الارشيف / اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

امرأة من الزمن الجميل

  • 1/2
  • 2/2

كان حقاً خليق بي، أن أتخفف عن هذه الأعباء، التي أجبرتني أن أخضع لها، كما يخضع لها جميع الناس، وأن أزور خالتنا الحبيبة «حواء سبت» تلك المرأة التي يمكن أن تقضي الليل بأسره، وتقضي أكثر الغد، ولا تستوفي مناقبها، أو تحصي سجاياها، امرأة عظيمة من نساء بلادي، امرأة تحبها الأفئدة، وتخلص لها في حبها، لأنها جديرة بهذا الحب، وقمينة بهذا الإخلاص، و»حواء سبت» امرأة أرزمت على الثمانين، ولكني أشك أن ربيع شبابها قد أدبر، وروض عنفوانها الزاهر قد أفقر، فروحها العذبة، كفيلة بأن تعيد لجسدها المهدود نشاطه ونضرته ورواءه، وفي الحق لقد اعتدنا أن نرى خالتنا حواء فرحة مبتهجة، حتى وإن كانت محزونة عميقة الحزن، ولعل هذه الروح الشفيفة الجذلة، هي التي كانت تجعل النساء في مدينتي» الدمازين» يتهالكن عليها، ويسرفن في تملقها،

حتى تتودد وترضى، لأنها محنكة ذكية، ولأنها وفقت لأشياء، لم توفق «قابلة» مثلها لحظها من الاجادة، أو تظفر بمثل ما ظفرت به من إعجاب الناس، «فلحواء سبت» فنون لم يحسنها غيرها من القابلات، وما كان في استطاعتهن أن يحسنها، لأجل هذا كانت كل امرأة أوشكت على الوضوع، تطمع فيها، وتطمئن إليها، تطمع لأن تخضع لأصابعها الرقيقة البضة، وهي تعبث في أحشائها، لتنتشل قطعة من اللحم واهية ضعيفة، تثير هذه القطعة حال وصولها إلى الدنيا، وسط أهلها وعترتها، ضروباً من المحبة، وألواناً من العاطفة الصادقة، هذا المولود، الغض البض، الذي قد يتورط فيما بعد، في الأنا والغرور، أو الغلو والاغراق في المعاصي، ومقارفة اللذة، توهي حواء ظهره الهزيل، بضربات خفيفة متتالية، حتى تعلو له صرخة طويلة ممتدة، هذه الصرخة تعتبر أول صرخة له في الوجود، وستتوالى هذه الصرخات، وتعلو نبراتها، خاصة إذا أمضى هذا الشقي كل عمره في السودان، فالسودان قد آل على نفسه أن ينفث حممه على كل روح فيها رمق من حياة.

وأذكر أنها كانت ما ان تراني وأنا ألعب أمام منزلنا «بحي الري» مع لداتي وأقراني، حتى تتحفني بهذه العبارات الفينانة على شاكلة «السمين الدب، المبشتن»، وهي لا تكتفي بكل هذه الباقة الرائعة، من الاساءات الخفيفة الوقع على النفوس، بل تضع أطراف أصابعها، لتصافيهما وتأخيهما على خدي، ليبدأ مشوار اللطم، والقرص، والضرب عليهما في خفة وعجل، ثم تختتم كل ذلك بنصحية تسديها لي في ترف» أخير تضعف من هسع، «لو استمريت كدة زولة بتعرسك بعدين مافي» ثم تمضي في حال سبيلها، وهي تجرجر لفائف ثوبها الأبيض الناصع، بعد أن ملأت حواف الطرق، وأقاريز الشوارع، بعبق عطرها النشوان، ما أروع ذلك الزمن، وما أجمل تلك الذكريات، فأنا إن أنسى،

فلن أنسى، خالتنا حواء وهي تُعرِض ببدانتي الواضحة، وتعاتب والدتي الحانية رحمها الله، لأنها أفرطت في تدليلي، ولأن أمي قانعة بهذه الحياة، التي ترى فيها أن العافية تكمن في السمن والاكتظاظ، كانت «حواء سبت «تخاطب والدتي قائلة» هي يا بت «شندي» الواد دا أحسن تفطمي من السكريات دي، لأنها حا تأذيه» ثم تدعوها في وضوح وجلاء، لأن تقطع عني الصلة بيني وبين البقلاوة، والباسطة، و البسبوسة، وكل ما لذ وطاب، هذه هي ألوان العواطف والشعور التي كانت سائدة في ذلك العهد، وهذه هي التسميات التي كانت تعتبر من العادات الراسخة في ذلك الزمن النبيل، ذلك الزمن الذي كان كله لين، وكله رفق، و كله دعة، فالجارة لا تنادي جارتها باسمها، بل باسم المنطقة التي تنحدر منها، يا لها من صور خلابة وجدتها في صغري وأحببتها، وفتنت بها، إلى أقصى أمد ممكن، لقد أعجبني هذا التمازج الصادق، التمازج الذي صاغنا صوغاً خاصا، أسعى أن ألخص لك صورته، وشكله، وحواره، في تلك الحقبة، وبكل أسف أوشك هذا الترابط الوثيق أن يتداعى الآن، وأن تغيب معالمه.

د. الطيب النقر – الشرق القطرية
8d3fe0cb09.jpg

كانت هذه تفاصيل خبر امرأة من الزمن الجميل لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا