الرياص - اسماء السيد - صوّت البرلمان الباكستاني على تعديلات دستورية، مُنح بموجبها قائد الجيش، المشير عاصم منير، صلاحيات جديدة وحصانة مدى الحياة من الاعتقال والملاحقة القضائية، في خطوة يرى منتقدوها أنها تمهد الطريق نحو "الاستبداد".
وسيُجري هذا التعديل الدستوري (السابع والعشرون)، والذي وُقّع عليه ليصبح قانوناً نافذاً يوم الخميس 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تغييرات جوهرية على طريقة عمل المحاكم العليا في البلاد.
وتقول الحكومة عن هذه التغييرات إنها تُضفي مزيدً من الوضوح والهيكل الإداري على القوات المسلحة، وتُسهم في تخفيف تراكم القضايا في المحاكم. لكن المنتقدين يرونها تنازلاً عن السلطة للجيش.
ولطالما لعب الجيش الباكستاني دوراً بارزاً في السياسة في الدولة المسلحة نووياً - فقد استولى أحياناً على السلطة عبر انقلابات، وفي أحيان أخرى، حرّك الموازين من وراء الكواليس.
وعلى مدار تاريخها، تأرجحت باكستان بين استقلالية مدنية وسيطرة علنية للجيش في ظل قادة عسكريين مثل الجنرال برويز مشرف والجنرال ضياء الحق.
ويشير محللون إلى التوازن بين المدنيين والعسكريين بالحكم الهجين.
ويرى البعض أن هذا التعديل مؤشر على ميل كفة الميزان لصالح الجيش.
وينص التعديل على أن أي ضابط عسكري يحصل على ترقية إلى رتبة "مشير"، سيحمل لقب المشير وزيه العسكري مدى الحياة، وسيُمنح "مسؤوليات وواجبات" حتى بعد التقاعد، يحددها الرئيس بناء على توصية رئيس الوزراء.
ويعني التعديل الأخير أن منير، الذي يشغل منصب قائد الجيش منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، سيشرف الآن أيضاً على القوات البحرية والجوية الباكستانية.
ومن المتوقع أن يمنحه هذاً دوراً بارزاً في الحياة العامة طوال حياته.
من هو عاصم منير؟
ولد سيد عاصم منير أحمد شاه في مدينة راوَلبندي بإقليم البنجاب الباكستاني في يونيو/حزيران 1966، لعائلة متدينة مرموقة تعود أصولها إلى مدينة جالَندَر في الهند، لكنها هاجرت إلى باكستان في أعقاب استقلال باكستان عن الهند عام 1947.
نشأ منير في أسرة تهتم بالتربية الدينية،وكان أشقاؤه من حفظة القرآن الكريم، أما والده سيد منير فكان معلماً وإماماً، وعمل مديراً لمدرسة "إف جي" الفنية بمدينة طارق آباد.
وفيها تلقى تعليمه الأساسي قبل أن يلتحق بمدرسة "دار التجويد" المركزية حيث درس القرآن والتجويد. ولهذا السبب تطلق عليه وسائل الإعلام الهندية لقب "الجنرال الملا" أو "الملا منير".
ويبدي البعض تحفظه على مرجعيته الدينية واستشهاده المتكرر بالقرآن الكريم في خطاباته، معتبرين أن ذلك دلالة على التوجه الديني المحافظ للجنرال الباكستاني.
حياته العسكرية
التحق منير بمدرسة تدريب الضباط في مدينة مانغلا الباكستانية عام 1986، ومنها بدأ حياته العسكرية.
انضم إلى "أكاديمية كاكول العسكرية" شمال غربي البلاد حيث أصبح متدربا في كتيبة من حرس الحدود.
درس وتدرب في العديد من المؤسسات والمعاهد العسكرية حول العالم، كمدرسة فوجي العسكرية في اليابان، وكلية القوات المسلحة الماليزية، وكلية القيادة والأركان في كويتا الباكستانية.
نال درجة الماجستير في السياسات العامة وإدارة الأمن الإستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني في إسلام آباد.
تدرج في المناصب حتى أصبح قائد الفيلق الأول في مانغلا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 رُقي إلى رتبة لواء عندما تولى قيادة قوات الجيش الباكستاني في المنطقة الشمالية.
ظل في منصبه حتى عام 2017، عندما نال رتبة فريق بعد تعيينه مديراً عاما للاستخبارات العسكرية، وهي الوحدة المكلفة بالشؤون الداخلية للجيش.
وبعد عام واحد، تولى منير منصب مدير المخابرات العامة الباكستانية، وأصبح بذلك أول قائد للجيش يتولى رئاسة أهم جهازين استخباريين، ما منحه الخبرتين العسكرية والأمنية.
لكنه لم يستمر في هذا المنصب إلا ثمانية أشهر فقط، بعد أن أقاله رئيس الوزراء السابق عمران خان دون الإعلان عن أسباب الإقالة.
في عام 2019 تقلَّد منصب قائد الفيلق 30 في مدينة كوجرانوالا بإقليم البنجاب، وفي عام 2021 عين في منصب المدير العام للإمداد والتموين في القيادة العامة للقوات المسلحة الباكستانية.
عقب خروج خان من السسلطة في أبريل/ نيسان 2022، رُقي عاصم إلى منصب قائد الجيش.
تولى عاصم رئاسة الأركان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
واتخذ الجيش والمؤسسة الأمنية الباكستانية، تحت قيادة منير موقفاً متشدداً تجاه حركة إنصاف الباكستانية وزعيمها عمران خان.
وتصف التقارير الدولية منير (والجيش عموماً) بأنه كان محورياً في القرارات التي أدت إلى سجن خان، و"قمع" نشطاء حركة الإنصاف.
واتُهم الجيش بأنه لعب دوراً في التأثير على انتخابات العام الماضي.
ويربط مؤيدو حركة الإنصاف والمنتقدين المستقلين، منير بالإستراتيجية الأمنية لتحييد عمران خان سياسياً.
وتعرضت هذه الإستراتيجية لنقاش حاد داخل باكستان، واستُشهد بها كمصدر للاستقطاب والاضطرابات الداخلية.
وغالبا ما يبرر الجيش علناً أن إجراءاته ضرورية للحفاظ على الاستقرار والتصدي لما يصفه بحملات التحريض السياسي والتضليل "غير النظامية" أو "غير الدستورية".
وحذؤ محللون من أن منطق العمل الداخلي للجيش - الأمن أولًا، والنظام فوق السياسة - وضعه مراراً وتكراراً في خلاف مع الحركات التي تتحدث عن الشرعية الانتخابية كحركة "إنصاف".
في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أقر البرلمان الباكستاني تعديلاً على قانون الجيش يقضي بتمديد فترة ولاية قادة القوات المسلحة من ثلاث إلى خمس سنوات، وهو تعديل رسَّخ وجود منير على رأس القيادة العسكرية حتى عام 2027.
في مايو/ آيار 2025، خاضت باكستان والهند تبادلاً خطيراً للصواريخ والطائرات المسيرة.
وأشادت إسلام آباد بدوره في إدارة الأزمة، ومنع تصعيدها إلى حرب شاملة، ودفع ذلك الحكومة لاحقاً نحو الاعتراف بقيادته في زمن الحرب عبر ترقيته إلى رتبة مشير - وهي ترقية رمزية تُعيد إلى الأذهان الحالة الوحيدة السابقة في تاريخ باكستان (أيوب خان).
وربط مؤيدو منير الترقية والتعديلات الدستورية اللاحقة بسلوكه خلال تلك المواجهة.
لماذا مُنح منير حصانة مدى الحياة؟
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، أقرّ البرلمان الباكستاني – بسرعة وبأغلبية ساحقة - تعديلاً دستورياً يُوسّع الدور الدستوري لقائد الجيش (بإنشاء منصب جديد وهو قائد قوات الدفاع، ليمنحه القيادة الرسمية للجيش والبحرية والقوات الجوية).
كما يمنح القرار حصانة قانونية مدى الحياة لمن يُرقّون إلى رتبة خمس نجوم بعد انتهاء ولايتهم.
وبحسب الحكومة، فإن صياغة هذا التغيير جاءت كـ"إصلاح هيكلي" لتحديث القيادة العسكرية وضمان استمرارية المؤسسات.
ورأى المؤيدون بأنه يُقرّ بالخدمة الاستثنائية في زمن الحرب.
في المقابل، يقول المنتقدون إن هذه الحزمة مُصمّمة لترسيخ سلطة رجل واحد والمؤسسة العسكرية فوق الرقابة المدنية، وتقليص صلاحيات المحكمة العليا، وتحصين الانتهاكات المُحتملة في المستقبل من المساءلة القانونية.
ويقول قانونيون إن الحماية الممنوحة: حماية دستورية مرتبطة بمكانة جديدة (رتبة خمس نجوم/قائد قوات الدفاع)، وبالتالي يصعب إلغاؤها مقارنةً بالحماية القانونية العادية.
ويرى مراقبون داخل باكستان وخارجها إن خبرة منير الاستخباراتية وقيادته الميدانية تمنحه نقاط قوة خاصة في اتخاذ القرارات السريعة في الأزمات.
ويُفسر هذا المزيج سبب استعداد القادة السياسيين (الذين يعتمدون غالباً على الجيش للبقاء) لإعادة تشكيل المؤسسات بعد أزمة مايو/أيار.
ويجادل النقاد بأن هذه الحادثة استُغلت سياسياً لتعزيز سلطة قائد الجيش في لحظة حشد وطني، ولإسكات التساؤلات حول المساءلة الداخلية.
ماهي أهمية منصب قائد الجيش؟
تصور إدارة العلاقات العامة للجيش الباكستاني قائد الجيش باعتباره رئيس العمليات للدفاع الوطني، وتُشرك وزارة الخارجية قائد أركان الجيش بشكل روتيني في التفاعلات على مستوى السياسة الخارجية والأمن.
تعُد إدارة العلاقات هذا المكتب قمة الهيكل الأمني الباكستاني. فقائد أركان الجيش هو الواجهة العامة والقائد العملياتي للقوات المسلحة في شؤون الحرب، والاستجابة الفورية للأزمات، والدبلوماسية العسكرية.
ويُنظر إلي منير على نطاق واسع داخل باكستان (ومن قِبل العديد من المحللين الخارجيين) على أنه الشخصية الأقوى في البلاد، لأن الجيش الذي يقوده مارس منذ فترة طويلة نفوذاً حاسماً على السياسة الخارجية والأمنية والسياسية لباكستان.
ويرى قانونيون أن منصب رئيس أركان الجيش يؤثر بالفعل على ميزانيات الدفاع والسياسة الخارجية والأمن، ويعني إضفاء الطابع الدستوري على دوره أن هذه الصلاحيات أقل عرضة للطعن من قبل المحاكم أو المؤسسات المدنية.
لقاء ترامب في البيت الأبيض
زار المشير عاصم منير الولايات المتحدة بصفة رسمية، في 19 يونيو/حزيران من العام الجاري، وشارك في لقاءات.
واستضاف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قائد الجيش الباكستاني، على مأدبة غداء في اجتماع غير مسبوق بالبيت الأبيض.
وتُعد هذه هي المرة الأولى التي يستضيف فيها رئيس أميركي قائدا للجيش الباكستاني في البيت الأبيض دون أن يرافقه مسؤولون مدنيون باكستانيون كبار.
وبحسب وزارة الخارجية الباكستانية ناقشت الزيارة مواضيع مثل التعاون في مكافحة الإرهاب، والأمن الإقليمي، والعلاقات الثنائية وخفض التصعيد الإقليمي خصوصا بين إسرائيل وإيران.
وحملت الزيارة شكر وتقدير حكومة وشعب باكستان العميق للدور الأمريكي في تسهيل وقف إطلاق النار بين باكستان والهند في الأزمة الإقليمية الأخيرة، التي نشبت مطلع شهر مايو/آيار.
لكن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي أبلغ ترامب أن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان بعد مواجهات استمرت أربعة أيام تحقق من خلال محادثات بين الجيشين وليس بوساطة أمريكية.
وتشير الزيارة، بحسب محللين، إلى إعادة تقييم للعلاقة الأمريكية الباكستانية في عهد ترامب، ومنح منير منصة دولية بارزة. وكان لمأدبة الغداء تداعيات جيوسياسية فورية عززت مكانة منير الدولية وعقّد العلاقات مع الهند.
ويري محللون أن هذا اللقاء يمثل رمزية كبيرة لدى الباكستانيين، ورمزية عامة كون المشير منير هو أول رئيس أركان جيش في الخدمة يلتقي وجها لوجه مع رئيس أمريكي.
وأشار محللون إلى أن أهمية الزيارة تبرز أيضاً في المجالات التي ناقشها الطرفان كالجانب الاقتصادي، بعد أن صرح ترامب أن بلاده تعمل على اتفاقية تجارة مع باكستان.

