شكرا لقرائتكم خبر عن كيف تُغذي استراتيجية النفط الصخري الأميركية طفرة طاقة جديدة في الشرق الأوسط؟ والان مع بالتفاصيل
دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم منذ بدايات العقد الثاني من الألفية، أدى التطوير المكثف والمنهجي لقطاعي النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة إلى تحويلها من أحد أكبر مستوردي الطاقة في العالم إلى أحد أكبر مصدّريها. لكن هذا التحول لم يقتصر على إعادة رسم خريطة التجارة العالمية للطاقة، بل قلب موازين القوة في السوق العالمية التي تشكلت بعد أزمة النفط عام 1973.
واليوم، ومع استمرار الارتفاع الحاد في الطلب العالمي على الغاز الطبيعي مدفوعًا بمخاوف من اندلاع نزاعات جديدة وتوسع مراكز البيانات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي حول العالم، تتطلع دول الشرق الأوسط إلى زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، لا سيما عبر تطوير مواردها الصخرية. وفي هذا السياق، تنظر كل من السعودية والإمارات إلى الولايات المتحدة ليس كمنافس مستقبلي، بل كمصدر رئيسي للمعرفة التقنية – وهو الدور الذي ترحب واشنطن بلعبه. فالمشاركة في تطوير البنية التحتية للطاقة داخل أي بلد تعدّ، من منظور استراتيجي، وسيلة فعالة لضمان النفوذ الأميركي واستدامة العلاقات وفق مصالحها.
دروس من التاريخ: من "الأخوات السبع" إلى شراكات الطاقة الجديدة
قبل عامي 1973 و1974، كانت صناعة النفط العالمية خاضعة لسيطرة مجموعة صغيرة من الشركات الغربية عُرفت باسم “الأخوات السبع”، كما يوضح الكاتب في كتابه الأخير حول النظام العالمي الجديد لأسواق النفط. وتضم هذه الشركات:
- شركة النفط الأنجلو-فارسية (التي أصبحت لاحقًا BP)
- رويال داتش شل
- ثلاث شركات منقسمة عن ستاندرد أويل (كاليفورنيا، نيوجيرسي، ونيويورك)
- غلف أويل
- تكسكو
كانت هذه الشركات تتحكم في عمليات الاستكشاف والإنتاج والنقل والتسعير لعقود حتى أكتوبر 1973، عندما فرضت دول أوبك بقيادة السعودية، ومعها مصر وسوريا وتونس، حظرًا على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكندا وهولندا، ردًا على دعمها لإسرائيل في حرب أكتوبر (يوم الغفران).
وبحلول مارس 1974، أي مع نهاية الأزمة، ارتفع سعر النفط من نحو 3 دولارات إلى نحو 11 دولارًا للبرميل، ما تسبب في ركود اقتصادي عالمي أصاب الغرب بشدة. وقد قال وزير النفط السعودي آنذاك الشيخ أحمد زكي يماني إن الآثار السلبية الكبيرة التي لحقت بالغرب جراء الحظر النفطي شكلت تحولًا جذريًا في ميزان القوى بين الدول المنتجة النامية والدول الصناعية المستهلكة للطاقة.
الولايات المتحدة وردّها: سياسة “فرّق تسد” حتى الثورة الصخرية
منذ ذلك الحين، سعت واشنطن إلى إبقاء نفوذ دول الشرق الأوسط تحت السيطرة. وقد تبنت في ذلك نسخة من دبلوماسية هنري كيسنجر المثلثة التي استخدمها في إدارة علاقات واشنطن مع موسكو وبكين، حين شغل منصبي مستشار الأمن القومي (1969-1975) ووزير الخارجية (1973-1977).
غير أن النسخة الشرق أوسطية من هذه السياسة كانت أقرب إلى استراتيجية "فرّق تسد"، تقوم على استغلال الانقسامات الاقتصادية والسياسية والدينية بين الدول لضمان عدم تشكل جبهة موحدة ضد المصالح الأمريكية.
وظلت هذه المقاربة سمة أساسية للسياسة الأميركية في المنطقة حتى بزوغ “ثورة النفط الصخري”، التي غيرت موازين القوة مجددًا. وقد تجلى هذا التحول خلال حرب أسعار النفط بين 2014 و2016 التي قادتها أوبك بقيادة السعودية ضد المنتجين الأميركيين، لكنها انتهت بانتصار الولايات المتحدة التي تمكنت من خفض تكاليف إنتاجها بشكل غير مسبوق.
من المنافسة إلى التعاون: السعودية والإمارات تتجهان إلى واشنطن لتطوير الغاز الصخري
أدركت دول أوبك الكبرى أن الولايات المتحدة حوّلت قطاعها الصخري الوليد إلى منظومة إنتاج منخفضة التكلفة ومرنة للغاية، وهو ما جعل الرياض وأبوظبي تتطلعان إلى الاستفادة من الخبرة الأميركية لتطوير مواردهما.
في السعودية، بدأ التعاون منذ عام 2019 عبر مشروع الجافورة العملاق للغاز الصخري، الذي تشارك فيه شركات أميركية أبرزها National Energy Services Reunited Corp. التي نفذت عمليات تكسير هيدروليكي واسعة النطاق في المنطقة. كما قادت شركة بلاك روك (BlackRock) الأميركية كونسورتيومًا استثماريًا ضخمًا ضخ نحو 11 مليار دولار في البنية التحتية المتوسطة للمشروع.
ووفقًا لبيان أرامكو السعودية للربع الثالث من عام 2025، فإن المرحلة الأولى من مشروع الجافورة للغاز تسير حسب الجدول الزمني لاستكمالها هذا العام، مع استهداف إنتاج 2 مليار قدم مكعب قياسية يوميًا من الغاز القابل للبيع بحلول عام 2030، في إطار خطة لزيادة إنتاج الغاز بنسبة 80% خلال العقد الجاري.
أما في الإمارات، فتقود شركة أدنوك (ADNOC) جهود تطوير احتياطيات الغاز الصخري لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة وتعزيز القدرات التصديرية المستقبلية. وقال مصبح الكعبي، الرئيس التنفيذي لأنشطة الاستكشاف والإنتاج في أدنوك، إن الشركة تستفيد من الخبرات والتقنيات الأميركية في التكسير الهيدروليكي بالتعاون مع شركة EOG Resources الأمريكية.
ويُعد حقل الرويس محورًا رئيسيًا في جهود الاستكشاف، حيث تدير أدنوك امتياز “ديّاب غير التقليدي للغاز” بعد أن خفّضت توتال إنرجيز الفرنسية حصتها، لتصبح أدنوك المشغل الرئيسي للمشروع الذي دخل مرحلة التطوير الكامل.
وتهدف الإمارات إلى إنتاج مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الصخري قبل عام 2030، مع خطط لتشغيل مصفاة نفطية ضخمة في الرويس ومشروع محطة غاز طبيعي مسال جديدة تضيف 9.6 ملايين طن سنويًا من طاقة التصدير، أي أكثر من ضعف الإنتاج الحالي.
الغاز المسال والذكاء الاصطناعي: دوافع الطلب الجديد
تستند خطط البلدين إلى أهمية الغاز الطبيعي المسال (LNG) المتزايدة في الأسواق العالمية، وتوقعات بارتفاع الطلب العالمي على الغاز نتيجة توسع مراكز البيانات.
منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، أصبح الغاز المسال الملاذ الطاقي العالمي، كونه سهل النقل ويمكن شراؤه وشحنه بسرعة على عكس الغاز عبر الأنابيب.
وقبل الحرب، كانت الصين قد وقّعت – بمستوى لافت من “الحظ” – عقودًا طويلة الأجل بأسعار تفضيلية، مما مكنها من تفادي صدمة ارتفاع الأسعار العالمية. ومنذ ذلك الحين، ساعدت الولايات المتحدة الدول الأوروبية الأكثر اعتمادًا على الغاز الروسي في توقيع عقود طويلة الأجل للغاز المسال مع موردين جدد.
وتشير التوقعات إلى أن الطلب المرتبط بالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وموجات الحر سيدفع 40 إلى 50% من النمو الإضافي في الطلب العالمي على الغاز حتى عام 2040 على الأقل. كما قد تضيف مراكز البيانات وحدها بين 150 و200 مليار متر مكعب سنويًا من الطلب العالمي على الغاز، أي زيادة تتراوح بين 3.6% و4.9% عن التقديرات الحالية.
