ابوظبي - سيف اليزيد - هالة الخياط (أبوظبي)
من قلب الصحراء التي احتضنت الإنسان والطبيعة معاً، تمدّ الإمارات أياديها إلى غابات سومطرة وجبال كولومبيا وجزر زنجبار، حاملةً رسالة أمل بأن كل كائن حي، مهما صغر حجمه أو بَعُد موطنه، يستحق فرصة للبقاء.
هذه فلسفة صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية، الذي جعل من العمل الميداني لغة عالمية تجمع بين الباحثين والمجتمعات والشعوب، وهو ما يحدث تحت راية الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، في إطار المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025 المنعقد حالياً في العاصمة أبوظبي.
في قلب جاوة الوسطى بإندونيسيا، وتحديداً على جبل أونغاران، دعّم الصندوق خلال العام الجاري دراسة علمية حول يعسوب كلوروجومفوس المهيب، وهو كائن نادر لم يُشاهد إلا مرة واحدة عام 2023.
هذا اليعسوب الصغير، لا يعيش إلا في جداول جبلية نقية، ووجوده علامة على نقاء البيئة وسلامتها. ويهدف المشروع إلى جمع بيانات دقيقة لأول مرة عن هذا النوع، وحمايته من أخطار إزالة الغابات وتلوث المياه، ليبقى رمزاً لصحة النظم البيئية المائية.
ومن المياه إلى الغابات، وتحديداً في جزيرة زنجبار بتنزانيا، قدّم الصندوق منحة لإنقاذ ضفدع القصب الزنجباري، الذي يواجه خطراً متزايداً بفقدان موائله الطبيعية. ويتميّز المشروع بانضمامه إلى برنامج «فونسيكا للقيادة الشبابية»، الذي يُركّز على تمكين الباحثين الشباب في الدول النامية من قيادة مبادرات الحماية. فهو مشروع يجمع بين البحث العلمي والتوعية المجتمعية، ليكون هذا الضفدع جسراً يربط بين حماية الطبيعة وبناء قدرات جيل جديد من العلماء المحليين.
وفي كولومبيا بأميركا الجنوبية، يسهم الصندوق في حماية الببغاء ذي الأجنحة النيليّة، أحد أجمل الطيور وأكثرها ندرة. المبادرة ركّزت على تركيب أعشاش اصطناعية لدعم تكاثره، إلى جانب مشروع «مسار الإيكوتور»، الذي يربط بين حماية الطيور وتطوير السياحة البيئية المجتمعية.
وبذلك يتحول الحفاظ على هذا الببغاء إلى فرصة اقتصادية تعود بالنفع على المجتمعات المحلية، وتربط بين حماية الطبيعة والتنمية المستدامة.
أما في بابوا غينيا الجديدة، فقد وجّه الصندوق دعمه إلى آكل النمل الشوكي طويل المنقار، وهو واحد من الثدييات القليلة في العالم التي تبيض. هذا الكائن العجيب يمثّل جزءاً فريداً من تاريخ التطور البيولوجي، لكنه يواجه خطر الانقراض بسبب فقدان موائله. المشروع الحالي يُركز على رصده وحمايته، مع إشراك المجتمعات المحلية في جهود المتابعة، ليكون نموذجاً للتكامل بين العلم والمعرفة التقليدية للسكان الأصليين.
وفي الأراضي الرطبة الاستوائية في سومطرة، ظهر مشروع آخر بدعم من الصندوق لحماية سمكة الغورامي عرق السوس- جونواني. هذه السمكة الصغيرة تعيش حصراً في هذه البيئات المائية الهشة، التي تتعرض لضغوط كبيرة من التوسع في زراعة نخيل الزيت. المشروع يدرس عاداتها الغذائية واحتياجاتها البيئية، ليؤسس لحمايتها في المستقبل. كما أنه جزء من برنامج «فونسيكا للقيادة الشبابية»، الذي يسعى إلى دعم الباحثين الشباب في الدول النامية وتزويدهم بالخبرة العملية الميدانية في مجال التنوع البيولوجي.
ولم تقتصر جهود الصندوق على الحيوانات، بل شملت النباتات النادرة أيضاً. ففي الصومال، دعّم الصندوق مشروعاً لحماية نخيل بانكوال، وهو نوع نادر لا يتجاوز عدد أفراده بضع مئات. ويقوم المشروع بحماية الأشجار البالغة من الرعي الجائر، وزراعة بذور جديدة، وتنظيم جلسات توعية تُشرك المجتمع المحلي في مسؤولية الحفاظ على هذا التراث الطبيعي.
وتقول أزهار مبارك، المتحدث الرسمي باسم الصندوق، لـ «الاتحاد»: «إن مشاركة الصندوق في المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025 في أبوظبي تُمثل محطة مهمة لتعزيز التعاون الدولي، وفرصة لتسليط الضوء على قصص النجاح التي حققتها الإمارات في مجال حماية الأنواع. ونؤكد التزامنا مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة للتحديات البيئية العالمية».
وأضافت مبارك: يشارك الصندوق في المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025، بمشاركة قادة وخبراء البيئة من مختلف أنحاء العالم. وتكتسب هذه المشاركة بُعداً خاصاً، كون رزان المبارك، العضو المنتدب للصندوق، تشغل أيضاً منصب رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، في سابقة تعكس الحضور العالمي المرموق للإمارات.
وقالت: «إننا في الصندوق نفخر بأن نكون جزءاً من هذا الحدث التاريخي الذي يجعل من أبوظبي عاصمة للحوار الدولي حول حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي، ويؤكد ريادة الإمارات في الجمع بين التنمية المستدامة وصون البيئة».