الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من واشنطن: قد يبدو المشهد رائعاً من الخارج، ولكن في حقيقة الأمر فإن الخوض في تفاصيل ملف إعادة إعمار غزة، يجعله أكثر تعقيداً مما يتوقع أو يظن الجميع.
فالدول الخليجية لن تدفع 70 مليار دولار بسهولة، خاصة أن الرؤية الخليجية تقوم على الدعم المالي مقابل ضمانات سياسيةواضحة، ومصر تترقب ما يحدث بحثاً عن دور لشركاتها في إعادة الإعمار، فيما يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ثقة تامة من انجاز مهام اعادة الإعمار بسهولة، هذا وفقاً لتقرير لـ"بلومبيرغ".
قبل توقيع خطته للسلام في غزة هذا الشهر، ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلمة في البرلمان الإسرائيلي وشكر فيها 'الدول العربية والإسلامية' على تعهدها بتقديم 'مبالغ هائلة' لإعادة إعمار غزة.
وبدا أن ذلك قد حسم – بالنسبة إلى الرئيس الأميركي على الأقل – مسألة كيفية توفير مبلغ الـ70 مليار دولار الذي تقول الأمم المتحدة إنه ضروري لإعادة إعمار القطاع الذي دمّرته الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس على مدى عامين.
لكن إقناع دول مثل قطر والسعودية والإمارات بتسليم هذه الأموال لن يكون بالسهولة التي صوّرها ترامب.
لكل من الدول الثلاث تحفظات محددة بشأن تقديم التمويل دون شروط، وفقًا لعدد من الأشخاص المطلعين على مواقف المسؤولين الخليجيين، على الرغم من أنّ الدول الخليجية الثلاث الثرية بالموارد والطاقة شاركت في صياغة خطة السلام ووافقت عليها بحماسة.
التعهد أكثر سهولة من التنفيذ
ويقول إبراهيم سيف، وزير الطاقة والتخطيط الأردني الأسبق الذي يعمل حاليًا مستشارًا في عمّان: “من تجربتي، من السهل التعهد بتقديم التمويل، لكن تنفيذ ذلك فعليًا ووضع الأموال على الطاولة أمر مختلف تمامًا”.
وتستضيف مصر الشهر المقبل مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار غزة، وستكون الدول الخليجية من أبرز المشاركين فيه، مما سيضع مسألة التمويل في صدارة النقاشات.
وفي الأثناء، تتقدم قضايا ما بعد الحرب الأخرى – مثل مدى التزام إسرائيل بالاتفاق ونزع سلاح حماس – على جدول أولويات المسؤولين الذين يشرفون على الأسابيع الأولى من الهدنة الهشة أحيانًا.
الرياض لا تقدم منحاً مجانية
وقالت مصادر إن السعودية، التي قادت الدول العربية والإسلامية للدفع نحو وقف إطلاق النار وتولت مع فرنسا جهود تعزيز الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، مقيدة من حيث ما يمكنها الالتزام به ماليًا تجاه غزة، ويعود ذلك أساسًا إلى انخفاض أسعار النفط بأكثر من 10% هذا العام، كما أن الرياض أنهت تقليدًا طويلًا في تقديم المنح المجانية.
ويقول الكاتب والمحلل السعودي علي الشهابي، المقرّب من الديوان الملكي: “الرياض تتحسس من كتابة شيكات على بياض بعد عقود من الفساد وسوء استخدام الأموال من قِبل متلقّين في العالمين العربي والإسلامي”.
ويقول ثلاثة أشخاص مطلعين على مداولات القيادة السعودية الحالية، يُتوقع أن تعتمد المملكة على دول خليجية أخرى مثل قطر والإمارات، وربما الكويت، التي تراها أكثر سيولة، لتوفير الجزء الأكبر من تمويل غزة.
لكن الإمارات مترددة في تخصيص مبالغ كبيرة قبل أن يتضح “الاتجاه السياسي للمسار المقبل”، وقبل التوصل إلى ترتيبات تشغيلية وأمنية على الأرض وامتلاك “رؤية طويلة المدى” تجاه إقامة دولة فلسطينية، بحسب أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال فعالية الأسبوع الماضي.
أبوظبي تريد استبعاد حماس كلياً
وترغب أبوظبي في أن ترى أولًا نزع سلاح حماس بالكامل واستبعادها من أي دور مستقبلي في إدارة غزة، إلى جانب إعادة هيكلة شاملة للسلطة الفلسطينية، وفق ما قاله مسؤول إماراتي كبير.
أما قطر، التي تستضيف قادة من حركة حماس في الدوحة منذ أكثر من عقد وكانت وسيطًا رئيسيًا في مفاوضات السلام الخاصة بغزة، فتركّز على ضمان تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها في اتفاق السلام قبل أن تضع أي أموال في مشاريع إعادة الإعمار، بحسب مصادر مطلعة على موقف الدوحة.
وتقبل قطر ودول عربية أخرى استبعاد حماس من القيادة المؤقتة لغزة كما نصّت عليه خطة ترامب، والتي دعمتها جميعها، ولكن يرى بعض المسؤولين في المنطقة أنه من المستحيل استبعاد حماس كليًا من الحياة السياسية الفلسطينية، وأن الخيار الأكثر واقعية هو بحث الدور الذي يمكن أن تضطلع به الحركة بعد إصلاحها، وفق ما قاله مسؤول عربي كبير شارك في صياغة خطة ترامب.
ولم ترد حكومات السعودية وقطر والإمارات على طلبات التعليق على مضمون المقال.
موقف حماس يعقد الأمور
ويُعدّ أيّ مستوى من مشاركة حماس خطًا أحمر بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، ولا توجد أي مؤشرات على أنهما بصدد تغيير موقفهما، بالنظر إلى الهجوم الذي شنّته الحركة على إسرائيل في أكتوبر (نشرين الأول) 2023.
ولا تزال الجماعة المسلحة، المصنّفة منظمةً إرهابية من قبل الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأخرى، تسيطر على نحو نصف قطاع غزة، وقد ناقش نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس وصهر ترامب جاريد كوشنر الأسبوع الماضي خطةً لتقسيم القطاع إلى منطقتين، بحيث تبدأ أعمال إعادة الإعمار فقط في الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، غير أن هذا المقترح لا يزال في مراحله الأولى، وقد لا يرى النور.
النفوذ ودور الكلمة.. قطر هي الحل
ومن المرجح أن يعوّل ترامب على قطر لتوفير جزء كبير من تمويل إعادة إعمار غزة، وفقًا لما قاله فراس مقصد، المدير التنفيذي لممارسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا.
وكان الرئيس الأميركي قد منح الدوحة ضمانةً أمنية في وقت سابق من هذا الشهر، مما عزّز العلاقات بين البلدين، غير أن قطر ستطلب في المقابل بعض المكاسب السياسية.
وقال مقصد: “قطر تريد نفوذًا ودورًا في غزة، سواء عبر حماس منزوعة السلاح جزئيًا، أو حماس سياسية منزوعة السلاح بالكامل، أو صيغة أخرى من الترتيب”، مضيفًا أن “ذلك سيكون إشكاليًا بالنسبة لإسرائيل”.
وقالت ياسمين فاروق، مديرة مشروع الخليج وشبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية، إن دول الخليج “تتفق جميعها على أنها لن تضع أموالًا في غزة ما لم تتأكد أولًا من أن ما حدث لن يتكرر”، في إشارة إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر وما تلاه من صراع.
وأضافت: “هذا يعني الحصول على ضمانات من حماس بأنها لن تهاجم إسرائيل، ومن إسرائيل بأنها لن تستأنف الحرب”.
مصر تريد دوراً قيادياً لشركاتها
أما مصر، التي تنظر إلى غزة المجاورة باعتبارها جزءًا من مجال نفوذها الطبيعي، فهي حريصة على أن تضطلع شركات القطاع الخاص لديها بدور قيادي في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية المموّلة دوليًا، بما في ذلك قطاعات الغاز والطاقة، وفقًا لما قاله الوزير الأردني الأسبق والمستشار الحالي إبراهيم سيف.
وأوضح سيف أنه يتفهم تردد دول الخليج في الحديث عن إعادة الإعمار في ظل الخطر الحقيقي من احتمال تجدّد القتال بين إسرائيل وحماس، وتجاربها السابقة في غزة، والأسئلة العالقة حول نطاق عملية الإعمار.
وقال: “هل المقصود هو فقط إعادة بناء ما تضرر؟ أم أن هناك خطة شاملة تجعل من غزة منطقة تملك ميناءً ومنظومة كهرباء ومياه وصرف صحي متكاملة؟”
