الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من القدس: تزامن تسريب معلومات الدعم المالي والعسكري لفصائل مسلحة في السويداء من قبل اسرائيل مع التحضيرات للقاء بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن حدثًا عابرًا، بل إشارة سياسية محسوبة في لحظة إقليمية شديدة الحساسية.
قبيل اللقاء، تسعى إسرائيل إلى ترتيب ملفاتها الإقليمية بما ينسجم مع أولويات واشنطن، وتحديدًا منع فتح مسارات توتر جديدة قد تعقّد مساعي تثبيت التهدئة في أكثر من ساحة.
في هذا السياق، يكتسب ملف السويداء بعدًا يتجاوز الجغرافيا المحدودة. الحديث عن مراجعة إرسال الأسلحة أو الرواتب إلى مجموعات مسلحة ذات نزعة انفصالية يعكس تحوّلًا في المقاربة الإسرائيلية، تحت ضغط أميركي واضح، باتجاه حصر أي تواصل بالدعم الإنساني فقط، عبر قنوات دروز إسرائيل.
هذا التوجه ينسجم مع رؤية أميركية ترى أن تشجيع أي مشروع انفصالي في جنوب سوريا يهدد الاستقرار الهش، ويقوّض فرص التفاهمات الأمنية الأوسع مع دمشق.
دعم الدروز وأولويات أخرى
التسريبات التي نشرتها واشنطن بوست، ونُسبت إلى مصادر إسرائيلية، لا يمكن فصلها عن نقاش داخلي داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها. فثمّة قناعة متنامية بأن الاستثمار في كيان درزي مستقل أو شبه مستقل جنوب سوريا لا يشكل مصلحة استراتيجية لإسرائيل، بل قد يتحول إلى عبء سياسي وأمني، خصوصًا إذا تعارض مع مسار تهدئة أوسع تسعى واشنطن إلى فرض إيقاعه في المنطقة.
أما قيادات دروز إسرائيل، فيبدو موقفهم أكثر وضوحًا: دعم إنساني ومادي ومعنوي لأبناء الطائفة في جبل العرب، من دون تبنّي مشروع انفصال سياسي. وقد ساهمت التطورات الدامية داخل السويداء، بما فيها اقتتال داخلي وسقوط ضحايا من أبناء الطائفة نفسها، في دفع قيادات درزية وازنة إلى التراجع عن أي اندفاع انفصالي، والتنبيه إلى مخاطر فتنة داخلية قد تدمّر الجبل من الداخل.
هذا التحول ترافق مع دعوات صريحة لتفادي القطيعة مع دمشق، والسعي إلى تفاهمات تضمن الأمن وتمنع الانزلاق إلى صراع أهلي.
خطورة وأهمية توقيت التسريب
توقيت التسريب قبل لقاء نتانياهو وترامب يشي برسالة مزدوجة: أولًا إلى واشنطن، بأن إسرائيل مستعدة لتعديل سلوكها في الساحة السورية بما يتوافق مع الرؤية الأميركية للاستقرار؛ وثانيًا إلى الداخل الإسرائيلي، بترجيح كفة التيار الذي يفضّل التفاهمات الأمنية الهادئة على المغامرات التقسيمية.
وفي هذا الإطار، لا يبدو جبل الدروز عائقًا بنيويًا أمام أي ترتيب أمني مستقبلي بين إسرائيل وسوريا، بقدر ما هو ملف يجب احتواؤه وضبطه.
في المحصلة، ما جرى تداوله عن وقف الدعم في السويداء ليس سوى انعكاس لتحولات أوسع في خريطة الأولويات الإقليمية. إسرائيل، عشية لقاء مار ألاغو، تسعى إلى إغلاق هوامش التصعيد، والانتقال من سياسات اللعب على الأطراف إلى سياسات تثبيت الجبهات.
وبينما تتقدم ملفات كبرى كغزة وإيران في صدارة النقاش، يجري التعامل مع السويداء كجزء من معادلة الاستقرار لا كنقطة اشتعال جديدة، في انتظار ما ستكشفه التفاهمات التي قد تخرج من لقاء فلوريدا.
