ابوظبي - سيف اليزيد - هالة الخياط (أبوظبي)
شهدت فعاليات اليوم الثالث من أعمال المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025 في أبوظبي، يوماً حافلاً بالنقاشات العالمية وإطلاق التقارير والمبادرات النوعية التي تُعزّز العمل الدولي من أجل الطبيعة، إلى جانب تكريم أبطال حماية البيئة الذين يجسّدون التفاني في صون التنوع الحيوي حول العالم.
واحتفى المؤتمر بيوم التراث العالمي، عبر إطلاق النسخة الرابعة من تقرير «آفاق التراث العالمي»، الذي كشف عن أن تغيّر المناخ أصبح التهديد الأكبر لما نسبته 43% من مواقع التراث الطبيعي العالمي، مُتقدماً على جميع التهديدات الأخرى، فيما تواصل الأنواع الغازية تشكيل ثاني أبرز المخاطر، مؤثرة في نحو 30% من المواقع. وأظهر التقرير أن نسبة المواقع ذات التوقعات الإيجابية للحفظ تراجعت إلى 57% مقارنة بـ 62% في عام 2020، مشيراً في الوقت ذاته إلى تحسّن أوضاع 13 موقعاً؛ بفضل الإدارة الفاعلة والتعاون مع المجتمعات المحلية.
وأكدت الدكتورة غريثل أغيلار، المديرة العامة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، أن حماية مواقع التراث العالمي تمثّل «حماية لأسس الحياة والثقافة والهوية الإنسانية»، مشددة على ضرورة تعزيز الجهود الجماعية لضمان صون هذه المواقع من أجل الأجيال القادمة.
الحراس الدوليون
في سياق متصل، شهد المؤتمر حفل جائزة الحراس الدوليين للطبيعة، الذي نظمته اللجنة العالمية للمناطق المحمية التابعة للاتحاد، حيث تم تكريم 13 حارساً وفريق حراسة من مختلف دول العالم؛ تقديراً لشجاعتهم وتفانيهم في حماية النظم البيئية. وقد حصل الفائزون على دعم مالي يتراوح بين 5.000 و25.000 دولار أميركي لمواصلة جهودهم الميدانية. وشملت قائمة الفائزين ممثلين من: أوكرانيا، بوركينا فاسو، سانت فنسنت وجزر غرينادين، والكونغو الديمقراطية.
وقالت الدكتورة أغيلار، في كلمتها خلال الحفل: إن «الفائزين بجائزة الحارس الدولي يجسّدون الشجاعة والإصرار في حماية كنوز كوكبنا الطبيعية، ويمثّلون قدوة عالمية في الالتزام والمسؤولية البيئية».
وتم تنظيم الجوائز بدعم من هيئة البيئة - أبوظبي، والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، والوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، والصندوق الدولي للرفق بالحيوان.
وشهد اليوم الثالث أيضاً، إطلاق مجموعة من المبادرات التقنية والابتكارية في مجال صون الطبيعة، أبرزها خريطة حماية الحياة البرية، التي توفّر محتوى تفاعلياً يجمع البيانات والتحليل القصصي لتحديد الأنواع البحرية الأكثر عُرضة للخطر، والمنصة التابعة لمعهد «ألين للذكاء الاصطناعي»، التي توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في رصد التغيرات البيئية وتطوير حلول لحماية الكوكب. كما تم الكشف عن مشروع «حديقة الحيوانات المجمدة»، الذي يسعى لإنشاء بنك عالمي لحفظ المواد الوراثية للأنواع المهددة بالانقراض بحلول عام 2075.
وفي محور آخر، عُقدت حوارات رفيعة المستوى ناقشت سبل الانتقال من الالتزامات إلى العمل الملموس في حماية المحيطات، واستعرضت حلولاً مبتكرة للاستدامة الحضرية، إلى جانب تسليط الضوء على تجارب ناجحة من دول الجنوب العالمي في إدارة الموارد الطبيعية وحماية التنوع البيولوجي.
كما تميّز اليوم الثالث باحتفالات جوائز Tech4Nature 2025، التي كرّمت أبرز الابتكارات التقنية في مجالات صون الطبيعة، بالإضافة إلى جائزة السياسة المستقبلية العالمية التي نظمها «مجلس المستقبل العالمي»، احتفاءً بالسياسات المُلهمة التي تقدم نماذج عملية للتنمية المستدامة.
واختُتمت فعاليات اليوم الثالث، بحفل تكريم الحراس الدوليين للطبيعة، الذي أقيم في أجواء احتفالية جسدت التقدير العالمي للجهود الميدانية التي يبذلها الحراس حول العالم رغم المخاطر التي تواجههم، إذ تشير الإحصاءات إلى مقتل أكثر من 1,500 حارس خلال أداء مهامهم في السنوات الخمس عشرة الماضية.
وأكدت فعاليات اليوم الثالث من المؤتمر، التزام المجتمع الدولي بتكثيف التعاون لمواجهة تحديات فقدان التنوع الحيوي وتغير المناخ، وتعزيز الشراكات بين الدول والمؤسسات العلمية والقطاع الخاص، بما يُسهم في بناء مستقبل أكثر انسجاماً مع الطبيعة وضمان استدامة الحياة على كوكب الأرض.
الشعوب الأصلية والطبيعة
انطلقت قمة الشعوب الأصلية والطبيعة تحت شعار «معرفتنا التقليدية هي لغة الأرض الأم»، بمشاركة أكثر من مئة من القادة الأصليين من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب شركاء من الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، والمنتدى الدولي للشعوب الأصلية المعني بالتنوع البيولوجي، وعدد من المنظمات المانحة الدولية.
وتُمثّل هذه القمة أول تجمع عالمي حضوري من نوعه للشعوب الأصلية، وتهدف إلى تعزيز الاعتراف بدورهم المركزي كحماة للحياة على كوكب الأرض. وشهدت القمة نقاشات مُعمَّقة حول دمج المعرفة التقليدية في سياسات الحفظ العالمية، إلى جانب إطلاق جناح الشعوب الأصلية الذي يُعد بمثابة «منزلهم الرمزي» داخل المؤتمر، ويجسّد روح أراضيهم وتراثهم الثقافي الغني.
وأكدت القمة أهمية توجيه الاستثمارات نحو الحلول التي تقودها المجتمعات الأصلية، والتي أثبتت فعاليتها في حماية النظم البيئية، وتعزيز التوازن بين الإنسان والطبيعة.
قمم دولية في أبوظبي ترسم ملامح مستقبل الطبيعة
شهدت أروقة مركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك»، سلسلة من القمم المتخصصة التي جمعت قادة العالم، وممثلي المجتمعات المحلية، وروّاد الأعمال، والشباب، والخبراء، في حوارات رفيعة المستوى تهدف إلى دفع العمل البيئي العالمي نحو مستقبل إيجابي للطبيعة.
ويأتي تنظم هذه القمم الدولية في إطار المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025 الذي تستضيفه دولة الإمارات، بتنظيم مشترك بين وزارة التغير المناخي والبيئة وهيئة البيئة- أبوظبي.
وتنوّعت هذه القمم من حيث محاورها ومشاركوها، إلا أنها جميعاً توحّدت في هدفها الأسمى: بناء شراكات مؤثّرة تضع الإنسان والطبيعة على مسار واحد من التوازن والاستدامة.
وبهذه القمم النوعية، تؤكد أبوظبي مكانتها مركزاً عالمياً للحوار والتعاون في قضايا البيئة، ومختبراً للأفكار والحلول المبتكرة التي تُعيد رسم العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وتُرسّخ نهج العمل الجماعي من أجل كوكب أكثر توازناً واستدامة للأجيال القادمة.
نحو اقتصاد إيجابي
شهد يوم أمس، انعقاد قمة الأعمال للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN Business Summit)، التي جمعت نخبة من الرؤساء التنفيذيين وكبار المديرين في مجالات الاستدامة والتمويل والعمل الخيري، لمناقشة كيفية دمج الطبيعة ضمن عمليات اتخاذ القرار المؤسسي، وتعزيز الاستثمارات البيئية المستدامة.
وخلال القمة، أعلن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة بياناً مشتركاً مع كل من مبادرة الطبيعة الإيجابية (NPI) وفريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالطبيعة (TNFD)، لتأكيد أهمية الشراكة بين قطاعي المال والبيئة في تحقيق تحول منهجي يحافظ على الطبيعة، ويعزز التنمية المستدامة.
العمل الخيري
في مشهد يُجسّد التزام أبوظبي بدعم العمل البيئي العالمي، انطلقت قمة العمل الخيري لحماية الطبيعة، حيث ناقش المشاركون سبل توظيف رأس المال الخيري لسد فجوة التمويل البيئي العالمي، والتي تقدّر بنحو 1.3 تريليون دولار سنوياً.
وتهدف القمة، إلى تحفيز التحالفات بين المؤسسات المانحة والقطاعين العام والخاص، واستكشاف حلول تمويلية مبتكرة، مثل التمويل المدمج والاستثمار التحفيزي، بما يُعزّز بناء اقتصاد عالمي مستدام يخدم الإنسان والطبيعة معاً.
الأجيال الصاعدة تقود التغيير
عشية افتتاح المؤتمر، شكّلت قمة الشباب للحفاظ على الطبيعة منصة عالمية جمعت شباباً من أكثر من 100 دولة تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً. وقد ركّزت القمة على تمكين الجيل الجديد من قيادة التغيير البيئي من خلال جلسات تفاعلية وورش عمل ركزت على الإبداع والابتكار في مواجهة التحديات البيئية.
وشدّدت القمة على أهمية دمج رؤى الشباب ومخرجاتهم، ضمن أجندة المؤتمر العالمي، تأكيداً على أن المستقبل المستدام يبدأ بتمكين الشباب، وإشراكهم في صنع القرار البيئي.