الارشيف / اخبار العالم

تم رصد مئات المليارات من الدولارات للتنفيذ .. فخ «دبلومسية القروض» لمبادرة الحزام والطريق

الشارقة - اميمة ياسر - قبل عشر سنوات قرر الرئيس الصيني شي جين بينج إطلاق مبادرة تنموية إقليمية ودولية تستهدف توسيع نطاق نفوذ الصين في العالم وتعزيز وجودها كقوة اقتصادية وسياسية عظمى. وحملت المبادرة اسم "الحزام والطريق" اقتباسا من اسم الطريق التجاري الدولي الشهير القديم "طريق الحرير" الذي كان يربط بين شرق العالم وغربه.

ورصدت الصين لهذه المبادرة مئات المليارات من الدولارات التي قدمتها في صورة قروض لتمويل مشروعات بنية تحتية في الدول التي تختار الانضمام إلى المبادرة. في المقابل، وجدت هذه الدول الفقيرة أو المتعثرة اقتصاديا والتي تعاني من تجاهل الحكومة الغربية ومؤسسات التمويل الدولية في هذه المبادرة أفضل أمل إن لم يكن الأمل الأمل الوحيد للحصول على المساعدة في إقامة مشروعات البنية التحتية التي تحتاجها بشدة.

ورأت بعض الدول الغربية أن مبادرة الحزام والطريق هي "دبلوماسية فخ الديون" وتستهدف تكبيل الدول المستهدفة بقروض تفوق قدرتها على السداد وبالتالي إخضاعها للنفوذ الصيني، لكن هذه الدول الغربية لم تقدم للدول النامية أي بدائل يمكن أن تستقطبها بعيدا عن هذا الفخ.

وفي تحليل نشره موقع مركز ويلسون للدراسات قال السفير الأمريكي السابق ورئيس المركز مارك جرين، إن أكثر شيء متفق عليه هو أن مبادرة الحزام والطريق أصبحت أداة توسع فعالة في خطة الرئيس الصيني شي لتوسيع دائرة نفوذ بلاده.

وفي بداية هذه المبادرة تعهد الرئيس شي بتوفير الموارد المالية والمعرفة الفنية اللازمة لإقامة مشروعات البنية التحتية لربط اقتصادات شرق آسيا بأوروبا، والتي كان يربط بين أغلبها طريق الحرير القديم. ولكن قبل مرور وقت طويل اتسع النطاق الجغرافي للمبادرة الصينية ليشمل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوقيانوسيا. كما تجاوزت مشروعات الطرق والمواصلات لتشمل تمويل مجموعة واسعة من مشروعات البنية التحتية بدءا من الموانئ وحتى مراكز شبكات الاتصالات وخدمات الأقمار الصناعية. وحققت المبادرة شعبية كبيرة في عالم تزداد فيه الحاجة إلى مشروعات البنية التحتية والتنمية. خلال 10 سنوات تقريبا وقعت حوالي 150 دولة تمثل حوالي 40% من إجمالي الناتج المحلي للعالم مذكرات تفاهم لتأكيد اهتمامها رسميا بدراسة المشاركة في المبادرة.

ويشير السفير مارك جرين إلى أن أغلب شروط التمويل في مبادرة الحزام والطريق ظلت بعيدة عن عيون العامة من خلال اتفاقيات سرية صارمة بين الصين والدول المستفيدة، وهو ما شكل جرس إنذار لدى مؤسسات مثل البنك وصندوق النقد الدوليين. كما تزايد القلق من التداعيات واسعة النطاق لنموذج مبادرة الحزام والطريق التمويلي مع تخلف دول عن سداد ديونها السيادية، كما حدث مع سريلانكا التي فشل مطارها الدولي وميناؤها الجديدان في جذب المستثمرين الأجانب كما كانت تأمل الحكومة، وزامبيا التي أصبحت الصين أكبر مقرض لها. وكانت النتيجة ارتفاع معدل التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية وزيادة معدل الفقر في البلدين وبالتالي تفجر الاضطرابات السياسية. وفي يوليو المضي اجتاح المحتجون السريلانكيون مكتب رئيس الوزراء ومقر رئيس الحكومة. وفي الصيف الماضي قتل أكثر من 10 أشخاص في كينيا في احتجاجات شعبية واسعة ضد فرض ضرائب جديدة لسداد القروض الأجنبية.

في المقابل أدى العمل الرائد الذي قام به مركز أيد داتا (بيانات المعونات) لأبحاث التنمية الدولية التابع لمعهد ويليام أند ماري للأبحاث العالمية دورا مهما في إلقاء الضوء على تأثيرات "غياب التقارير عن التمويل التنموي" على القدرة على السيطرة على الديون وتحسين الخدمات الاجتماعية والحوكمة. وأشار البحث الذي قام به المركز إلى أن 80% من القروض التي قدمتها أو دعمتها حكومة الصين كانت لدول تعاني بصورة أو بأخرى من أزمة ديون. وقد حل الآن موعد سداد أكثر من نصف القروض الصينية. بمعنى آخر، من المحتمل تزايد آثار قروض مبادرة الحزام والطريق على الكثير من الدول النامية خلال السنوات المقبلة.

ويقول براد باركس الباحث في مركز "أيد داتا" لشبكة سي إن إن التلفزيونية الأمريكية "خلال العقد الماضي أو نحو ذلك كانت الصين أكبر دولة مقرضة في العالم. ونحن الآن في لحظة محورية حيث ستصبح أكبر دولة محصلة للديون في العالم" حيث تقدر قيمة ديونها لدى الدول النامية بنحو 1ر1 تريليون دولار.

ويقول مارك جرين إن تكلفة تراكم الديون لها تأثيرات سلبية حقيقية على المواطنين. على سبيل المثال أشار تحليل صحفي إلى أن مليارات الدولارات التي حصلت عليها زامبيا من الصين لتمويل مشروعات البنية التحتية ساعدت بالفعل في تسريع النمو الاقتصادي، لكنها في الوقت نفسه أدت إلى زيادة أقساط فوائد هذه القروض بصورة حدت من الموارد المالية المتاحة لتمويل الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية ودعم البذور والأسمدة للمزارعين. ومع اقتراب تخلف كينيا عن سداد ديونها، تم وقف صرف أجور الآلاف من موظفي الحكومة، وقال ديفيد ندي كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الكيني عبر مواقع التواصل الاجتماعي "الرواتب أم إشهار إفلاس الدولة؟ اختاروا انتم".

وفي عام 2017، جعل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين مبادرة الحزام والطريق جزءا من دستوره، وهو ما يشير إلى أن الرئيس شي يعتبر المبادرة جزءا حيويا من قوة وريادة بلاده على المسرح العالمي. كما يشير إلى أن عملية اتخاذ القرار بشأن المبادرة أصبحت سياسية أكثر منها اقتصادية. ويقول هوجو برينان خبير السياسات الآسيوية في شركة الاستشارات فيريسك مابلكروفت إن "وضع المبادرة في قلب عملية صناعة السياسية بالصين لم يعد محل شك. وسيحدد استراتيجية وأنشطة الصين الاستثمارية في الخارج لوقت طويل في المستقبل".

وأخيرا يقول السفير الأمريكي المتقاعد مارك جرين إنه ورغم ظهور الكثير من القصص عن الآثار السلبية والثمن الباهظ الذي تدفعه الدول النامية للحصول على تمويل مشروعات مبادرة الحزام والطريق، فإن الظروف التي جعلت هذه المبادرة جذابة لتلك الدول في البداية مثل غياب المساعدات من الدول الغربية ومؤسسات التمويل الدولية مازالت قائمة. لذلك على الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تقديم بدائل أفضل لتلك الدول النامية. فأفضل طريقة لهزيمة مبادرة الحزام والطريق هي "ضربها" ومساعدة الدول النامية في تحقيق أهدافها وطموحاتها الوطنية دون السقوط في فخ "دبلوماسية الديون" الصينية، الذي يمكن أن تدفع ثمنه الكثير من دول العالم في صورة اضطرابات اجتماعية وسياسية واسعة بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية نتيجة تراكم الديون.

Advertisements

قد تقرأ أيضا