاحاسيس‭ ‬الجياشة‭ ‬لشاب‭ ‬مصرى‭ ‬مبدع‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬التصميم‭ ‬الجرافيكى‭ ‬عاش‭ ‬ظروفا‭ ‬صعبة‭ ‬مهنيًا‭ ‬فلم‭ ‬يقبل‭ ‬الترقى‭ ‬واعتلاء‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬فى‭ ‬احدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬خشية‭ ‬ان‭ ‬يتوقف‭ ‬ابداعه‭ ‬وتقل‭ ‬أعماله‭ ‬بسبب‭ ‬متاعب‭ ‬المهنة‭ ‬وكثرة‭ ‬المشاكل‭ ‬الإدارية‭ ‬والمالية‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬يواجهها‭ ‬اثناء‭ ‬رحلة‭ ‬قيادته‭ ‬للوظيفة‭ ‬الرسمية،‭ ‬وفضل‭ ‬حياة‭ ‬الاستقلال‭ ‬لكى‭ ‬يكون‭ ‬محلقا‭ ‬لا‭ ‬تابعا‭ ‬منتجا‭ ‬لا‭ ‬خامدا‭ ‬مبدعا‭ ‬ليس‭ ‬متجمدا‭ ‬فى‭ ‬ظلمات‭ ‬الوظائف‭ ‬التقليدية‭ ‬الطاحنة‭.‬
عانى‭ ‬من‭ ‬رتابة‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬ومل‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬المسافة‭ ‬فى‭ ‬الأفكار‭ ‬والرؤى‭ ‬والاهتمامات‭ ‬بينه‭ ‬وبينه‭ ‬زوجته‭ ‬التى‭ ‬عاش‭ ‬معها‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬أنجب‭ ‬منها‭ ‬ابنته‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬مثلت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬محور‭ ‬الاحداث‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭. ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬نفسه‭ ‬وحيدا‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬ان‭ ‬يعزل‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ومرافقة‭ ‬الأصدقاء‭ ‬تعويضا‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬الخاصة‭ ‬الرتيبة‭. ‬فرافقه‭ ‬خلال‭ ‬الرحلة‭ ‬صديق‭ ‬العمر‭ ‬المخلص‭ ‬الوفى‭ ‬والذى‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬صحفيا‭ ‬وتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬موقع‭ ‬الكترونى‭ ‬لاحدي‭ ‬الصحف‭ ‬الهامة‭ ‬وكان‭ ‬رجلا‭ ‬مثقفا‭ ‬يعشق‭ ‬حياة‭ ‬اللهو‭ ‬ويترنح‭ ‬ليلا‭ ‬فى‭ ‬البارات‭ ‬والنوادى‭ ‬الليلية‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬السعادة،‭ ‬فكان‭ ‬يمثل‭ ‬هو‭ ‬رمانة‭ ‬الميزان‭ ‬لصاحبه‭ ‬الفنان‭ ‬وكان‭ ‬دائم‭ ‬التوجيه‭ ‬له‭ ‬وأعطى‭ ‬له‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الارشادات‭ ‬والنصح،‭ ‬وشاركه‭ ‬افراحه‭ ‬واحزانه،‭ ‬آلامه‭ ‬واحلامه‭ ‬فكان‭ ‬نعم‭ ‬الاخ‭ ‬وخير‭ ‬الاصدقاء‭.‬
كان‭ ‬الفنان‭ ‬زياد‭ ‬صاحب‭ ‬الحس‭ ‬المرهف‭ ‬والاعمال‭ ‬المتميزة‭ ‬له‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعجبين‭ ‬والمعجبات‭ ‬عبر‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬يتواصل‭ ‬مرة‭ ‬ويتجاهل‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬عدد‭ ‬المعجبين‭ ‬والمعجبات‭. ‬حتى‭ ‬وقعت‭ ‬عيناه‭ ‬على‭ ‬فتاة‭ ‬تدعى‭ ‬ورد‭ ‬وهى‭ ‬حقا‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الاحداث‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬اسم‭ ‬على‭ ‬مسمى؛‭ ‬فتاة‭ ‬رقيقة‭ ‬حالمة‭ ‬صادقة‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬وقاست‭ ‬من‭ ‬وحشة‭ ‬الحياة‭ ‬فقد‭ ‬نشأت‭ ‬فى‭ ‬حمص‭ ‬بسوريا‭ ‬ومرت‭ ‬بمراحل‭ ‬عصيبة‭ ‬اثناء‭ ‬الحرب‭ ‬وبعدها‭ ‬فقدت‭ ‬أمها‭ ‬التى‭ ‬حبتها‭ ‬كثيرا‭ ‬وتعلقت‭ ‬بها‭ ‬مدى‭ ‬سنين‭ ‬حياتها‭ ‬وفقدت‭ ‬اخيها‭ ‬الذى‭ ‬دفع‭ ‬ضريبة‭ ‬عمله‭ ‬كضابط‭ ‬فى‭ ‬الجيش‭ ‬السورى‭ ‬وتوالت‭ ‬الاحداث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وتوفى‭ ‬والدها‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬أيضا‭ ‬ضابطا‭ ‬بالجيش‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬اخ‭ ‬واحد‭ ‬تاجر‭ ‬ومتزوج‭ ‬ووحدتها‭ ‬الى‭ ‬لازمتها‭ ‬عبر‭ ‬اجمل‭ ‬سنين‭ ‬عمرها‭.‬
تعرفت‭ ‬ورد‭ ‬على‭ ‬زياد‭ ‬ودارات‭ ‬بينهما‭ ‬حوارات‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬بمصر‭ ‬وسوريا‭ ‬وتبادل‭ ‬الأفكار‭ ‬والخبرات‭ ‬فى‭ ‬الأمور‭ ‬الوظيفية‭ ‬والحياتية‭ ‬فهى‭ ‬تعمل‭ ‬موظفة‭ ‬بإحدى‭ ‬الهيئات‭ ‬الحكومية‭ ‬ومسئولة‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬الفعاليات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وزياد‭ ‬فنان‭ ‬جرافيكى‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الابداعات‭ ‬والتصميمات‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬فاستطاعا‭ ‬ان‭ ‬يجدولا‭ ‬لغة‭ ‬حوار‭ ‬فى‭ ‬اهتمامهما‭ ‬المشترك‭ ‬وآرائهما‭ ‬المتقاربة‭. ‬عاشا‭ ‬اجمل‭ ‬قصص‭ ‬الحب‭ ‬الافتراضية‭ ‬وتمنيا‭ ‬ان‭ ‬تقربهما‭ ‬الأيام‭ ‬وتخضع‭ ‬لهما‭ ‬الظروف،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬المشاكل‭ ‬لاحقتهما‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬شابا‭ ‬أعزب‭ ‬وهى‭ ‬امرأة‭ ‬بعيدة‭ ‬وفى‭ ‬مكان‭ ‬اخر‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬رغبتهما‭ ‬فى‭ ‬تحدى‭ ‬الظروف‭ ‬وتذليل‭ ‬العقبات،‭ ‬وقبل‭ ‬ان‭ ‬تتوج‭ ‬علاقتهما‭ ‬بالزواج‭ ‬تقلبت‭ ‬الأمور‭ ‬وتبدلت‭ ‬المعايير‭ ‬وفضلت‭ ‬ورد‭ ‬البقاء‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬والارتباط‭ ‬بأحد‭ ‬زملائهما‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬باحثة‭ ‬عن‭ ‬الاستقرار‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬مشاكل‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬حبيبها‭ ‬المتزوج‭. ‬وتدور‭ ‬الأيام‭ ‬وتسافر‭ ‬ابنة‭ ‬زياد‭ ‬لاستكمال‭ ‬باقى‭ ‬تعليمها‭ ‬فى‭ ‬الغربة‭ ‬فى‭ ‬احدى‭ ‬الدور‭ ‬الاوروبية‭ ‬ويشاء‭ ‬القدر‭ ‬ان‭ ‬يجمعها‭ ‬بحبيبة‭ ‬والدها‭ ‬السورية‭ ‬ورد‭. ‬ورغم‭ ‬وفاة‭ ‬والدتها‭ ‬ورغبة‭ ‬الابنة‭ ‬ان‭ ‬تعود‭ ‬المياه‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬ابيها‭ ‬وبين‭ ‬الفتاة‭ ‬السورية‭ ‬ورد‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬القدر‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬رجوعهما‭ ‬وانتهت‭ ‬الحكاية‭ ‬وتركت‭ ‬لنا‭ ‬اسمى‭ ‬معانى‭ ‬المشاعر‭ ‬السامية‭ ‬والاحاسيس‭ ‬المرهفة‭ ‬التى‭ ‬يعايشها‭ ‬عبر‭ ‬احداث‭ ‬الرواية‭ ‬المبهرة‭. ‬استطاع‭ ‬مؤلف‭ ‬الرواية‭ ‬ان‭ ‬يصيغ‭ ‬باقتدار‭ ‬كلماته‭ ‬والفاظه‭ ‬بصورة‭ ‬احترافية‭ ‬وبمهنية‭ ‬عالية‭ ‬تسعد‭ ‬القارئ‭ ‬وتداعب‭ ‬احساسيه‭ ‬ومشاعره‭ ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬بمنتهى‭ ‬الدقة‭ ‬وبأصدق‭ ‬مشاعر‭ ‬الإخلاص‭ ‬والوفاء‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬بصورة‭ ‬مختلفة‭ ‬غير‭ ‬نمطية‭ ‬وواقعية‭ ‬تلفت‭ ‬نظر‭ ‬القارئ‭ ‬وتسعد‭ ‬من‭ ‬يتداول‭ ‬حكايته‭.‬

Advertisements

قد تقرأ أيضا