الرياص - اسماء السيد - ايلاف من الرباط: في تطوّر دبلوماسي لافت يعكس تغيّر موازين المواقف داخل المنتظم الدولي، شدّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الضرورة الملحّة لاغتنام الزخم الدولي الراهن من أجل التوصل إلى حل نهائي لقضية الصحراء المغربية، التي تدخل عامها الخمسين. ويأتي هذا الموقف الأممي في وقت تتعزز فيه الدعوات الدولية لتبني مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الإطار الواقعي والعملي الوحيد لإنهاء هذا النزاع الطويل الأمد.
وقال غوتيريش في تقريره السنوي المقدم إلى مجلس الأمن حول الصحراء المغربية، والصادر الأربعاء، أن هناك تناميًا واضحًا في الالتزام الدولي بإيجاد تسوية سياسية دائمة، مشددًا على أن اللحظة الحالية تمثل فرصة تاريخية لتسريع وتيرة المسار السياسي.
وأوضح الأمين العام أن الأمم المتحدة، من خلال مبعوثه الشخصي ستافان دي ميستورا، تواصل جهودها لإحياء مسلسل المفاوضات رغم استمرار العقبات، معتبرًا أن الدعم المتزايد من قبل المجتمع الدولي يشكل منعطفًا حاسمًا في هذا النزاع الممتد منذ خمسة عقود.
وسلّط التقرير الضوء على الالتزام المتجدد للقوى الكبرى التي كثّفت في الآونة الأخيرة دعواتها لإيجاد حل متفاوض بشأنه قائم على مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007، بوصفها الأساس الواقعي والعملي لتسوية نهائية.
في سياق ذلك، ذكّر غوتيريش بأن الولايات المتحدة جدّدت تأكيدها دعم السيادة المغربية على الصحراء، وتشديدها على ضرورة انخراط الأطراف دون تأخير في مفاوضات جدّية تستند إلى مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد الواقعي. وأضاف أن واشنطن عبّرت عن استعدادها لـ”تسهيل التقدم” نحو تحقيق هذا الهدف.
كما أشار الأمين العام إلى موقف المملكة المتحدة التي وصفت مبادرة الحكم الذاتي المغربية بأنها “الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية”، مؤكدة التزامها بـ”تقديم دعم فعّال” لجهود المبعوث الشخصي للأمم المتحدة من أجل الدفع قدمًا بالعملية السياسية.
وشدد غوتيريش على أن اقتراب الذكرى الخمسين للنزاع في نوفمبر 2025 يشكل لحظة بالغة الأهمية، إذ قال إن “هذه الذكرى لا تمثل مجرد وضع مقلق، بل أيضًا فرصة لتجديد الالتزام الدولي بتسريع التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم”.
ودعا الأمين العام الأمم المتحدة وجميع القوى الكبرى إلى استئناف المفاوضات بشكل فوري، مؤكدًا أن “العقبات لا تزال قائمة رغم إحراز بعض التقدم”، لكنه شدد في المقابل على أن الوقت قد حان لاغتنام الدينامية الدولية الراهنة والضغط باتجاه إعادة إطلاق النقاشات، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي لم يعد في مقدوره الانتظار أكثر.
ويرى مراقبون أن تقرير غوتيريش لهذا العام يأتي في سياق دولي متغيّر يعزّز الموقف المغربي ويضع الأطراف الأخرى، خاصة الجزائر وجبهة البوليساريو، أمام ضغط متزايد من القوى الكبرى للعودة إلى طاولة المفاوضات.
ويشير محللون إلى أن تأكيد الأمين العام على مبادرة الحكم الذاتي كإطار مرجعي عملي وواقعي يعكس تراجعًا ضمنيًا لخطاب الاستفتاء الذي فقد زخمه داخل الأمم المتحدة، لصالح مقاربة سياسية واقعية تراعي التوازن والاستقرار الإقليمي.
ويُتوقع أن يشكل هذا التقرير مرجعية أساسية في المداولات المقبلة لمجلس الأمن نهاية أكتوبر، حيث يُرجّح أن يتبنى الأعضاء الدائمون لهجة أكثر صرامة تجاه الأطراف المعرقلة، ودعمًا أوضح للمسار السياسي القائم على مبادرة المغرب، بما يعزز موقع الرباط كفاعلٍ رئيسي في حفظ الأمن والتنمية في المنطقة المغاربية والإفريقية.