اخبار العالم / اخبار اليابان

اليابان | مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي... هل تراهن اليابان على غاز ألاسكا لتفادي أزمات الطاقة؟

  • اليابان | مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي... هل تراهن اليابان على غاز ألاسكا لتفادي أزمات الطاقة؟ 1/2
  • اليابان | مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي... هل تراهن اليابان على غاز ألاسكا لتفادي أزمات الطاقة؟ 2/2

بينما يتسابق العالم نحو هدف الانبعاثات الكربونية الصفرية، تجد اليابان نفسها أمام معادلة معقدة: بين ضغوط أمريكية للاستثمار في مشروع ضخم للغاز الطبيعي المسال في ألاسكا – بتكلفة قد تصل إلى 44 مليار دولار – وبين تساؤلات داخلية حول جدوى هذا الاستثمار مقارنةً بتحدياته. فما الذي يمكن أن تجنيه طوكيو من المشاركة في هذا المشروع الطموح؟ وهل يشكّل فرصة استراتيجية لتعزيز أمنها الطاقي، أم عبئًا اقتصاديًا في عصر تتراجع فيه مكانة الوقود الأحفوري؟

رؤية ترامب للطاقة من منظور سياسي

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيلاً من الأوامر التنفيذية عند توليه منصبه في يناير/ كانون الثاني 2025، من بينها أمر تنفيذي بعنوان ”إطلاق العنان للإمكانات الاستثنائية لموارد ألاسكا“، والذي يعلن عن الحاجة إلى استغلال الموارد الطبيعية للولاية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، من أجل كبح التضخم، وتوفير فرص عمل، وتصحيح اختلالات الميزان التجاري، وتعزيز النفوذ العالمي للولايات المتحدة، فضلاً عن التصدي لمحاولات القوى الأجنبية استخدام إمدادات الطاقة كسلاح. وتماشيًا مع هذه السياسة، تحث إدارة ترامب اليابان على الاستثمار في مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا تحت ضغط المفاوضات الجمركية الصعبة التي تنخرط فيها اليابان حالياً، وهذا المشروع عبارة عن خطة مكلفة لمد أنابيب الغاز عبر الولاية، وتسييله، ثم شحنه إلى دول شرق آسيا.

وللغاز الطبيعي المسال تاريخ طويل في ألاسكا، فقد كانت أولى واردات اليابان من هذا النوع من الغاز عام 1969 وكانت من ولاية ألاسكا. لكن بخلاف الاسم، لا يشترك مشروع الغاز الطبيعي المسال الجديد في ألاسكا الذي تدفع به الإدارة الأمريكية مع المشروع السابق إلا في جوانب قليلة.

ففي الخطة السابقة، كان يتم استخراج الغاز الطبيعي من احتياطيات شبه جزيرة كيناي التي تقع على الساحل الجنوبي لألاسكا، حيث كان يُعالَج ليصبح غازًا طبيعيًا مسالًا ثم يتم شحنه للتصدير. وكانت السعة الإجمالية لا تتجاوز 1.5 مليون طن سنويًا. لكن، بدءًا من عام 2015، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي المسال عالميًا بسبب زيادة المعروض وضعف الطلب، ما جعل من الصعب على ألاسكا المنافسة مع الموردين الآخرين. وفي عام 2017، توقفت عمليات مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا.

أما مشروع التطوير الجديد فيقترح استغلال حقول الغاز الموجودة في مقاطعة نورث سلوب المطلة على المحيط المتجمد الشمالي في شمال ألاسكا. وسيتم نقل الغاز عبر أنبوب يمتد لمسافة 1300 كيلومتر عبر ألاسكا وصولًا إلى شبه جزيرة كيناي، حيث ستقوم منشآت التسييل بإنتاج ما يصل إلى 20 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا. وتأمل شركة تطوير خطوط الغاز في ألاسكا (AGDC) ، وهي شركة عامة مستقلة تتولى قيادة المشروع (بما في ذلك بناء خط أنابيب الغاز الطبيعي ومحطة التسييل)، أن تبدأ في شحن الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030.

تعتمد ألاسكا بشكل كبير على الغاز الطبيعي المستخرج محليًا لأغراض التدفئة والاستخدامات الصناعية، وقد بدأت احتياطيات الغاز في شبه جزيرة كيناي في النفاد، مع توقع نفاد الإمدادات تماماً في منتصف ثلاثينيات القرن الحالي. لذلك، يمثل تطوير حقول نورث سلوب مصدرًا جديدًا للطاقة الميسورة التكلفة لسكان ألاسكا، بالإضافة إلى الإيرادات الكبيرة التي سيدرّها عليهم تصدير الغاز.

الطلب على الغاز الطبيعي المسال في شرق آسيا

في فبراير/ شباط 2025، أصدرت الحكومة اليابانية خطة الطاقة الاستراتيجية السابعة التي تتضمن توقعات العرض والطلب على الطاقة لعام 2040. بالإضافة إلى التوقعات الأساسية للطاقة، تتضمن الخطة سيناريو بديل يفترض عجز اليابان عن تحقيق أهدافها الرسمية الرامية إلى الاعتماد على مصادر الطاقة غير الأحفورية (مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين). في حالة تمكّن اليابان من تحقيق أهدافها، فمن المتوقع أن ينخفض الطلب على الغاز الطبيعي المسال في السنة المالية 2040 عن المستوى الحالي البالغ 66 مليون طن (السنة المالية 2022) ليصل إلى ما بين 54 و60 مليون طن. أما إذا لم تحقق البلاد أهدافها في الاعتماد على مصادر الطاقة غير الأحفورية، فسيكون الطلب التقديري على الغاز الطبيعي المسال حوالي 74 مليون طن.

باختصار، من المتوقع أن يستمر مستوى معين من الطلب على الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2040. وفي الوقت الراهن، فإن موعد تجديد العقود طويلة الأجل التي تشتري بموجبها شركات الكهرباء والتجارة اليابانية الغاز الطبيعي المسال يقترب، وسيكون من اللازم توقيع عقود جديدة لضمان استقرار إمدادات الطاقة في المستقبل، ويُعد استيراد الغاز الطبيعي المسال من ألاسكا أحد الاحتمالات المطروحة.

جدير بالذكر أن وضع كل من كوريا الجنوبية وتايوان مشابه لوضع اليابان، حيث يمكن لكوريا الجنوبية فقط توقع كمية الطاقة التي ستوفرها مصادر الطاقة المتجددة خلال العشر إلى عشرين سنة القادمة. أما تايوان، التي أغلقت آخر محطة نووية عاملة في مايو/أيار من هذا العام، فقد اعتمدت استراتيجية طاقة تهدف إلى تحويل محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم إلى الغاز الطبيعي. من الواضح أن كل هذه الدول الثلاث ستكون في حاجة ماسة للغاز الطبيعي المسال في المستقبل، مما يمنح فرصة تجارية لمشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا.

استيراد الغاز من ألاسكا من وجهة نظر الجغرافيا

من الواضح أن مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا يحظى بدعم قوي من إدارة ترامب، لكن ما هي الفوائد النسبية التي ستعود على اليابان وجيرانها؟

أكبر ميزة هي القرب الجغرافي. فاليابان تستورد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بالفعل، لكن هذه الشحنات تنطلق من خليج المكسيك، وأقصر طريق لها هو عبر قناة بنما التي يبلغ طولها حوالي 17 ألف كيلومتر. علاوة على ذلك، وبسبب الازدحام الذي يجعل من الصعب عبور ناقلات الغاز الطبيعي المسال للقناة، أصبح الطريق المفضل حاليًا هو عبر رأس الرجاء الصالح، وهي رحلة بطول 29 ألف كيلومتر. أما الساحل الجنوبي لألاسكا، فهو يبعد حوالي 6 آلاف كيلومتر فقط عن اليابان. لذا فإن المسافة القصيرة ووقت الشحن الأقل يعنيان تكاليف نقل أقل وجداول تسليم أكثر مرونة.

لا شك أن الشحن من ألاسكا جذّاب أيضًا من ناحية سلامة الملاحة. فالغاز الطبيعي المسال القادم من قطر عادةً ما يمر عبر مضيق هرمز ومضيق ملقا قبل أن يتجه شمالًا عبر بحر الصين الجنوبي. ولا يخفى على أحد أن مضيق هرمز يُشكّل مخاطر تتعلق بالسلامة كلما كانت الأوضاع غير مستقرة في الشرق الأوسط، كما أن القرصنة لا تزال تمثل مشكلة في مضيق ملقا. أما النشاط الصيني المتزايد والحازم في بحر الصين الجنوبي – الذي تدّعي الصين أن معظمه يقع ضمن أراضيها – فيجعل الملاحة هناك أكثر تعقيدًا. وبالتالي، فإن شحن الغاز الطبيعي المسال من ألاسكا يُعد وسيلة لتجنّب كل هذه المخاطر المتعلقة بالسلامة.

تكاليف خيالية لإنجاز المشروع

لكن خطة مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا تثير بعض التساؤلات الجادة المتعلقة بالتكاليف والمدة الزمنية اللازمة لإنجازه.
صحيح أن الغاز المستخرج من منطقة نورث سلوب رخيص بحد ذاته، لكن بناء محطة جديدة لمعالجة الغاز في المنطقة، ومد أنبوب غاز عبر ألاسكا، وإنشاء محطة تسييل على شبه جزيرة كيناي، كلها مشاريع تتطلب تكاليف هائلة. في التقديرات الأولية التي قدمها المطوّر، بلغت الكلفة الإجمالية حوالي 44 مليار دولار، لكن التضخم أدى إلى ارتفاع تكاليف البناء منذ ذلك الحين، كما أن التحديات المرتبطة بمد الأنابيب عبر مناطق التربة الصقيعية (permafrost) قد تضيف مبالغ كبيرة إلى التكلفة. ولا يمكن اتخاذ أي قرار نهائي إلا بعد إجراء تحليل مستقل ومفصّل، من المرجح أن يُظهر تكلفة أعلى.

ولتبسيط الفكرة من خلال المقارنة، تُقدّر تكلفة الاستثمار في مشروع ريو غراندي للغاز الطبيعي المسال، الجاري إنشاؤه حاليًا في براونسفيل، تكساس، بحوالي 20 مليار دولار. صحيح أن المشروعين يختلفان كثيرًا من حيث حجم الإنشاءات وأنواع التكاليف، لكن هذه المقارنة تُسهم في وضع تكاليف مشروع ألاسكا ضمن منظور واقعي. فارتفاع تكلفة الاستثمار الأولي المطلوب يزيد من صعوبة تمويل المشروع، كما قد يؤدي أيضًا إلى رفع سعر بيع الغاز الطبيعي المسال الناتج عنه.

تأثير تغير الإدارات الأمريكية على المشاريع الاقتصادية

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المدة الطويلة التي يتطلبها مشروع ألاسكا للغاز الطبيعي المسال حتى يبدأ تشغيله التجاري تُعد مشكلة من عدة نواحٍ.

أولًا، قد تؤثر هذه المدة على قدرة المشروع على التنافس مع مشاريع أخرى تستهدف السوق الآسيوية، بما في ذلك مشاريع أمريكية أخرى، ومشروع كندي بدأ تصدير الغاز من ساحل المحيط الهادئ في مايو/أيار 2025، فضلاً عن خطط لزيادة الإنتاج في قطر. بعبارة أخرى، لدى العملاء الآسيويين عدة خيارات للاستثمار في الغاز الطبيعي واستيراده، ولن يختاروا مشروع ألاسكا إلا إذا لبّى احتياجاتهم من حيث الجدول الزمني وشروط البيع. ويعد هذا الأمر أكثر أهمية في اليابان لكون معظم المستوردين من الشركات الخاصة. أما في كوريا الجنوبية وتايوان، حيث تتولى شركات عامة استيراد الغاز، فقد تلعب الاعتبارات السياسية دورًا في اتخاذ قرارات الشراء، لكن حتى في هذه الحالة، سيكون على المشترين أن يقرروا ما إذا كانت الفوائد السياسية تستحق تحمل التكاليف الإضافية.

ثانيًا، وفقًا للجدول الزمني الحالي، لن يبدأ مشروع ألاسكا بتصدير الغاز قبل انتهاء الولاية الثانية للرئيس ترامب في يناير/كانون الثاني 2029. وقد شهدنا بشكل مباشر التغييرات الجذرية في السياسات التي قد تحدث عندما يتولى رئيس جديد من حزب مختلف الحكم في واشنطن، فمن المحتمل أن تعيد الإدارة المقبلة إحياء سياسات حماية البيئة ومكافحة تغيّر المناخ التي تخلّى عنها ترامب، وهو ما قد يعرّض مشروع ألاسكا للخطر. فقرارات الأعمال طويلة الأجل تحتاج إلى درجة من الاستقرار السياسي، ومن هذه الناحية، أصبحت الولايات المتحدة بلدًا عالي المخاطر.

المشكلة الثالثة المتعلقة بطول المدة الزمنية لمشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا ترتبط بالعام المستهدف لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية، والمحدد بعام 2050. من المؤكد أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال من قبل اليابان ومستوردين آخرين في شرق آسيا سيتراجع بشكل حاد مع اقتراب هذا الموعد. فعقد غاز لمدة 20 سنة يُوقّع في عام 2030 سيمتد حتى عام 2049. وإذا كانت هناك حاجة إلى عقود طويلة الأجل لتأمين التمويل، فمن المنطقي أن تبدأ عمليات التصدير في أسرع وقت ممكن. كل هذا يؤكد على أن مشروع ألاسكا لم يعد أمامه الكثير من الوقت المتاح.

مشروع قديم جديد

لطالما وُضِعت خطط للاستفادة من موارد الغاز الطبيعي في نورث سلوب (شمال ألاسكا) منذ عقود، لكنها توقفت مرارًا بسبب عقبات مالية وسياسية. لذا فإن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب تحت عنوان ”إطلاق الإمكانات الاستثنائية لموارد ألاسكا“ يمثل فرصة غير مسبوقة لمشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا. لكن نظرًا لقصر مدة ولاية ترامب واقتراب الموعد النهائي لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، فإن نافذة الفرصة المتاحة ضيقة.

في نهاية المطاف، ستُحدَّد قدرة مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا على دخول سوق شرق آسيا بسرعة التنفيذ وتكاليفه.

فمن حيث السرعة، يحتاج المشروع إلى إحراز تقدم ملموس، أي اتخاذ قرار استثماري نهائي وبدء أعمال البناء الأولية في وقت قريب، طالما أن الأجواء السياسية لا تزال مواتية، وإلا فسيفقد المشروع زخمه، وستسيطر على السوق مشاريع الغاز المسال المنافسة.

ولا حاجة للتأكيد مجدداً على أهمية اعتبارات التكاليف، إذ سيكون من الخطأ المبالغة في تقييم قيمة مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا اعتمادًا على موقعه الجغرافي فقط. ومع ذلك، إذا تمكن المشروع من تقديم منتجه بسعر منافس للأسعار المعروضة من قبل المنافسين، فسوف يتحول موقعه الجغرافي إلى عامل جذب قوي، مما يزيد بشكل كبير من فرصه في اقتحام سوق شرق آسيا.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ 25 يوليو/تموز 2025، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ناقلة غاز طبيعي مسال تصل إلى محطة فوتسو للطاقة في محافظة تشيبا، فبراير/شباط 2023. © وكالة أخبار كيودو)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي... هل تراهن اليابان على غاز ألاسكا لتفادي أزمات الطاقة؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا