كتبت: ياسمين عمرو في الاثنين 3 نوفمبر 2025 07:00 صباحاً - عندما يسمع معظم الناس كلمة "سكتة دماغية"، فإنهم يربطونها بالتقدم في العمر أو بالأمراض المزمنة. لكن في الواقع، يمكن أن تحدث السكتة الدماغية في أي عمر، حتى عند حديثي الولادة وخلال مرحلة الطفولة. ورغم أن السكتات الدماغية لدى الأطفال أقل شيوعًا، فإن آثارها قد تكون عميقة التأثير على حياتهم. لذا، يُعد التعرف المبكر على العلامات وبدء العلاج الفوري أمرين أساسيين لحماية الدماغ النامي وتعظيم فرص التعافي.
الدكتور زيمر وانغ، المدير الطبي في مركز التميز الذهني والبدني، التابعة لموانئ دبي العالمية، يلقي الضوء على كيفية فهم ودعم التعافي من السكتة الدماغية لدى الأطفال
يمتلك دماغ الطفل قدرة مذهلة على التكيف وإعادة تشكيل شبكاته العصبية. ومع التدخل الطبي المبكر وإعادة التأهيل المنهجي، يمكن للعديد من الأطفال استعادة المهارات المفقودة والاستمرار في النمو والتطور. ولكن قبل بدء رحلة التعافي، لا بد أن تبدأ المعرفة من الاكتشاف.
كيف يتعرف الأهل على علامات السكتة الدماغية لدى الأطفال؟
نظرًا لندرتها، قد لا تُكتشف السكتة الدماغية لدى الأطفال بسرعة أو قد تُفسَّر على أنها تعب أو عدم تناسق في الحركة أو تأخر في التطور. بعض الأعراض تشبه تلك التي تظهر لدى الكبار (مثل الضعف في جانب واحد من الجسم)، بينما تظهر أعراض أخرى بشكل أكثر شيوعًا عند الأطفال (مثل التشنجات)، إلا أنها جميعًا تتطلب نفس مستوى الطوارئ والإسعاف.
يجب على الأهل أو المربين والمعلمين في المدارس طلب المساعدة الطبية فورًا عند ملاحظة أي من العلامات التالية:
•ضعف مفاجئ أو تنميل في جانب واحد من الوجه أو الذراع أو الساق.
• تفضيل يد واحدة بشكل مبكر قبل عمر 12 شهرًا، إذ قد يشير ذلك إلى حدوث سكتة أثناء الولادة.
• صعوبة مفاجئة في الكلام أو في فهم الآخرين، أو ارتباك غير مبرَّر.
• فقدان التوازن أو التعثر غير المبرَّر أو السقوط المتكرر.
• تشنجات مفاجئة لدى الطفل، خاصة إذا كانت للمرة الأولى أو تليها فترة من الضعف.
• تغيّرات مفاجئة في الرؤية مثل التشوّش أو الرؤية المزدوجة.
• صداع شديد مفاجئ مصحوب بالغثيان أو الدوار.
أما لدى الرضّع، فقد تكون العلامات خفية، مثل استخدام يد واحدة أقل من الأخرى في السنة الأولى من العمر (قد يشير ذلك إلى سكتة دماغية أثناء الولادة)، أو تأخر في الجلوس والحركة، أو ميل دائم للرأس إلى جهة واحدة. الاكتشاف السريع والفحص الطارئ قد يكونان الفارق بين التعافي الكامل والإعاقة الدائمة — فكل دقيقة لها قيمتها.
لماذا تحدث السكتات الدماغية عند الأطفال؟
تختلف أسباب السكتة الدماغية لدى الأطفال عن تلك التي تصيب البالغين في كثير من الأحيان. فقد ترتبط باضطرابات أو تشوهات في الأوعية الدموية الدماغية، سواء كانت خلقية أو مكتسبة بسبب عدوى أو أمراض أخرى. كما قد تكون ناجمة عن تشوهات قلبية خلقية، أو اضطرابات في الدم والتمثيل الغذائي، إضافة إلى إصابات الدماغ الرضّية، أو مضاعفات أثناء الولادة، أو أمراض المناعة الذاتية عند الطفل، أو اضطرابات الميتوكوندريا.
ورغم اختلاف الأسباب، يتمتع الأطفال بميزة فريدة تُعرف باسم اللُّدونة العصبية، أي قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه وتكوين روابط جديدة. فعندما يبدأ العلاج مبكرًا ويُوجَّه بشكل صحيح، يمكن للمناطق السليمة في الدماغ أن تتولى وظائف المناطق المصابة. وهذه القدرة تمنح الأطفال فرصة استثنائية للتعافي، بشرط حصولهم على رعاية متكاملة ومتعددة التخصصات.
لهذه الأسباب الرضع عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية
كيف تكون خطة التأهيل عند إصابة الطفل بالسكتة الدماغية؟
السكتة الدماغية عند الأطفال لا تؤثر على الجهاز العصبي فحسب، بل تطال حياة الأسرة بالكامل. إذ يجد الأهل أنفسهم أمام تحديات جديدة: مواعيد علاج، خطط تعليمية، وتساؤلات حول مستقبل طفلهم. وقد يواجه الطفل ضعفًا في الحركة (شلل نصفي أو ضعف أحد الأطراف)، وصعوبات في النطق واللغة، أو تحديات في التعلم. كما قد تظهر تغيّرات عاطفية مثل القلق، الإحباط، أو الانعزال الاجتماعي.
إعادة التأهيل هي رحلة جسدية ونفسية في الوقت نفسه. يلعب الأهل دورًا محوريًا في الدعم والتشجيع والاحتفال بكل تقدُّم صغير يصنع فارقًا كبيرًا على المدى الطويل. ومع الرعاية المستمرة، والصبر، والإيمان، يمكن للأطفال استعادة قدراتهم تدريجيًا وإعادة بناء ثقتهم بأنفسهم. ولكل طفل مسار تعافٍ مختلف. ويكون العلاج الفعّال دائمًا مخصصًا لحالته، لا يركّز فقط على القدرات الجسدية، بل أيضًا على الإدراك والمشاعر والثقة بالنفس. عادةً ما تتضمن خطة التأهيل:
• العلاج الفيزيائي: لاستعادة القوة والتوازن والحركة.
• العلاج الوظيفي: لتطوير المهارات الحركية الدقيقة وتعزيز الاستقلالية اليومية.
• علاج التخاطب واللغة: لتحسين التواصل والبلع والتفاعل الاجتماعي.
• الدعم النفسي العصبي: لمعالجة التحديات المعرفية مثل التركيز والذاكرة والاستقرار العاطفي.
• الدعم الغذائي: لتزويد الدماغ بالعناصر الضرورية للشفاء والنمو المستدام.
عندما يكون العلاج ممتعًا من خلال اللعب والموسيقى والحركة والإبداع، تتنشط القدرات العصبية على التعلم، وتتقوّى الروابط العصبية وتُستعاد الوظائف المفقودة.
ما هو العلاج بالأكسجين عالي الضغط، وهل يسرع عملية الشفاء؟
يقترح الدكتور زيمر وانغ بالأكسجين عالي الضغط (HBOT) من أبرز التطورات في مجال إعادة التأهيل العصبي، وقد تعود على استخدامه في المركز، وخلال الجلسات، يتنفس الطفل أكسجينًا نقيًا داخل غرفة مضغوطة، مما يزيد تركيز الأكسجين في الدم بشكل كبير. إذ يساعد هذا العلاج في:
• تنشيط الخلايا العصبية لدى الطفل، وهي غير الفعّالة المحيطة بمناطق الإصابة (المنطقة الإقفارية أو "المنطقة المحيطة بالبؤرة").
• تقليل تورم أنسجة الدماغ (الوذمة الدماغية)
• تقليل الالتهاب لدى الطفل.
• تحفيز نمو خلايا عصبية جديدة وتكوين شبكات دموية دقيقة.
• تحسين إنتاج الطاقة داخل الميتوكوندريا في الخلايا الدماغية.
يعلّق د. زيمر: "عند دمجه مع العلاجات التقليدية مثل العلاج الفيزيائي و الوظيفي، التخاطب، وإعادة التأهيل المعرفي، يمكن لـ HBOT تسريع التعافي العصبي وتعزيز اللدونة العصبية، ما يؤدي إلى تحسين الحركة والانتباه و التخاطب والتنظيم العاطفي. ويستمر التعافي خارج الجلسات العلاجية. فالأنشطة اليومية في المنزل — مثل القراءة مع الطفل، اللعب، وتشجيع الحركة تُنشط دوائر الدماغ لدى الطفل وتُبقي عملية التعلم مستمرة.
يؤكد د. زيمر على البيئة الإيجابية والدعم الأسري المتواصل والصبر عوامل أساسية في رحلة التعافي. كما أن الأسر التي تتعاون بانتظام مع الفريق الطبي وتتبادل الخبرات مع عائلات أخرى غالبًا ما تشعر بثقة أكبر وقدرة أعلى على التكيف.
رسالة أمل
يرسل د. زيمر رسالة أمل إلى جميع أهالي الأطفال المصابين بسكتة دماغية، إذ يقول: "السكتة الدماغية حدث خطير، لكنها لا تحدد مستقبل الطفل. فبالتشخيص المبكر وإعادة التأهيل السريع، ومع قدرة الدماغ الطبيعية على التكيف، يمكن تحقيق مستويات ملحوظة وملهمة من التعافي.
ومن خلال العلاجات المتقدمة مثل العلاج بالأكسجين عالي الضغط والنهج العلاجي المتكامل، نشهد أطفالًا يستعيدون استقلاليتهم ويسترجعون بهجتهم ويعودون إلى طفولتهم الطبيعية والمليئة بالفرص. لكل طفل قصة مختلفة، لكن الحقيقة التي لا تتغير هي: مع الرعاية الصحيحة والإيمان المستمر، يمكن تحقيق تقدم ملحوظ ومُلهم.
*ملاحظة من «الخليج 365»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص

