ابوظبي - سيف اليزيد - أبوظبي (الاتحاد)
شهدت الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات 2025، عقد «الحوار الحكومي مع القطاع الخاص»، بمشاركة نخبة من كبار القيادات، من بينهم وزراء ودبلوماسيون ورؤساء تنفيذيون، ضمن جلسات بأجندات متخصصة استهدفت صياغة مستقبل اقتصادي أكثر تكاملاً وابتكاراً، في خطوة تعكس التزام حكومة دولة الإمارات بتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع القطاع الخاص.
ويُعد الحوار، الذي يُعقد للمرة الأولى ضمن الاجتماعات الحكومية السنوية، خطوة نوعية لترسيخ الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وصياغة حلول عملية تدعم مسيرة التنمية المستدامة في دولة الإمارات.
وجاء هذا الحوار في إطار توجه وطني استراتيجي لربط خبرات القطاع الخاص وابتكاراته وشبكاته ومعرفته بما توفره حكومة دولة الإمارات من بيئة تمكينية وبنية تحتية ورقمية وتشريعية بمستويات عالمية تنافسية، وذلك في سبيل ضمان مواءمة الرؤى وتوحيد الجهود نحو تحقيق مستهدفات رؤية الإمارات 2031. ويُعد هذا التفاعل المباشر بين القيادات الحكومية وقادة الأعمال تجسيداً عملياً لفلسفة الدولة في اعتبار القطاع الخاص شريكاً استراتيجياً في صياغة السياسات.
تحفيز النمو
وقال بدر جعفر، المبعوث الخاص لوزير الخارجية لشؤون الأعمال والأعمال الخيرية، الرئيس التنفيذي لشركة «الهلال للمشاريع»: «تنظيم الحوار الحكومي مع القطاع الخاص لأول مرة ضمن الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات لعام 2025، يعطي هذا الحوار أهمية وزخماً استراتيجياً، ويترجم رؤية القيادة الرشيدة في ترسيخ نهج الحوار الفاعل والمثمر بين القطاعين، بما يعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني ويحفّز النمو المستدام في القطاعات الحيوية التي تأتي في صدارة الأولويات الوطنية».
وأضاف: «نجحت دولة الإمارات برؤية قيادتها في ترسيخ شراكة قوية ونموذجية بين القطاعين الحكومي والخاص، ويأتي هذه الحوار بمخرجاته النوعية ليشكل اليوم ركيزة أساسية لاستمرار تنمية هذه الشراكة، وإيجاد قنوات جديدة للعمل معاً على ابتكار حلول خلاقة وتوحيد الجهود لتسريع وتيرة الإنجاز في القطاعات الحيوية التي تشكل عماد المستقبل، لا سيما في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة التي تتطلب مرونة مؤسسية ورؤية اقتصادية متجددة».
وخرجت القيادات المشاركة في الاجتماعات بتوصيات عملية مشتركة لتسريع وتيرة النمو والتطور في مختلف القطاعات، حيث سيسهم التفاعل المباشر بين القطاعين في مواءمة رؤى قطاع الأعمال مع المحفزات والسياسات الحكومية لإطلاق مبادرات طموحة مشتركة، تسهم في دفع مسيرة الإمارات نحو المستقبل.
وتضمنت الأجندة الرئيسة للحوار دراسة الاتجاهات العالمية والمحلية التي تؤثر على النمو والتنافسية، وتحديد الخيارات الأساسية للنقاش وأولويات تسريع التقدّم نحو تحقيق رؤية «نحن الإمارات 2031»، وتحديد المجالات التي تتطلب التنسيق الفوري بين الجهود المشتركة. صياغة مبادرة أو مبادرتين تعاونيتين لتحويل الأولويات المشتركة إلى إجراءات ملموسة وتحقيق أثر وطني قابل للقياس.
وتم تصميم الحوار بآليات تضمن الخروج بنتائج فاعلة، وتطوير مبادرات عملية قابلة للتنفيذ وتطوير خطط متابعة سنوية ونصف سنوية مع وضع خطوات فعلية لضمان التنفيذ على أرض الواقع.
ويعكس الحوار الحكومي مع القطاع الخاص التزام دولة الإمارات بتعزيز مكانتها كواحدة من أكثر مراكز الأعمال ديناميكية وتنافسية في العالم. حيث تواصل الدولة ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين، انطلاقاً من إيمانها بأن بناء المستقبل، في عصر التحول السريع والمنافسة العالمية الكبيرة، يتطلب شراكة أعمق بين الحكومة والقطاع الخاص، قائمة على الابتكار، والجرأة، والتكامل في الرؤى والسياسات.
ومن خلال هذا الحوار، تُرسّخ الإمارات نموذجاً فريداً في صياغة السياسات الاقتصادية، حيث تتلاقى رؤى السوق مع عوامل التمكين التي توفرها الحكومة، لتُنتج محفزات مشتركة تدفع مسيرة التنمية الملهمة نحو المستقبل، وتُعزز جاهزية الدولة لتحقيق قفزات نوعية في التنمية المستدامة والريادة العالمية.
النمو التجاري وسلاسل الإمداد
وناقشت جلسة «النمو التجاري وسلاسل الإمداد» تعزيز التجارة غير النفطية وترسيخ سلاسل الإمداد وآليات رفع الاستفادة من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) لضمان استمرارية النمو، وذلك بحضور الشيخ محمد بن كايد القاسمي، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في رأس الخيمة، ومعالي الدكتور عبد الرحمن العور، وزير الموارد البشرية والتوطين، وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالإنابة، ومعالي أحمد جاسم الزعابي، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، وحمد عبدالله المحمود، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في الشارقة، والمهندس محمد عبيد بن ماجد العليلي، مدير دائرة الصناعة والاقتصاد بالفجيرة، وعبد الناصر بن كلبان، الرئيس التنفيذي لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، ويوسف علي، رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب لمجموعة لولو، ونخبة من قادة القطاع الخاص.
وأشار المشاركون في الجلسة إلى مواصلة تحقيق التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات أرقاماً قياسية، وللحفاظ على هذا المسار، يتم إدراج بعض المفاهيم مثل التجارة الإلكترونية، وتوحيد معايير البيانات، واللوجستيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وأنظمة النافذة الواحدة ضمن أولويات السياسات الوطنية.
وبحث المشاركون التحدي المتمثل بإنشاء نظام موحد لتطبيق معايير سلسة وتقليل العوائق الناتجة عن اختلاف المعايير بين الدول ومتطلبات الاختبار والتوثيق، وطرق المشاركة الممكنة في بناء «الشبكة الرقمية» للتجارة، للربط بين أنظمة الحكومة وسلاسل الإمداد وشركاء اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة لضمان تعزيز النمو.
التوسع في الاستثمار
تناول الحوار 4 محاور رئيسة تمثل ركائز النمو الاقتصادي والتحول الوطني، ضمن أربع جلسات رئيسة.
وناقشت القيادات المشاركة في جلسة «توسيع نطاق الاستثمارات» آليات توسيع حجم وسرعة تدفق رؤوس الأموال الخاصة نحو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الواعدة، وذلك بحضور الشيخ عبدالعزيز بن حميد النعيمي، رئيس دائرة السياحة والثقافة والإعلام في عجمان، والشيخ راشد بن حميد النعيمي، رئيس دائرة البلدية والتخطيط في عجمان، ومعالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة، ومعالي جاسم بوعتابه الزعابي، رئيس دائرة المالية في أبوظبي، وإبراهيم عبيد الزعابي، مساعد المحافظ للسياسة النقدية والاستقرار المالي في المصرف المركزي، وحمد عبدالله الحمادي، نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة في «القابضة» (ADQ)، وديميتريوس دوسيس الرئيس الإقليمي لأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ماستركارد، وعدد من الرؤساء التنفيذيين الإقليميين للشركات العالمية الكبرى، ونخبة من قادة القطاع الخاص. وناقش المشاركون فرص توسيع إقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مؤكدين أنّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الرغم من أنها تشكّل 95% من الشركات في دولة الإمارات، وتوفر 86% من الوظائف في القطاع الخاص، إلا أنها لا تزال تعاني محدودية التمويل. وقد بلغت حصة قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى منتصف عام 2024 ما نسبته 9.5% فقط من إجمالي القروض التجارية والصناعية. ووضع المشاركون تحدياً بشأن توسيع محفظة قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير لتحفيز الابتكار.
أفكار مبتكرة
تناولت جلسة تسريع تبني التقنيات المستقبلية طرق تعزيز مسار وصول الأفكار المبتكرة والنماذج الأولية إلى عقود تجارية عبر مبادرات يقودها القطاع الخاص وبما يعزز طموح دولة الإمارات في قطاع التقنيات المتقدمة، وذلك بحضور معالي الدكتور أحمد بن عبدالله بالهول الفلاسي، وزير الرياضة، رئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، الأمين العام للمجلس الأعلى للفضاء، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة، ومالك آل مالك، رئيس مجلس إدارة مجموعة تيكوم، وخلفان بلهول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، وعمران شرف، مساعد وزير الخارجية للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، ورونالدو مشحور، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «أمازون»، وأنتوني نقاش، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «جوجل»، ونخبة من قادة شركات القطاع الخاص المتخصصة في التقنيات المتقدمة.
وأكدت القيادات أن السياسات الحكومية ركزت على رفع الإنتاجية الوطنية عبر استخدام التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة.
وأشار المشاركون إلى أن التحدي اليوم يتمثل في اختلاف مستويات الإنتاج بشكل كبير داخل القطاعات المختلفة على الصعيد العالمي، ففي قطاع التصنيع على سبيل المثال، تصل إنتاجية الشركات الرائدة إلى ما يقارب 5.4 ضعف إنتاجية الشركات الأخرى، ما يشير إلى أن مكاسب التقدّم لا تنتشر تلقائياً، بل يمثل البحث والتطوير والتجريب في الشركات الكبرى عوامل حاسمة لتعزيز هذه المكاسب. وفي هذا الإطار، ناقشت القيادات طرق تعزيز بيئة التجريب بحيث تتمكن جميع الشركات في دولة الإمارات من إجراء عمليات البحث والاختبار بأمان لتحقيق مكاسب إنتاجية ملموسة.
إطار وطني
تناولت جلسة «الاستثمارات ذات الأثر» استقطاب وتوجيه رأس المال الخاص نحو أولويات وطنية ذات بعد مجتمعي، حيث أكد المشاركون أهمية تبني إطار وطني متكامل ومرن للاستثمار المؤثر في دولة الإمارات، وذلك بحضور معالي الدكتورة آمنة بنت عبدالله الضحاك، وزيرة التغير المناخي والبيئة، ومعالي مريم بنت محمد المهيري، رئيس مجلس إدارة شركة موارد القابضة، وسعيد العطر، الأمين العام المساعد لمؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، وشايستا آصف، الرئيس التنفيذي لمجموعة «بيور هيلث»، وطلال الذيابي، الرئيس التنفيذي لشركة الدار العقارية، ونخبة من قادة شركات القطاع الخاص.
وأشار المشاركون إلى أن قيمة الاستثمارات ذات الأثر المجتمعي بلغت عالمياً 102.4 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 292.8 مليار دولار بحلول عام 2030، وفي دولة الإمارات، يشهد هذا المجال نمواً ملحوظاً في قطاعات عدة، على سبيل المثال، سندات الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، حيث تحتل الإمارات المرتبة الثالثة بين الأسواق الناشئة في الربع الأول من عام 2025، ما يشكل أساساً قوياً لتمويل الاستثمارات التي يمكنها أن تحقق النمو الاقتصادي والفوائد الاجتماعية.
