ابوظبي - سيف اليزيد - آمنة الكتبي (دبي)
خطت الإمارات طريقها إلى الفضاء بخطى واثقة ورؤية واضحة، محولة علوم الفضاء من طموح مستقبلي بعيد إلى مشروع وطني متكامل يستند إلى الاستدامة، والمعرفة، والتكنولوجيا المتقدمة.
وشهد عام 2009 إطلاق أول قمر اصطناعي إماراتي باسم «دبي سات-1»، تلته المهمة الثانية «دبي سات-2» عام 2013، ما رسخ تجربة الدولة في بناء أقمار لأغراض الرصد والمراقبة، وفي عام 2018، أطلقت الإمارات القمر «خليفة سات»، كأول قمر اصطناعي تم تصميمه وتصنيعه بالكامل في الدولة بأيادٍ إماراتية.
دخلت الإمارات التاريخ بإطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ في يوليو 2020، ووصوله بنجاح إلى مدار الكوكب الأحمر في فبراير 2021، لتصبح خامس دولة في العالم تنجح في هذه المهمة من المحاولة الأولى، حيث حققت المهمة أهدافها العلمية بدراسة الغلاف الجوي للمريخ، وتقديم بيانات غير مسبوقة لمجتمع الباحثين العالميين.
كما عززت الإمارات طموحها نحو الفضاء العميق بإعلان مشروع الإمارات لاستكشاف حزام الكويكبات، المقرر إطلاقها عام 2028، ما يعكس انتقالها من مرحلة التشغيل إلى مرحلة القيادة والمشاركة في اكتشاف الفضاء البعيد، حيث تمتد مهمة الإمارات لاستكشاف حزام الكويكبات على مدار 13 عاماً، تنقسم إلى 6 سنوات لتطوير وتصميم المركبة الفضائية، و7 سنوات لاستكشاف حزام الكويكبات الرئيسي بين المريخ والمشتري، وستعمل الأجهزة العلمية لمركبة المستكشف محمد بن راشد على معرفة أصول وتطور الكويكبات الغنية بالمياه، وتقدير إمكانية استخدام تلك الكويكبات كموارد لمهمات استكشاف الفضاء في المستقبل.
أما على مستوى برامج الفضاء البشرية، فنجحت الإمارات في تأهيل رواد فضاء إماراتيين للمهام العلمية في المدار، وكان رائد الفضاء هزاع المنصوري أول إماراتي يصل إلى محطة الفضاء الدولية في سبتمبر 2019، في مهمة قصيرة امتدت لثمانية أيام، وتبعتها لاحقاً مهمة أطول نفذها معالي سلطان النيادي، رائد الفضاء، وزير دولة لشؤون الشباب، ضمن مهمة استمرت 6 أشهر على متن محطة الفضاء الدولية، أجرى خلالها عشرات التجارب العلمية، والمشاركة في أول مهمة سير في الفضاء الخارجي لرائد فضاء عربي.
كما واصلت الإمارات تطوير أقمارها الاصطناعية باستخدام تقنيات محلية متقدمة، وكان إطلاق القمر «محمد بن زايد سات» في يناير 2025 محطة مفصلية، كونه يعد أكثر الأقمار الاصطناعية تطوراً في المنطقة من حيث دقة التصوير، وحجم البيانات، وكفاءة معالجة الصور. كما جاء مشروع «المستكشف راشد» كأول مهمة عربية لاستكشاف سطح القمر، وقد تم إطلاق «راشد 1» في ديسمبر 2022، لكنه لم ينجح في الهبوط على سطح القمر، ومع ذلك واصلت الإمارات العمل على النسخة الثانية، وتم الانتهاء من تطوير «راشد 2» بنجاح في أكتوبر 2025، استعداداً لإطلاقه في مهمة جديدة تهدف إلى دراسة الخصائص الحرارية والتكوينية لسطح القمر، من خلال أجهزة تصوير ومستشعرات علمية متطورة تم تصميمها وتصنيعها محلياً.
ووفقاً لنتائج المسح الوطني للفضاء، ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي والخاص في هذا القطاع بنسبة 49%، كما شهد الاستثمار في البحث والتطوير الفضائي نمواً بلغ 9 أضعاف منذ عام 2019، ما يعكس التحول الكبير نحو التركيز على تطوير التقنيات الفضائية المتقدمة محلياً، كما أشار المسح إلى زيادة بنسبة 51% في عدد المواطنات العاملات في قطاع الفضاء خلال عام واحد فقط، وهو ما يعكس نضج البيئة التمكينية لدور المرأة الإماراتية في قطاعات المستقبل.
3500 وظيفة
بلغت نسبة تمويل واستثمارات القطاع الخاص في الفضاء 44.3 % ما يعزز أهمية القطاع الخاص في قطاع الفضاء، ويضم القطاع الفضائي أكثر من 180 شركة ناشئة ومركزاً للبحث والتطوير، بدعم من حاضنات تقودها الحكومة وبرنامج المناطق الاقتصادية الفضائية؛ بهدف دعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في هذا المجال، كما تم تأسيس صندوق وطني بقيمة 3 مليارات درهم، لدعم قطاع الفضاء، ويوفر قطاع الفضاء أكثر من 3500 وظيفة مباشرة وآلاف الوظائف غير المباشرة في دعم الصناعات، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتصنيع المتقدم.
رؤية استراتيجية
تعد الإمارات اليوم من أبرز الدول العربية التي امتلكت منظومة فضائية متكاملة، سواء على مستوى البنية التحتية، أو الخبرات الوطنية، أو المشاريع المتقدمة التي تجاوزت حدود المدار الأرضي إلى الفضاء العميق، وجاء هذا التقدم نتيجة رؤية استراتيجية طويلة المدى، بدأت مع إطلاق أولى المبادرات الفضائية الوطنية، وتطورت لتصبح نموذجاً يحتذى به في بناء قطاع فضائي سيادي تنافسي.
«ياه سات»
بدأت الإمارات في قطاع الفضاء عندما انطلقت مشاريع اتصالات فضائية، مثل «الثريا» في أواخر التسعينيات، تبعتها «ياه سات» لتشكل نواة الاستثمارات الأولى في البنية الفضائية، وبدأ التحول الحقيقي عام 2006 تزامناً مع تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء، الذي أصبح الذراع التنفيذية للبرامج الفضائية، وقاد تطوير الأقمار الاصطناعية والاستكشافات العلمية وعمليات الإطلاق.
